كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : قفز ملف ترسيم الحدود البحرية الى الواجهة فجأة في عطلة نهاية الاسبوع، مثيراً كثيراً من التوقعات والاحتمالات حول نشوب حرب بين لبنان و”اسرائيل”، وذلك في ضوء دخول السفينة الألمانية «اينرجين باور» المنطقة المتنازع عليها في الحدود البحرية الجنوبية، وهي تضمّ وحدة إنتاج الغاز الطبيعي وتخزينه، ما استدعى استنفاراً لبنانياً على كل المستويات، لمواجهة هذا الاعتداء الاسرائيلي على حقوق لبنان، خصوصاً انّ السفينة ستنقّب عن النفط والغاز لمصلحة اسرائيل في حقل «كاريش» الذي للبنان حصة كبيرة فيه. وقد شملت الاتصالات بعض عواصم القرار والامم المتحدة، في وقت يتمّسك لبنان بحقه في ثرواته ومياهه بدءاً من الخط 29، وإن كان البعض يعتبره خط تفاوض. وأشاعت هذه التطورات اجواء ترقّب ما سيكون عليه ردّ لبنان وطبيعة هذا الردّ، وما يمكن ان يكون عليه ردّ فعل اسرائيل التي تتجاهل المطالب والحقوق اللبنانية منذ بداية المفاوضات غير المباشرة معها برعاية الوسطاء الاميركيين المتعاقبين، من فريدريك هوف الى الوسيط الحالي عاموس هوكشتاين.
غير انّ هذه التطورات لم تحجب الاهتمام بالاستحقاقات الداخلية، ولا سيما منها الاستحقاق النيابي، الذي يُستكمل غداً بانتخاب أعضاء اللجان النيابية ورؤسائها والمقرّرين، ثم استحقاق التكليف والتأليف الحكوميين، وصولاً الى استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية الذي تبدأ مهلته الدستورية مطلع ايلول المقبل.
أملّ اللبنانيون في ان تكون مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية غير ما قبلها لجهة فرملة الانهيار وتحسُّن أوضاعهم المعيشية، الأمر غير الممكن تحقيقه قبل تأليف حكومة قادرة على تحقيق الإصلاحات المطلوبة وتنفيذ الشروط الموضوعة من قِبل صندوق النقد الدولي. فصحيح انّ الانتخابات تنتج تغييراً، ولكن الحلول غير مرتبطة بها، إنما بالسلطة التنفيذية المنبثقة عن هذه الانتخابات. ولا يبدو انّ المسار الانفراجي سيشق طريقه قبل الانتخابات الرئاسية، التي ستعيد إنتاج كل السلطة وتدخل معها البلاد في مرحلة سياسية جديدة.
تتعامل معظم القوى السياسية مع مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية بكونها استمراراً لما قبلها، وفي أفضل الحالات كمرحلة انتقالية بين عهدين، عهد الرئيس ميشال عون الذي دخل في الأشهر الأخيرة لولايته، والعهد الجديد الذي بدأت القوى على اختلافها الاستعداد له خلف الكواليس، في ظلّ الكلام عن ثلاثة سيناريوهات:
ـ السيناريو الأول، ان تجري الانتخابات الرئاسية في مطلع المهلة الدستورية لا آخرها، من أجل التهيئة لمرحلة وطنية جديدة، تُنهي حقبة الانقسام وتعيد تجديد التسوية التي تسمح بعودة الجميع إلى طاولة مجلس الوزراء، خصوصاً انّ عامل الوقت يعمل ضدّ لبنان واللبنانيين، ولا أمل في الخروج من الأزمة المالية وتحسين الأوضاع سوى مع انطلاق مرحلة سياسية جديدة.
وتتحدّث بعض المعلومات، عن انّ بعض العواصم الغربية المعنية بالملف اللبناني فتحت بعد الانتخابات النيابية مباشرة، خطوط التواصل مع بعض القوى السياسية، في محاولة لجسّ نبضها حول إمكانية التوافق على مواصفات رئيس الجمهورية وإسقاطها على الشخص المعني، وتحويل الفترة الفاصلة بين انتخابه وتسلّمه سلطاته الدستورية، ورشة لانطلاقة متجدّدة للبلد بعد التعثُّر الطويل الذي شهده لبنان ويشهده.
ـ السيناريو الثاني، ان تغرق البلاد في فراغ جديد بسبب تعذُّر انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً في حال أصرّ أحد الأطراف على الترشُّح وألزم حليفه بتعطيل النصاب في انتظار تأمين التوافق حول اسمه، في استنساخ للطريق الذي سلكه العماد ميشال عون، ولكن مع فارق انّ هذا الفريق جُرِّب والبلاد لا تحتمل مزيداً من الفراغ، إلّا انّه لا يجب استبعاد هذا الاحتمال مع غياب التوافق على مرشّح محدّد، تتوافر فيه المواصفات التي تشكّل مصدر ارتياح للقوى الأساسية على تناقضها وانقسامها.
– السيناريو الثالث، ان يشكّل انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه «بروفا» للانتخابات الرئاسية، فيدعم كل فريق من الفريقين الأساسيين أحد المرشحين ويتمّ التنافس بينهما بالاقتراع وليس بتعطيل النصاب، في استعادة فعلية للانتخابات الرئاسية في العام 1970، أي معركة الصوت الواحد بين الرئيسين الراحلين سليمان فرنجية والياس سركيس، حيث انّ هناك من يتمنى إعادة إحياء هذا السيناريو، ويعتبر انّ ظروفه واردة في ظلّ التعددية القائمة داخل مجلس النواب.
وفي مطلق الحالات، فإنّ كل الأنظار شاخصة على محطة غد الثلثاء، مع جلسة مجلس النواب المقرّرة لانتخاب اللجان النيابية، وما إذا كانت ستعبر بسلاسة أم ستشهد انتخابات وانقسامات. وأما بعد هذه المحطة، فيفترض برئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان يدعو الى الاستشارات النيابية لتكليف رئيس للحكومة.