كتبت “الجمهورية” تقول: على وقع انتظار وصول الوسيط الاميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية عاموس هوكشتاين وفي ظل استمرار الجمود في ملف التأليف الحكومي، فَجّرها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على كل الجبهات وفي كل الاتجاهات ولم يستثن احداً «الّا ما رحم ربي»، ما دلّ على مدى التعقيد الذي وصلت اليه الاستحقاقات الماثلة من تأليف الحكومة الى انتخاب رئيس الجمهورية الجديد وما بينهما المجلس النيابي، الامر الذي يُنذر في ان الايام المقبلة ستكون حبلى بالتطورات السلبية داخلياً، والتي ستنعكس مزيداً من الضغوط على الواقعين الاقتصادي والمالي تترجم مزيداً من التدهور في الاوضاع المعيشية للبنانيين تحت وطأة انهيار القدرة الشرائية للعملة الوطنية.
وقالت مصادر معنية بالتأليف الحكومي لـ«الجمهورية» ان «باسيل بما ذهب اليه من مواقف بَدا وكأنه نصّب نفسه مرجعية وصية على كل شيء تأمر في البلد وتنهي كما تريد، فيما هو لا صفة له سوى انه نائب في البرلمان ورئيس حزب سياسي هو «التيار الوطني الحر»، أللهم الا اذا كان يتصرف وكأنه رئيس الظل للبلاد في وجود رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي لم يصل به الامر يوماً الى مهاجمة اي فريق سياسي بهذه الحدّة التي طبعت مواقف باسيل».
واكدت هذه المصادر «ان الدستور واضح في نصوصه لجهة تحديد الجهة التي تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال حصول الفراغ الرئاسي وهو ان الحكومة تتولى هذه الصلاحيات الى حين انتخاب رئيس جديد، ولم يحدد الدستور إن كانت حكومة تصريف اعمال او حكومة اصيلة، علماً ان ليس هناك أي شيء اسمه فراغ في انظمة الدول الديموقراطية وانما هناك حرص على استمرار العمل في المرفق العام اياً كانت وضعية المؤسسات التي تتولى هذه المسؤولية مستقيلة او غير مستقيلة».
وسألت هذه المصادر: «بأي حق يهدد باسيل بأنه سيعتبر حكومة تصريف الاعمال «مغتصبة للسلطة» في حال تولّت صلاحيات رئاسة الجمهورية، ومَن نَصّبه ولياً على الدستور حتى يفسره كما يشاء حتى يعتبر هذه الحكومة «فاقدة للشرعية وساقطة مجلسياً ودستورياً وشعبياً». واكدت «ان الرئيس المكلف جاد بكل قوة في العمل على تأليف الحكومة وبادرَ إثر انتهاء مشاوراته النيابية الى تقديم تشكيلة وزارية لرئيس الجمهورية، ومنذ ذلك الحين فإن ما يمنع توافق الرئيس والرئيس المكلف على التشكيلة الحكومية العتيدة هي تدخلات باسيل في هذا الشأن الذي لا صلاحية له فيه، فهو فريق سياسي يكون له تمثيله في هذه الحكومة اذا شاء ولكنه لا يستطيع ان يفرض هذا التمثيل وفق شروطه على الرئيس المكلف الذي له ايضا صلاحية قبول هذا التمثيل من عدمه، وحتى انه لا يستطيع فرض هذا التمثيل على رئيس الجمهورية الذي يوقّع والرئيس المكلف مراسيم تأليف الحكومة».
كذلك سألت المصادر المعنية بالتأليف: «هل ان باسيل يهدد بانقلاب على الدستور عندما يقول: «من يظن انه سينتهي من ميشال عون بالرئاسة فإنه سيلاقي اكثر من ميشال عون في الحكومة عندما يأتي الجد «شو ما كانت الحكومة وكيف ما كانت؟». وقالت: «ان هذا الكلام يخالف الدستور والنظام، ويفتئت على صلاحية المرجعية المختصة بتأليف الحكومة». وقالت: «من قال ان عدم تأليف الحكومة هو للضغط لانتخاب رئيس»، واكدت «ان هذا الكلام مردود الى قائله الذي عليه قبل الآخرين المبادرة الى تسهيل تأليف الحكومة لا الدفع الى تعطيل الدستور بتهديده بالقول «ما تجرّونا الى ما لا نريده».
هجوم باسيلي ثلاثي
وكان باسيل قد دعا خلال مؤتمر صحافي أمس الى «حوار وطني ينتج عنه مشروع وطني جامع لتطوير النظام اللبناني»، وقال: «رئيس الحكومة المكلف أعلن سابقا، ومبارح أعلنها صراحةً، أنه يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية في ظل الفراغ، ونكرر أن حكومة ناقصة الصلاحيات وحكومة فاقدة لشرعية البرلمان الجديد، ونحن لن نعترف بشرعية الحكومة المستقيلة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وسنعتبر الحكومة عندها مغتصبة سلطة وفاقدة للشرعية وساقطة مجلسيا ودستوريا وميثاقيا وشعبيا، ولو اجتمع معها من اجتمع، ولو اجتمع العالم كله على دعمها ضدنا وسنعتبرها غير شرعية، «ما تجرّونا الى ما لا نريده»، وليتفضّل رئيس الحكومة لتأليف حكومة بحسب الأصول بالشراكة مع رئيس الجمهورية، وليس بالفرض او بالفتات، فتاريخ ميشال عون لن يُمحى بشهرين». وأضاف: «الحكومة في حال الفراغ، اكان عددها 24 او 30 او 4، كلّ وزير فيها هو رئيس جمهورية، هذا الدستور وواقع الممارسة. ومن يظن أنه سينتهي من ميشال عون بالرئاسة، سيلاقي أكثر من ميشال عون بالحكومة عندما يأتي الجد، «شو ما كانت وكيف ما كانت» الحكومة، ومن يظن أن عدم تأليف حكومة يمارس الضغط علينا لانتخاب رئيس، يقوم بمفعول عكسي معنا! لأننا أعلنّا اننا لا نريد الفراغ». وشدد على انه «من الضروري أن نؤلف حكومة وننتخب رئيس جمهورية بهذين الشهرين و»يطلع رئيس الجمهورية بكرامة بـ 31 تشرين»، وننتقل لحوار وطني نطرح فيه موقع لبنان ونظامه والنموذج الاقتصادي والمالي الحر والمنتج».
وقال باسيل: «الرئيس الماروني يجب ان يكون عنده أولاً حيثية تمثيلية مسيحية وينطلق منها للحصول على الحيثية الاسلامية وليس كما يريده البعض المُتباكي على اهمية الدور المسيحي بحيثية اسلامية مسقطة عليه من دون ان يمتلكها، وان يكون عاريا من التمثيل المسيحي».
وصوّب باسيل على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فقال: «سلامة شاري نص البلد من سياسيين وصحافيين وقضاة، وما حدا بيجيب سيرتو لأنه قابض منه، وهوي يلّي بيموّل حملات ضدّنا لأننا عم نفضحه. بس مش قادر يشتري القضاء بأوروبا، وكل يوم عم تبيّن له وقائع وارقام مخيفة بالخارج». ولفت إلى أنّ «القضاء الأوروبي يُرسل طلبات ومعلومات للقضاء اللبناني المتفرّج، ألا يستحي قضاؤنا ألاّ يتحرّك؟! يتحرّك فقط لحقّه بمعاش كريم هيدا حقّك أيّها القاضي خذه بالهيبة وليس بالترجّي».
وردًا على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، قال باسيل: «بدّو الواحد يكون فايت بالتاريخ ليقدر يطَلّع العالم منو، وبدّو واحد يكون تاريخه غير قتل اطفال ورؤساء حكومات وزعماء ورجال دين واقارب ومقاتلين شرفاء وغير عمالة وقبض اموال عليها من الخارج ليقدر يحكي عن التاريخ». وأضاف: «ميشال عون ما رح يطلع من التاريخ، ولا من الجغرافيا باستمرارو فينا، ولا من قلوب الناس.. ولا من العقد النفسية المريضة، ورح يبقى ساكن بِكِل هول».
ورد باسيل على رئيس مجلس النواب من دون ان يسمّيه فقال: «من يطالب برئيس يجمع عليه أن يكون هو يجمع أولاً، ولو فعلاً صادق بفكرة الجمع لما رضي بأن يُنتخب هو بـ 65 نائباً ومن دون حيثية مسيحية، فاقد الشيء لا يعطيه، ولا حتى يطلبه او ينصح به». وأضاف: «نحنا مش بنظام رئاسي صحيح، نحنا بنظام برلماني، ولكن ما منقبل نكون بنظام مجلسي وبرفع الايدي، بدنا نظام برلماني برفع الرؤوس».
لا ردود
الى ذلك، كان لافتاً تَجَاهُل نواب حركة «امل» وقناة «ان بي ان» مواقف باسيل في مؤتمره الصحافي ولم يردوا عليها، ما يؤشر إلى ان هناك قراراً لدى بري بعدم الرد على باسيل، فيما قالت اوساط سياسية لـ»الجمهورية» انها لا تستبعد ان يكون «حزب الله» في صدد الدخول على الخط لمحاولة احتواء التوتر المتصاعد بين عين التينة من جهة وقصر بعبدا وميرنا الشالوحي من جهة أخرى.
وفي سياق متصل قال مرجع سياسي لـ»الجمهورية» ان خطاب جعجع الأخير «ينطوي على خطورة لأنه حملَ مَنحى تقسيميا وفتنويا وخرج عن حدود الخلاف السياسي المشروع».
بري وميقاتي
وكان بري قد التقى ميقاتي امس وعرضا في اللقاء الذي دام نصف ساعة للاوضاع عموما ولا سيما منها لموضوع الموازنة العامة لسنة 2022، اضافة الى شؤون تشريعية. واكتفى ميقاتي بالقول بعد اللقاء: «تناول البحث موضوع الموازنة العامة وامكانية أن تكون أمام مجلس النواب الاسبوع المقبل».
الترسيم و»الكزدرة»
وعشية العودة المرتقبة للوسيط الاميركي آموس هوكشتاين الى بيروت في موعد أقصاه يوم الجمعة إن لم يكن غداً، نُقل عن مرجع سياسي توقّعه انّ هوكشتاين «آت الى لبنان في زيارته المقبلة لـ»الكزدرة»، وبالتالي هي ليست الزيارة الحاسمة».
ورجّح المرجع نفسه ان لا يُنجز الاتفاق النووي مع إيران قبل الانتخابات الفصلية الأميركية.
في اي حال ينتظر الرؤساء الثلاثة وصول هوكشتاين ليل الجمعة حيث يتوقع ان تستمر زيارته لساعات يلتقيهم خلالها كلّ على حدة في حضورالمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم ونائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، وباتت المعطيات مؤكدة ان الوسيط الاميركي لا يحمل مسودة اتفاق خطية او جوابا واضحا من اسرائيل، إنما ليوضح بعض النقاط التي بحثها مع الجانب الاسرائيلي ويستوضح اخرى من الجانب اللبناني.
وعلمت «الجمهورية» من مصادر متابعة انّ لبنان سيستمع الى هوكشتاين لكنه ليس في وارد ان يزيح قيد أنملة عن موقفه بما خصّ الترسيم، او يتنازل عن ميل واحد من الحدود التي رسمها لحقوقه المائية والنفطية .
وعما اذا كان الاميركي يشتري وقت في زيارة هوكشتاين حتى لا يترك المجال لـ»حزب الله» ان يقوم بأي خطوة تهديدية تجاه اسرائيل، قالت المصادر: «لا يمكن التكهن بالنيات الاميركية ونحن غير معنيين بها الا لجهة المساعدة في انجاز الملف، مع العلم ان مفاوضات كهذه وفي المخاض الاخير ليست سهلة كما يعتقد البعض وتحتاج الى أخذ ورَد، ويوم الجمعة لناظره قريب».
وسألت «الجمهورية» وزير الطاقة وليد فياض اذا كان له موعد مع هوكشتاين؟ فقال ممازحاً: «لا اعلم اذا كان سيلتقيني بعد ان رميت الحجارة على الحدود الجنوبية في اتجاه اسرائيل».
فكرة واضحة
وفي رواية أخرى، قالت مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية» ان مجموعة السيناريوهات التي تسرّبت من اسرائيل وما جاء في تقارير إعلامية دولية أخرى ألقت بظلالها على مهمته، وهو ما يستدعي انتظار عودته شخصيا الى بيروت للوقوف على ما انجزته اتصالاته وجولاته الاخيرة التي حملته الى اكثر من عاصمة أوروبية وخليجية.
وان اقتصر البحث حول ما هو معلن من زياراته – قالت المصادر – انه لا بد من ان يكون في نهاية جولاته الاخيرة قد كَوّن فكرة واضحة عما يمكن أن يحققه في المرحلة الراهنة. فهو وكما اعلن وتسرّبَ حول زياراته، زار قبل ان يعود الى بيروت كلّاً من اثينا وباريس حيث كانت له لقاءات مع شركة «اينرجين باور» اليونانية ومقرها في اليونان وهي التي تمتلك «منصة كاريش»، وباريس حيث مقر شركة «توتال اينيرجين» قبل ان يزور قطر في مسعى يقود الى ضَم «الشركة الوطنية القطرية» للنفط والغاز لتكون الطرف الثالث البديل من شركة «نوفاتيك» الروسية التي خرجت من «الكونسورتيوم الثلاثي» الذي يدير القطاع النفطي في لبنان الى جانب «توتال» الفرنسية و»ايني» الايطالية.
وعليه، قالت المصادر إن الحديث الذي تردّد عن لقاء موسّع في بعبدا يَضم الى جانب رئيس الجمهورية رئيس المجلس النيابي والحكومة ليس مطروحاً، وأن الربط بين مثل هذا اللقاء و»نظرية» الموقف اللبناني الموحد قد تجاوز هذه الشكليات، وانّ لبنان ينتظر موقف اسرائيل النهائي من الطرح اللبناني. ورفضت المصادر التعليق على اي سيناريو او رواية تتصل بمهمة هوكشتاين قبل ان يقول ما لديه.
الاتجاه الصحيح
في غضون ذلك وفي انتظار وصول هوكشتاين قال نائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب المكلف رئاسياً متابعة هذا الملف بعد زيارته عون وبري أمس انّ هوكشتاين «سيزور لبنان نهاية الأسبوع الحالي، من دون ان يعني ذلك ان الزيارة ستحمل الحل النهائي ولكنها ستكون خطوة إيجابية إضافية نحو الحل، ويجب ان نعلم ان هذا الموضوع شائك ومعقد ولكنه يسير في الاتجاه الصحيح». واضاف: «ان شهر أيلول سيكون حاسماً، واذا تبين ان الإسرائيلي سيبقى على عناده ولا يرغب في الحل، فهناك خيارات أخرى امام لبنان وامام هذه الرئاسة تحديداً، لأننا جميعاً حُرصاء على الحفاظ على الحقوق اللبنانية بشتى الوسائل وبالتوقيت المناسب».
قاض للمرفأ
قضائياً وافق مجلس القضاء الأعلى على تعيين قاضي تحقيق في ملف انفجار المرفأ الى حين تمكّن القاضي الأصيل طارق البيطار من وضع يده على الملف. وقد استند المجلس في هذا التعيين الى كتاب تلقّاه من وزير العدل هنري الخوري مساء امس الاول طلبَ فيه تعيين قاضي تحقيق ليبتّ بالأمور الملحة والضرورية في ملف المرفأ الى حين تمكين القاضي الأصيل من وضع يده على الملف.
الفيول الايراني
من جهة ثانية علمت «الجمهورية» ان الهبة الايرانية لتزويد لبنان الفيول لزوم مؤسسة كهرباء لبنان بدأت تأخذ طريقها الى القبول، اذ كلّف رئيس حكومة تصريف الاعمال وزير الطاقة إعداد وفد تقني سيتوجّه الى طهران قريباً ليناقش الامر مع المسؤولين الايرانييين، خصوصاً ان جواب السفير الايراني في لبنان مجتبى اماني حول مواصفات الفيول لرئيس الحكومة كان ايجابياً، وقد تعهدت ايران تقديم هبة تتوافق تماماً مع المواصفات التي يطلبها لبنان.