بعيداً من التحليل أو التوقع أو الاستشراف، يمكن سرد الوقائع الآتية:
– لم يختلف أداء النواب «التغييريين»، منذ انتخابهم، عن أداء النواب «التقليديين جداً» الذين يُفترض أنهم جاؤوا ليحلّوا مكانهم. فلا يكاد يُسمع لهم صوت في اللجان النيابية أو في الهيئة العامة، أما خارج المجلس، فيغيبون عن مناطق يكتشف ناخبوها اليوم فقط أن ليس لديهم فيها منزل أو مكتب أو آلية عمل. وهو ما يضاعف، بحسب تقارير دبلوماسية، قناعة من «اخترعهم» بمحدودية صلاحيتهم وتواضع إنتاجيتهم في المشروع الكبير الذي يعني مموّلهم، وأنهم يفيدون مرحلياً في بناء واقع تفاوضي أفضل، لكن لا يمكن التعويل عليهم في الاستراتيجيّة البعيدة الأمد. وهو ما قد يفسّر الاستعجال الأميركي الكبير اليوم.
– رغم التباينات الأميركية – التركية، غالباً ما يتزامن تشغيل المحركات القطرية في أيّ ساحة بمؤازرة تركية، وهو ما يحصل في لبنان اليوم. ففي موازاة الانفتاح القطريّ على باسيل مثلاً، يسجل انفتاح تركيّ أكبر بكثير لا يزال بعيداً عن الأنظار. ولا يقف الدور التركي عند حدود البياضة بطبيعة الحال، بل يتأهّب للدفاع عن المسعى القطري في المناطق السنية إذا ما قررت السعودية تخريبه.
– إذا كان ارتباط السعودية بالإدارة الأميركية يرتكز على المؤسستين السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة، فإن من الواضح أن ارتباط قطر بهذه الإدارة يرتكز على المؤسسة العسكرية، وتحديداً القيادة الوسطى في الجيش الأميركي. وتنبغي الإشارة هنا إلى أنه عشية اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، كان ثمة أكثر من خط أميركي مفتوح مع أكثر من جهة لبنانية، قبل أن يقرّر الأميركيون إقفال خطَّي التواصل العسكري والأمني والإبقاء على قناة اتصال سياسية واحدة. وهو ما يتكرر اليوم مع فتح أكثر من خط أميركي، أحدها خاص بـ«الدولة الأميركية العميقة» مرشحه ميشال معوض، والآخر خاص بالقيادة الوسطى ومرشحه قائد الجيش جوزف عون. وما بين هذين الخطين، حزب ديموقراطيّ يؤمن بـ«المجتمع المدني العابر للحدود» ومن يمثله من مرشحين رئاسيين كثر. واللافت هنا أن مرشح المؤسسة السياسية الأميركية (معوض) يقدم كرأس حربة، فيما يجري تقديم مرشح المؤسسة العسكرية – الأمنية الأميركية (عون) كمرشح تسوية.
– الأوراق المبعثرة لحلفاء الولايات المتحدة تقابلها، للمرة الأولى، أوراق مبعثرة على المقلب الآخر أيضاً. فمنذ عام 2006، كان في لبنان تحالفان: 14 آذار و8 آذار – التيار الوطني الحر. وإذا كان التحالف الأول قد شهد تبديلاً متواصلاً لـ«فولاراته» وراياته وعناوين معاركه رغم أن هدفه واحد، بقي التحالف الثاني، في المعارك السياسية الأساسية، متراصّاً خلف إدارة حزب الله للمعركة، رغم تحفظات وملاحظات ومكابرة ونكايات. أما اليوم، فيشهد هذا التحالف افتراقاً هو الأول من نوعه في تحديد الأولويات، ما يمكن أن ينهي معادلة التحالفين، لنصبح أمام: تحالف 14 آذار بمسمياته المختلفة، وتحالف 8 آذار، والتيار الوطني الحر وحده. وليس واضحاً بعد ما إذا كانت معادلات الداخل والخارج يمكن أن تهضم ذلك.
– هل يمكن التفكير في الانتخابات الرئاسية اللبنانية كاستحقاق معزول عن رئاسة الحكومة والحكومة وحاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش ورئيس مجلس القضاء الأعلى في المرحلة المقبلة؟
– أيّهما أهم لحزب الله وللدول القريبة والبعيدة المؤثرة في الاستحقاق: رئاسة الجمهورية كموقع فخري أم رئاسة مجلس الوزراء كرأس للسلطة التنفيذية؟
– هل يمكن انتخاب رئيس بتفاهم داخلي من دون الخارج؟ وهل يمكن، في المقابل، انتخاب رئيس بتفاهم خارجي دون الداخل؟
– طالما أنه لا يمكن لرئيس مجلس النواب أن يعقد حواراً حول الاستحقاق الرئاسي في غياب التيار الوطني الحر أو القوات اللبنانية، هل يمكن انتخاب رئيس لا يحظى بدعم جدي وصريح من التيار أو القوات؟
– هل يراد انتخاب رئيس يرعى الهبوط الهادئ لما تبقى من الهيكل العظميّ للدولة في انتظار تسوية لم يحن وقتها بعد، أم رئيس يمكن أن يكون مدخلاً إلى هذه التسوية؟
الإجابات مبهمة لدى معظم الأفرقاء، وبعضها يتناقض مع السياقات المفترضة على نحو مربك، بما يحول دون تكوين فكرة جدية فعلاً حول السؤال اليومي عما سيحصل في الانتخابات الرئاسية.
المصدر:”الاخبار – غسان سعود”
**