هل يكفي ان يتمّ انتخاب رئيس الجمهورية لبدء عملية النهوض والإنقاذ أم انّه يجري تحميل هذا الاستحقاق حمولة زائدة من التوقعات، تفوق ما يستطيع تحمّله؟
لا نقاش في أنّ انتخاب رئيس جديد هو أمر ملحّ ومفصلي، يجب أن يتمّ اليوم قبل الغد..
ولا نقاش في أنّ الشغور على مستوى الرئاسة الاولى هو واقع نافر لا يجوز أن يطول أمده، ربطاً بتداعياته السلبية على جسم الدولة الفاقد لتوازنه واتزانه بسبب غياب الرأس..
لكن، ومع ذلك، هناك من ينصح بعدم الإفراط والمبالغة في تعليق الآمال على هذا الاستحقاق او ذاك، لأنّ التجارب والحقائق أثبتت انّ لبنان يعاني من عوارض أزمة عميقة، باتت أكبر وأصعب من ان يحتويها علاج موضعي وظرفي.
ولعلّ معاناة اللبنانيين المتفاقمة هي التي تدفعهم في كل مرة إلى التوهم بأنّ اختيار رئيس الجمهورية او انتخاب مجلس نيابي جديد أو تشكيل حكومة يمكن أن يكون حلاً. انّه الهروب المستمر إلى الامام، والذي يبقي البلد في الخلف!
عشية الانتخابات النيابية الاخيرة، هناك من أوحى بأنّ نتائجها ستكون حاسمة في تحديد مصير لبنان، وذهبت بعض القوى إلى الترويج بأنّ فوزها سيؤدي تلقائياً إلى تخفيض فوري في سعر الدولار وبدء الخروج من النفق المظلم، فإذا بأي من هذه التقديرات لم يتحقق، بل استمرت الأزمة متخذة أشكالاً إضافية مستوحاة من تركيبة المجلس المنتخب وتعقيداتها.
وقبل ذلك، لطالما أضاع اللبنانيون اسابيع واشهراً في انتظار ولادة حكومة من السياسيين، تارة ومن التكنوقراط طوراً، على أمل أن تحمل معها الإنفراج المنتظر. ولكن في كل مرة كان مفعول الصدمة الايجابية للتشكيل ينتهي سريعاً ليسود مرة أخرى الشعور بالإحباط.
والآن، يعمد كثيرون تحت وطأة التوق للخلاص إلى تكبير الحجر، وينادون بانتخاب الرئيس المنقذ القادر على انتشال البلد من قعر الهاوية، انما سها عن بال هؤلاء، على الأرجح، انّ صلاحيات رئيس الجمهورية بموجب الدستور محدودة ولا تسمح له بتأدية دور «سوبرمان» أو الـ «وان مان شو»، إضافة إلى وجود اسباب موضوعية وبنيوية تحول دون أن يتمكن بشخصه، مهما عظمت مواصفاته، من صنع تحوّلات جذرية في الواقع الراهن.
ويلفت أصحاب هذه المقاربة، إلى انّه ينبغي الاعتراف، ومهما كابر المكابرون، بأنّ لبنان يتخبّط في نظام سياسي – طائفي مقفل، منتج بطبيعته للمشكلات والمآزق، وقادر على طحن كل أحلام التغيير واحتواء حامليها، «وليس ادلّ إلى ذلك من انّ هذا النظام صمد حين تهاوى غيره في المنطقة، إلى درجة انّ هناك من اعتبره الأقوى في الشرق الأوسط، على رغم كل مكامن الخلل التي يختزنها في داخله».
والمقتنعون بهذا الرأي يعتبرون انّه ما دام النظام، الذي يفرز المؤسسات والآليات الدستورية وينظّم قواعد الحياة السياسية، عصياً على التغيير الجذري، فإنّ الرئيس المقبل لن يستطيع أن يفعل اكثر من إدارة الأزمة ومحاولة «ترويضها»، شأنه شأن أي حكومة او مجلس نواب، إذ أنّ الرئاسات والمؤسسات والطوائف والمرجعيات محكومة جميعها بإيقاع ذاك النظام الذي يغذيها وتغذيه، في إطار الدوران ضمن حلقة مفرغة لا بدّ من كسرها في مكان ما، للانتقال من مرحلة الهدنات المتقطعة إلى مرحلة السلام المستدام.
لا يعني ذلك بطبيعة الحال التقليل من أهمية ان يتحلّى الرئيس المقبل بمواصفات شخصية وسياسية، تؤهّله لأن يتبوأ سدّة المسؤولية عن جدارة. الاّ انّه لا يصح في الوقت نفسه إحاطته بتوقعات مسبقة ومرتفعة السقف قد تهدّده بخطر الفشل والاحتراق، حتى قبل معرفة هويته!
المصدر:”الجمهورية – عماد مرمل”
**