دفع زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، الوضع المتأزّم منذ أشهر في العراق، نحو المجهول، بعدما أفلت أنصاره الموجودين في الشارع على غاربهم، متنصّلاً من المسؤولية عن كلّ ما يقومون به، بإعلانه اعتزال العمل السياسي نهائياً. خطوةٌ أعادت وضع البلاد تحت شبح الانزلاق إلى اقتتال شيعي – شيعي، مع ما يعنيه هذا السيناريو من مخاطر كبيرة على مستقبلها. وإذ عادت عوامل التهدئة لتتفعّل مساء أمس، وخصوصاً في ظلّ ما بدا أنه حرص أميركي – إيراني على إبقاء الأمور تحت السيطرة، فإن ما جرى يجلّي مدى الاستفحال الذي بلغته الأزمة العراقية، والذي يمكن أن يعاود الانفجار إذا لم يُبتدع حلّ عاجل للخروج من عنق الزجاجة
ليست المرّة الأولى التي يعلن فيها مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي. لكن بخلاف المرّات السابقة، بدا هذه المرّة أن المقصود هو إطلاق العنان لمؤيّديه للتحرّك من دون ضوابط، ليضع البلد أمام أخطر منعطف منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، في محاولة لكسر التوازن الذي قام عليه الحُكم مذّاك، وفرْض إرادته على القوى الأخرى، سواء في «المكوّن الشيعي»، أو في «المكوّنات» الأخرى. وعلى رغم ساعات التوتّر التي امتدّت حتى الليل، بدا أن الأطراف اختارت التراجع خطوة عن حافّة الهاوية، بعدما انسحب جزء من الصدريين من «المنطقة الخضراء»، إثر قيامهم باجتياح مقرَّي الحكومة ورئاسة الجمهورية. وسُجّل، في خلال ذلك، إطلاق نار كثيف لم يتّضح ما إذا كان ناجماً عن اشتباكات بين طرفَي النزاع، «التيار الصدري» و«الإطار التنسيقي»، أو أن قوات الأمن هي التي أطلقت النار حين كانت تحاول إخراج المتظاهرين من المنطقة، إلّا أن المصادر الطبّية العراقية تحدّثت عن سقوط أكثر من عشرة قتلى و200 جريح.
ولم ينتظر الصدر دقيقة واحدة بعد انتهاء مهلة الـ 72 ساعة التي كان قد منحها للقوى السياسية للردّ على مبادرته القاضية بخروج كلّ القوى السياسية من الحُكم، بما فيها «التيار الصدري»، وهي مبادرة اعتبر «الإطار التنسيقي» أنها مستحيلة التنفيذ، كما لو أن الأول طرحها لتُرفض، وليبدأ تنفيذ مرحلة أخرى من التحرّك في الشارع. لكن القرارات السابقة للصدر بالاعتزال، والتي عاد في النهاية عنها، تشير إلى أن لا اعتزال حقيقياً للسياسة، حيث سيظلّ الرجل يؤثّر في مجريات الأحداث، ولو بشكل غير معلَن، وسيظلّ كذلك يتحمّل مسؤولية عما يقوم به أنصاره. وكان الصدر قد أعلن قراره في تغريدة على «تويتر»، ردّ فيها على المرجع آية الله كاظم الحائري، الذي سبقه بإصدار بيان اعتزل فيه المرجعية بسبب المرض والتقدّم في العمر، وأيضاً بسبب الأوضاع السياسية التي وصل إليها العراق، طالباً من مقلّديه اتّباع مرشد الجمهورية الإسلامية، آية الله علي الخامنئي. كما هاجم مقتدى الصدر من دون أن يسمّيه، داعياً أبناء الشهيدَين الصدرَين الى أن يعرفوا أن «حبّ الشهيدَين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتّباع الحقيقيّ لأهدافهما التي ضحّيا بنفسَيهما من أجلها، ولا يكفي مجرّد الادّعاء أو الانتساب». وقرّر الحائري إسقاط جميع الوكالات والاُذونات الصادرة من قِبله أو من قِبل مكاتبه. ومعروف أن مقتدى هو أحد وكلاء الحائري، وكثير من أتباع «التيار الصدري» من مقلّدي الأخير، بحسب وصية آية الله السيد محمد صادق الصدر، والد مقتدى.
المصدر:”الاخبار – سرى جياد”
**