لم يكفِ لبنان التداعيات المستمرة لتفاقم أزماته المتنوعة وعلى كافة الصعد الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ليُضاف إليها أزمة النفايات في غالبية المناطق اللبنانية داخل الأحياء، وأيضاً، لقد تأثر لبنان بالأزمات الدولية والإقليمية التي انعكست سلباً بأضعاف مضاعفة، لتصبح صورة المشهد سوداوية حيث يحاول كل طرف أن يصفي حساباته في لبنان وعن طريق المنظومة الحاكمة التي لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة على حساب مصلحة الوطن والمواطن، ونرى الأطراف الحاكمة وهي تتصارع وفق مصالحها على الساحة الدولية والإقليمية بغية توسيع نفوذها في هذا البلد أو ذاك، بينما يدفع لبنان الأثمان من تداعيات الأزمة الدولية والإقليمية، وخسائر فادحة تهدد وجوده.
وفي المقابل، وبينما تختلط الأوراق السياسية في الصراع العالمي نتيجة الحروب الدائرة في أكثر من مكان ومنها حروب الوكالة بالتبعية، يصبح لبنان في مهب ريح الأزمات من خلال الفقر والجوع والهجرة، وقد تُرك لبنان دولياً لقدره وهو يُستنزف مالياً ومعيشياً، كما أن مؤسساته الدستورية تضعف ولهذا كارثة حقيقية بكل المقاييس، خاصة وأنّ أغلب مفاتيح الحلول تمرّ بالخارج وذلك بخلفية إصرار البعض على تدويل الحلول وجمركة الخيارات الداخلية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، مع حلول العام الدراسي وارتفاع الأقساط إلى جانب ارتفاع أسعار القرطاسية ومستلزمات أخرى وحلول فصل الشتاء مع رفع الدعم عن المحروقات والارتفاع والتحكم بأسعارها وفق سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي لا يقوى أحد على لجمه، كيف يقوى المواطن على تأمين الأموال بعدما حُجز على ودائعه في المصارف؟
ما يعني اقتحامات جديدة بالجملة للمصارف للحصول على جزء من ودائع المودعين وهذا حق لهم بعدما عملوا وتعبوا وادخروا أموالهم وتعويض نهاية خدمتهم بالمصارف لتعليم أبنائهم أو للعلاج من مرض أصابهم، أو لأيام الشدة حماية لأنفسهم وعائلتهم بعد أن رمتهم الدولة من دون طبابة وتقديمات اجتماعية تحفظ كرامتهم، وانتظروا لسنوات السلطة السياسية والقضائية لإيجاد حل عادل لقضيتهم، ولكنهم لم يروا منهم إلا التسويف والإمعان بسرقة أموالهم وإذلالهم، مما دفعهم مكرهين تحت وطأة الأزمة الإقتصادية الخانقة والعوز والفقر، الى استعادة أموالهم بيدهم، وهي نتيجة طبيعية لسرقة أموالهم من قبل سلطة ائتمنوا عليها فسرقتهم ولا تزال تبدّد أموالهم على الصفقات والسمسرات والمشاريع الوهمية، مضيفة بذلك جريمة كبرى إلى جرائمها في الفساد وهدر المال العام حيث تمّ هدر أكثر من 40 مليار دولار على صفقات الكهرباء إضافة إلى ملايين الدولارات التي هُدرت على السدود المائية وأكثر من 20 مليار دولار على دعم المحروقات والسلع، فأليس الأولى أن يتمّ توقيف المجرم الحقيقي بدل توقيف أصحاب الحق الذين انتظروا سنوات دون طائل؟.
لبنان يستحق الحياة، وشعبه المبدع لا يستحق ما هو فيه، فلا يكاد ينقضي أسبوع دون أن نسمع بتفوّق طبيب لبناني، أو نجاح جمعية لبنانية، أو إبداع فنان أو أديب لبناني، أو اكتشاف باحث لبناني، أو تميُّز مؤسسة تربوية لبنانية، أو ريادة أخرى طبية، أو تألّق فرقة فنية أو رياضية لبنانية، وآخر الإبداعات النجاح الكبير الذي حقّقته فرقة “مياس”، كل ذلك بجهود اللبنانيين وحدهم الذين يفتقرون الى الفرص في بلادهم، وقد أظهروا أن بإمكان الحكّام أن يسرقوا كل شيء منهم، إلا أحلامهم.
هؤلاء اللبنانيين الذين يدفعون ثمن أخطاء حكامهم وسوء إدارتهم وقلة إحساسهم بالمسؤولية، والذين يعانون اليأس والذل والمرارة، فيما هم يستحقون حياة كريمة في وطن يليق بهم وبطموحاتهم وإبداعاتهم، وهم الذين يعطون صورة مشرقة عن لبنان.
فالدولة تستعاد بالإرادة، إرادة العمل والتضحية، والتخلي عن المصالح، من هنا بات العمل على تشكيل حكومة جديدة، مصلحة وطنية وأمر ضروري وملح، لتفادي الفراغ الكامل الذي قد لا يحمد عقباه على كافة الصعد الحياتية المعيشية والأمنية والمؤسساتية.