كأيّ قطاعٍ في لبنان، يعاني القطاع التّعليمي من أزمةٍ اقتصاديّةٍ صعبةٍ. فمثلًا، خسرت الجامعة الأميركية في بيروت 134 مليون دولار خلال الأعوام الثّلاثة الفائتة. لذلك قرّرت استيفاء الأقساط بالدّولار النّقدي، ابتداءً من العام الدارسي المقبل، وفق رسالة أرسلها رئيس الجامعة فضلو خوري للطّلاب، بتاريخ 18 أيار 2022.
لا يقتصر الأمر على الـ AUB فحسب، إنّما جامعة الـ LAU، جامعة الأنطونيّة، جامعة العربيّة في بيروت، الكفاءات والـ USEK… أعدادٌ لا تُحصى عن الجامعات الخاصّة في لبنان التي بدأت بـ» دولرة» الأقساط للحفاظ على استدامة مؤسّساتها. وبالتّالي، يمكننا القول إنّ التّعليم العالي يتّجه نحو الخراب، ولا من حسيبٍ أو رقيبٍ.
ولا شكّ أنّ الانهيار الاقتصادي وفقدان العملة اللبّنانيّة قيمتها، أثّرا بشكل مباشر على الجامعات كما على الأهالي والطّلاّب. ولكن، بحسب قانون التّعليم العالي، هذه الجامعات نفسها هي مؤسسات تربويّة لا تبغي الرّبح. ويبقى السّؤال: لماذا لم تحتضن الجامعات طلّابها خلال الأزمة بدل توسيع مشاريعها وشراء أراضٍ؟ ألم تحصل على مساعداتٍ من الخارج؟ وكيف سيتابع الطّالب اللبناني دراساته مع تفاقم الأزمة؟ وهل سيتمكّن من الوقوف على أرضٍ ثابتةٍ؟
وماذا عن الجامعة اللبنانية؟ هل ستتمكّن من احتضان كل هؤلاء الطّلاب؟
معاناة الطّلاب لتأمين مصاريف الجامعة
اعتبرت سابين، طالبة صيدلة سنة ثانية، أنّ الوضع الاقتصاديّ ظلمها كثيرًا لأنّها كانت معتمدة على المنحة الجامعيّة لمتابعة دراساتها. أمّا الآن فوالداها لم يتمكّنا من دفع الأقساط لانّها بالدّولار «الفريش» وبطبيعة الحال والداها يتقاضيان رواتبهما بالعملة الوطنيّة.
وقالت:» أسعى لوظيفةٍ، تكون قرب الجامعة لأتمكّن من تسديد ديوني المتراكمة، لكنّني أخشى أن أفتح سنة إضافيّة إن لم اتمكّن من إكمال الفصول».
وتابعت سابين: «للأسف، معظم الوظائف اليوم، ثُعطي أجرًا بالليرة اللّبنانية، ولا أعرف كم شهرًا سأراكِم عليّ لأتمكّن من إجراء امتحاناتي وإلّا الإدارة سترفض تقديمي الامتحانات قبل الدّفع».
وعن سؤالها لمَ لا تُكمل دراساتها في الجامعة اللبنانية، كونها شبه مجّانية (قسطها لا يتعدّى المليون ونصف المليون ليرة لبنانيّة) أجابت:» ستزدادُ الأمور تعقيدًا، لاسيّما من النّاحية النّفسيّة. الجامعة اللّبنانية تضغط الطّالب كثيرًا ونحنُ بغنى عن ضغوطاتٍ أُخرى».
حالة سابين، جسّدت واقع الكثير من الطلّاب والطّالبات الذين لا يعرفون مصيرهم.
فهل التّسعير بالدّولار قانونيّ؟ ومن المسؤول عن حرمان الطّلاب من حقّهم في التّعليم؟
وفي حديثها للديار، أكّدت المحاميّة غادة نقولا، أنّه حتمًا لا يحق للجامعات الخاصّة، استلام الدّيون والأقساط السّابقة بالدولار، لأنّ نيّة المشروع اللبناني اتّجهت نحو قاعدة أساسيّة وهي الإيفاء بالعملة الوطنيّة عندما يكون الدّين مبلغاً من النّقود وذلك تطبيقاً لمبدأ السّيادة النّقدية الوطنيّة، فالعملة الواجب اتّباعها لإبراء ذمّة المدين تجاه الغير هي اللّيرة اللبنانية أي العملة الوطنيّة. ولا يحق لأي دائن سواء كان مصرف أو شخص عادي فرض سداد الدّين المستحق بالعملة الأجنبيّة. إنّ الإمتناع عن قبول العملة اللبنانية الوطنيّة جريمة جزائيّة منصوص عليها في قانون العقوبات.
(قانون النقد والتسليف :المواد 1 و7 و 192 والمادة 302 موجبات وعقود).
وأضافت: «إنّ محكمة الإستئناف في بيروت كما هيئة التّشريع في وزارة العدل قد أكدتا فيما مضى على أنّ المادّة 301 م.ع والمادتين 7 و192 ق.ن.ت تتعلّقان بالإنتظام العام المالي الحامي للعملة الوطنيّة وبالتّالي لا يمكن فرض الدّفع بالعملة الأجنبيّة بل على العكس لا يمكن رفض الإيفاء بالعملة الوطنيّة».
وتابعت نقولا: «أيضاً، استقر الإجتهاد على اعتبار أنّ مبدأ الإيفاء بالعملة الوطنيّة هو مبدأ متعلّق بالنّظام العام الإقتصادي الحامي للنّقد الوطني والذي لا تجوز مخالفته، بمعنى أنّ للعملة الوطنيّة قوة إبرائية شاملة».
أخيراً، إنّ المادة 5 من القانون 50 الصّادر بتاريخ 23/5/1991 في ظروف مماثلة ومشابهة للظّروف الإقتصاديّة التي تمر بها البلاد قد نص على أنّه: « يُعطى الفريق حسن النيّة تعويضاً عادلاً عن الضّرر اللاحق به بسبب تدنّي النقد الوطني. إن نص هذه المادة ليس سوى دليل وتأكيد إضافي على وجوب حصول الإيفاء بالعملة الوطنيّة وإلا لما كان المشروع قد تدخّل لحماية الدّائن المتضرّر من الإيفاء الحاصل بالعملة الوطنية في ظل تدهور وتدني قيمتها».
وفيما يتعلّق بالأقساط الجامعية ودفعها بالدّولار الفريش مع بداية هذا العام، هو أمر مرفوض قانونيًّا.
الجامعة اللبنانية ملجأ الطّبقات الفقيرة
أكّد عميد كليّة الاعلام في الجامعة اللبنانية البروفيسور ابراهيم شاكر للدّيار، أنّه كان من المتوقّع في ظلّ هذا الانهيار، أن يتّجه القطاع الخاص الى «الدولرة» أكثر وأكثر، لاسيّما القطاع التّربوي. وهذه طبعًا في غاية الخطورة!
وسأل: «هل المطلوب أن نبدأ جدّيًا بشروط البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، أم نذهب للهلاك؟»
وقال شاكر: «ما يهمني بالموضوع هو دور الجامعة اللبنانية، فنحن للأسف سلطتنا لا تتصرف بمسؤولية تجاه القطاع العام وتحديدًا تجاه القطاع التّربوي. فكيف ستستوعب الجامعة اللبنانية هذا الكم الاضافي من الجامعات الخاصة؟»
وأضاف: «اؤكد لكم أنّ كثرا من طلاب الجامعات الخاصة لم يتمكّنوا من الدّفع بالدولار بالسنوات المقبلة، لا أدري كيف درسَت وضعها ودخلت هذا الاستحقاق الخطير. الجامعة الخاصة تخسر جزءاً كبيرًا من طلّابها. وفي هذا الحال، التّعليم الخاص سيقتصر فقط على الاغنياء، وستصبح الجامعة اللبنانية، جامعة رسمية ملجأ الطبقات الوسطى والفقيرة.
خارج هذا التحليل الاجتماعي، السؤال هو « هل ستتصرف الحكومة الجديدة ، كوننا الآن بوضع سياسي جديد، بالطريقة المستهترة نفسها تجاه الجامعة اللبنانية ومستقبل طلّابها وأساتذتها؟» وتابع عميد الجامعة: «نتأمّل من المجلس النيابي الجديد والحكومة الجديدة المنتظرة أن يكون الملف التّربوي من اولى أولوياتها لانقاذ الجامعة اللبنانية. لم يعد هناك تعليم رسمي جامعي في لبنان، وأصبحت الأجيال الجديدة فريسة الجامعات الخاصة وخاصّةً مع التّحول بالتّسعير بالدولار. هذا مشهد اجتماعي مخيف. وسوف نهجّر ما تبقّى من شبابنا إلى اوروبا وباقي العالم طلبًا للرزق، والعلم.
وختم شاكر: «مصير الجامعة اللبنانية ليس ملف استيراد قمح، نستورده بسعر ما. «الجامعة اللبنانية مش هيك» وليس بهذا المستوى نتعامل مع ملفّ بهذه الأهميّة. من فترة قصيرة، سُئل رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي: «الجامعة اللبنانية في مأزق. وأساتذتها يأضربون منذ فترة فما الحل»؟ أجاب: «البلد كلو واقف». وكأنّه غير مكترث.
نتأمّل خيرًا من الطّبقة السّياسية الجديدة، علّها تمسك بالقرار التنفيذي على المستوى الحكومي وتكون أكثر مسؤولية من الطّبقة السّابقة.
المصدر:”الديار – مارينا عندس”
**