جزمت السّفيرة الفرنسيّة في لبنان آن غريو، أنّه “لا يوجد لفرنسا مرشّح لرئاسة الجمهورية اللبنانية، كما يشيّع البعض”، مكرّرةً أنّ “الانتخابات الرئاسية يجب أن تحصل في مواعيدها الدستورية كما حصلت الانتخابات النيابية، وأنّ المجتمع الدولي سيكون يقظًا في هذا الأمر، وأنّه تمّ إبلاغ المسؤولين اللّبنانيّين بذلك”.
وأكّدت، بحسب ما نقلتها عنها صحيفة “الجمهوريّة”، أنّه “ليس لدينا معلومات عن أنّ إيران تدعم هذا الاسم أو ذاك للرّئاسة”، مبيّنةً “أنّنا لا نتعاطى في الأسماء”. وذكرت أنّ الرّئيس المقبل “يجب أن يتمتّع بالقدرة على معالجة لبنان وانتشاله من أزمته، وبالتّالي أن تكون لديه القدرة على إعادة بناء مؤسّسات الدّولة، والقادر على استعادة ثقة المجتمع الدولي بهذا البلد. رئيس بمستوى رجل دولة قادر على إسماع صوت بلاده في أصقاع العالم، خصوصًا من خلال مشاركته في المؤتمرات الدّوليّة. أنظروا لم نعد نسمع الآن صوت لبنان في المحافل الدّوليّة”.
وركّزت غريو على أنّ الرّئيس المقبل يجب أن “يكون جامعًا في بلد يعاني هَول أزماته، وبالتّالي نريد رئيسًا قادرًا على استعادة ثقة جميع اللّبنانيّين بمؤسّساتهم وبمواكبة الحلول المطلوبة وإنجازها. وعلى هذا الرّئيس أن يحمل صوت بلده في المجتمع الدولي، الّذي تغيّر كثيرًا بعد حرب أوكرانيا”. وأشارت إلى أنّ الرّئيس المقبل سيأتي في سياق جديد، “فرئيسنا جاء في سياق جديد ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسن كذلك”.
وشدّدت على أنّه “لا يجب ان يكون هنالك أيّ دور خارجي في الاستحقاق الرّئاسي”. وتعليقًا على دور فرنسا الواضح خلال الانتخابات الرئاسية السّابقة، الّذي تُرجم يومها بالاتّصال الّذي أجراه الرّئيس الفرنسي آنذاك فرنسوا هولاند برئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، أوضحت أنّ “الأوضاع تغيّرت والرّئيس الفرنسي تغيّر أيضًا والظّروف بدورها تغيّرت. العالم كلّه تغيّر بعد 24 شباط”، وهو تاريخ بدء الحرب الرّوسيّة على أوكرانيا”. وأعادت التّأكيد أنّ “العالم تغيّر وأنّ على اللّبنانيّين إدراك ذلك. وبالتّالي، فإنّ لبنان لم يعد من الأولويّات على المستوى الدّولي”.
من جهة ثانية، أفادت بـ”أنّها خلال وجودها في لبنان منذ أقل من سنتين، التقت السّفير الإيراني مرّتين بناءً على طلبه، وأنّ هذا أمر طبيعي في إطار العلاقات بين الدّول، كما أنّ هنالك مسائل عدّة تخصّ العلاقة بين فرنسا وإيران مثل ملف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني”. وعمّا إذا كان صحيحًا أنّها التقته في حضور ممثّل عن “حزب الله”، جزمت أنّ “هذا لم ولن يحصل أبدًا، فنحن نتعاطى وفق مفهوم الدّول ووفق منطق المؤسّسات، ولا حتّى السّفير الإيراني طلب ذلك لأنّه يعرف جوابي مسبقًا”.
وعمّا إذا تمّ التطرّق مع السّفير الإيراني إلى الأوضاع اللّبنانيّة، لفتت غريو إلى أنّها عادةً لا تُفصح عن فحوى لقاءاتها الدّبلوماسيّة. أمّا عن لقاءاتها بـ”حزب الله”، فوصفتها في إطار لقاءاتها الدّوريّة مع مختلف القوى والأحزاب في لبنان.
وبموضوع التّرسيم الحدودي البحري ومهمّة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، أبدت تفاؤلًا حذرًا في هذا الإطار، كاشفةً “أنّها التقت هوكشتاين مرّتين بناءً لطلبه، وهو سأل عمّا يمكن أن نفعله لتسهيل المفاوضات البحرية. فلفرنسا علاقات صداقة مع كلّ من لبنان والولايات المتحدة الأميركية”. وركّزت على أنّ “المفاوضات في الأساس عمليّة صعبة ومعقّدة في كلّ العالم، لكنّني أستطيع أن أقول إنّنا في موضوع الترسيم البحري لم نكن يومًا قريبين إلى هذا الحدّ من الاتّفاق كما هو حاصل اليوم. أعتقد أنّ هنالك فرصة حقيقيّة”.
ورفضت تحديد موعد محدّد لإنجاز المفاوضات، منوّهةً إلى أنّ “في المفاوضات لا أحد يستطيع تحديد موعد”. ونصحت بالاستفادة من الفرصة الموجودة “فالقطار يمرّ مرّةً واحدةً، ولا يجب البقاء خارجه”. وعن عدم تحرّك شركة “توتال” أو لَحظها لأيّ أعمال أو حتّى البدء بتحضير فريقها التّقني ما دام أنّ الاجواء إيجابيّة، تساءلت: “كيف للشّركة أن تتكلّف عشرات الملايين من الدولارات فيما المفاوضات لم تنتهِ بعد؟”.
وبيّنت السّفيرة الفرنسيّة أنّ “هنالك دينامية تعاون جديدة بين بلادها والولايات المتّحدة الأميركيّة بهدف استقرار المنطقة وخصوصًا لبنان. وأنّه من هذا المنطلق، هنالك تشاور وتعاون في مجالات كثيرة ولا سيّما منها التّرسيم البحري، وهو الطّريق الّذي سيؤدّي إلى الاستقرار في لبنان”.
كما رأت أنّه “ليس مستحيلًا أبدًا عودة التّعافي إلى لبنان، لكن يجب الاستفادة من الفرص الموجودة، وأنّ باريس ستستمرّ في دعم لبنان لإعادة تركيز أوضاعه الماليّة والاقتصاديّة والحياتيّة”، مؤكّدةً أنّ “على لبنان الالتزام بخطّة الإصلاحات الموضوعة، لفتح الأبواب أمام المساعدات”.
وانتقدت غريو قيام البعض بنقاش سياسي لا تقني حول خطة صندوق النقد الدولي، فهذا ما يعطي الانطباع بأنّ هذا البعض يعمل كلّ شيء لكي يمنع حصولها، “فلبنان في حاجة لصندوق النّقد لكي يستطيع تأمين الكهرباء واستعادة دورته الاقتصاديّة وتأمين الرّواتب وإعادة تمويل الدولة اللبنانية”.
واستطردت بـ”نصيحة صداقة” كما وصفتها، قائلةً: “أخرجوا من الماضي والذّهنيّة الّتي كانت سائدة، وأنا اقولها كصديقة وليس كسفيرة. هذا البلد الذي كان يقصده الجميع من مختلف أصقاع العالم ليتعلّموا فيه وليدخلوا مستشفياته وليعيشوا فيه، أنظروا إليه كيف أصبح. تستطيعون العودة، فهنالك نافذة مفتوحة ويجب عدم إغلاقها بل التّعامل معها”.
إلى ذلك، اعتبرت أنّ “مجلسًا نيابيًّا جديدًا ورئيسًا جديدًا للجمهوريّة، سيعطيان دفعًا قويًّا لتغيير كلّ شيء. ونحن ساعَدنا الجيش والقوى الأمنيّة، ويجب الإقرار بأنّ الاستقرار الأمني متوافر في لبنان إلى حدّ بعيد”. ونفت أن تكون هنالك زيارة قريبة للرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان، فالبرامج توضع قبل ثلاثة أشهر على الأقل ولا شيء من هذا القبيل في الوقت الرّاهن، خصوصًا أنّ من المفترض حصول ورشة تعيينات وإعادة تنظيم الدّوائر الرّسميّة بعد الانتخابات الرّئاسيّة والتّشريعيّة الفرنسيّة الأخيرة.
ونفت غريو أيضًا وجود توجّه لتولّي فرنسا الدّعوة لعقد مؤتمر دولي حول الأزمة اللّبنانيّة، مشدّدةً على أنّ “لبنان موجود في وجدان ماكرون وتفكيره، لكن عليكم أنتم أن تبذلوا جهودًا، لأنّ عودة التّعافي إلى بلدكم ليست مستحيلة، ولديكم الفرصة فاستفيدوا منها”.