ذكرت صحيفة “الأخبار” أنّ “الصمت الذي ساد الأوساط الإسرائيلية رسمياً وسياسياً وإعلامياً، يعني أمراً واحداً: تل أبيب فوجئت بالسقف العالي لخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أول من أمس”، موضحةً أنّ “في مثل هذه الحالات، تلجأ إسرائيل الى الصمت الرسمي، وتعمل الرقابة العسكرية على منع اجتهادات المعلقين والمراقبين، فيما تنحصر التسريبات الضئيلة بالجهات الدبلوماسية التي تنشط لمعرفة ردود الفعل، وسط أجواء توتر تسود المنطقة كلها، وليس فقط منطقة الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة”.
ولفتت إلى أنّ “صحيحا أن الجميع منشغلون بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للأراضي المحتلة ولقاء الرياض، الذي يستهدف خلق إطار لرفع مستوى التطبيع بين كيان العدو وعدد غير قليل من الدول العربية. لكن من يذهبون الى الرياض، كما من يراقبون نتائج الاجتماعات فيها، يعرفون أن موقف حزب الله من ملف الطاقة لم يعد منفصلاً عن هذا السياق الإقليمي، ذلك أن سعي الأميركيين الى الارتقاء بلغة التهديد للدول المنضوية في محور المقاومة لن يتجاوز في هذه المرحلة سقف العقوبات الاقتصادية الواسعة”.
وركّزت “الأخبار” على أنّه “رغم أن الحرب ليست مدرجة على جدول أعمال حلفاء أميركا، لكن المواجهة القائمة على سلاح الحصار والتجويع باتت حرباً مكشوفة بالنسبة إلى جهات محور المقاومة، ومنها لبنان. ما يعني أن أصداء خطاب نصر الله لن تقف عند حدود لبنان والكيان الإسرائيلي، وستصل الى مسامع كل المشاركين في لقاءات الرياض”.
وبيّنت أنّ “لبنانياً، كانت الصدمة واضحة لدى غالبية القوى. لكن التعليقات التي صدرت عن “صبيان” السفارتين الأميركية والسعودية لا معنى لها في هذه اللحظة السياسية، التي تحوّل فيها موقف رئيس “التيار الوطني الحر” النّائب جبران باسيل الى عنصر شراكة مع الوجهة التي أعلن عنها السيد نصر الله”.
وأشارت إلى أنّه “فيما المشاورات مقطوعة بين أركان الدولة، حيث لا كلام بين الرؤساء الثلاثة بسبب الخلاف على الملف الحكومي، كرر رئيس الجمهورية ميشال عون التزام لبنان تحصيل حقوقه كافة والتزامه التفاوض الهادف الى ضمان هذه الحقوق. الموقف الذي لم يرق الجانب الأميركي الذي حاول تنشيط اتصالاته السياسية مع قوى في الحكم وخارجه لإطلاق حملة ضد “حزب الله”، وهو أمر يبدو متعذراً في ظل عدم قدرة الأميركيين على تنفيذ أي من الوعود التي قدّموها لمساعدة لبنان في ملف الطاقة منذ أكثر من عام”.
كما أفادت بأنّ “مراقبين رصدوا أنه على عكس الأجواء التي تلت عملية المسيّرات فوق منصة كاريش، في الثاني من الشهر الجاري، التزمت الجهات الخارجية المعنية بالملف الصمت التام، ولم تُسجل إلا اتصالات خجولة من جانب السفارتين الأميركية والفرنسية، وهو ما عزته مصادر رفيعة المستوى إلى “حساسية الموقف واستشعار مدى جدية التهديد الذي أطلقه السيد نصر الله، ما يلزم كل الأطراف بالتروّي قبل إطلاق أي موقف”. مع الإشارة الى أن لبنان تلقى معلومات غير رسمية عن “قرار بتنشيط مهمة الوسيط عاموس هوكشتاين” مباشرة بعد انتهاء جولة الرئيس الأميركي في المنطقة.
لبنان تلقّى معلومات غير رسمية عن تنشيط مهمة هوكشتاين فور انتهاء جولة بايدن في المنطقة
في غضون ذلك، نقلت أوساط مطّلعة عن مرجعيات رسمية ارتياحها إلى ما ورد في الخطاب، واعتبرت أنه “وضع نقطة قوة لبنان في تصرف المفاوض اللبناني، بما يضغط على الأميركيين والإسرائيليين لعدم اللجوء إلى تقطيع الوقت”.
ورأت مصادر رفيعة في “التيار الوطني الحر”، أن الخطاب “يمكن أن يساعد في التوصل إلى حل لملف الترسيم. إذ إن المطروح على الإسرائيليين أمام شعبهم هو استخراج النفط والغاز وترسيم الحدود وتفادي مشكل في المنطقة”، مؤكدة “أننا مع العمل لحل دبلوماسي، ولسنا هواة حرب. وهناك اليوم فرصة حقيقية لإقفال هذا الملف نخشى أن يهدرها الإسرائيلي”.
التيار الحر: امتحان الأسابيع الأخيرة
نوّهت “الأخبار” إلى أنّ “مع اقتراب انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، تتعلّق جردة الحساب بما قام به “التيار الوطني”. الجهاة التي كان يمكن أن يتطف ثمرة ست سنوات رئاسية، تستعدّ لخوض امتحان هو الأصعب في تاريخ قيادته الحالية”، مذكّرًة بأنّ “قبل ست سنوات، كان “التيار الوطني الحر” يستعدّ للدخول الى قصر بعبدا مع رئيس الجمهورية ميشال عون، على حصان أبيض، وتفاهم معراب، وتسوية حكومية مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ومباركة “حزب الله”. حينها، كان التيار يستكمل ما بدأه عون نفسه منذ أن عاد الى بيروت من باريس عام 2005، في فرض إيقاع الدخول بقوة الى الإدارات والحكومات ومجلس النواب”.
ولفتت إلى أنّ “باسيل نجح، بغطاء من عون، في وضع شروطه المتتالية وفرض المحسوبين عليه تباعاً في الإدارات كما في الوظائف الرسمية والأمنية والعسكرية والمقاعد النيابية والحكومية حتى بات له في كل وزارة حصل عليها دوائر نفوذ، والأمر نفسه في الخارج بفعل حضوره في وزارة الخارجية”.
وأوضحت الصحيفة أنّ “فوق كل ذلك، ورث باسيل والتيار قواعد سياسية كانت إما متفلّتة أو فقدت غطاءها السياسي بعد تبدّل العهود والزمن السياسي، ومعها شخصيات إدارية وسياسية ودينية كنسية ورهبانية، ضمن ولائها السياسي على مدى سنوات، فضلاً عن إحكامه الطوق على التيار داخلياً بحيث أصبحت له الكلمة الأولى والأخيرة”.
وشدّدت على أنّ “اليوم، يدرك التيار أن الأشهر الأخيرة من عهد عون هي أصعب ما مرّ عليه من تجارب سياسية، تمكّن سابقاً من تجاوزها والوصول عبرها الى قصر بعبدا، بعدما بات الأمل في وصول باسيل الى القصر الجمهوري مفقوداً، لأن التجربة اليوم تتعلّق بوضع باسيل وحده بمعزل عن عون الذي توّج مسيرته السياسية، بكل خيباتها ونجاحاتها، في العودة مجدداً الى قصر بعبدا”.
اعتبرت أنّ “انتخاب باسيل رئيساً يكاد يكون من المعجزات، ليس فقط بسبب العقوبات الأميركية أو الموقف الفرنسي منه أو التطويق العربي له، بل بسبب حسابات الداخل ومواقف الأطراف الإسلامية والمسيحية منه. ولأنه يدرك ذلك، ويدرك أن حليفه حزب الله ليس قادراً على إيصاله، كما فعل مع عون، كان الرهان أن يتحول في الأشهر الأخيرة إلى ناخب أوّل بدل أن يكون مرشحاً أول”.
كما فسّرت أنّ “ما يجري حتى الساعة، أن باسيل يتصرف على العكس تماماً. فهو يمارس لعبة داخلية محض لتأمين الاستمرارية التي تنتهي مع نهاية العهد، ولا سيما في طريقة إدارته ملف تشكيل الحكومة، مستخدماً الأسلوب نفسه الذي مارسه سابقاً. في حين أن شروط اللعبة اليوم مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل العهد وخلاله. حتى إن ثمة من راهن على أنه سيدوّر الزوايا الى الحد الأقصى فيضمن الحكومة الجديدة بأيّ ثمن حتى لا تكون حكومة تصريف الأعمال وريثة عون، بغضّ النظر عن أي سيناريوات متخيّلة لاحتمال بقائه في بعبدا. لكن ما حصل هو العكس تماماً، بعدما أعطى الأولوية لدوره الآني على حساب الاستحقاق المقبل”.