لولا الانتخابات النيابية لكانت استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واردة جدياً، إذ إنّه يرى أنّ المناكفات السياسية والاستثمار الانتخابي يحول دون عمل حكومته وإنجاز المطلوب منها ومن البلد لسلوك سكة النهوض. لكنّ ميقاتي سيحاول مجدداً وسيسعى الى إمرار هذه المرحلة بالحد الادنى من القرارات المطلوبة ومن دون فتح ملفات خلافية وإثارة عناوين انقسامية تزيد من حدة الازمة وتعمّق هوة الانهيار، الى حين إجراء الانتخابات وإنجاز هذا الاستحقاق، فيكون قد أدّى مهمة حكومته الأساسية ونفّذ تعهده للمجتمع الدولي.
خرج ميقاتي عن صمته حيال ما يعتبر أنّه «عرقلات وشعبويات»، من الملف القضائي – المالي وعلى رأسه موضوع حاكمية مصرف لبنان.. وصولاً الى الـ«كابيتال كونترول» الذي رفضت اللجان النيابية البحث فيه وطلبت تقديمه كمشروع قانون من الحكومة، فـ«طفح كيل» ميقاتي، وقال ما قاله بعد الجلسة التشريعية في قصر «الاونيسكو» أمس الأول، حيث أشار الى أنّ هناك داخل البلد تخبّطاً وسعياً من البعض الى استثمار كلّ الامور في الحملات الانتخابية..». وأكد أنّ «من مهمات الحكومة اجراء الانتخابات النيابية، ولا يُمكن أن أنساق الى الاستقالة لكي لا تكون مبرراً لتعطيل الانتخابات، ولن أكون سبباً لتعطيل الانتخابات، ولهذا السبب لن أقدم على الاستقالة».
وعلى رغم أنّ الاكثرية النيابية والجهات المشاركة في الحكومة معروفة، إلّا أنّه بحسب مصادر قريبة من ميقاتي، لم يوجّه رئيس الحكومة هذه الرسالة الى فريقٍ محدّد بل للجميع. وفيما يعتبر البعض أنّ «غضب» ميقاتي مردّه إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والقضاء على استهداف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يرى البعض الآخر أنّ النقطة التي ملأت كوب الغضب كانت الـ«كابيتال كونترول»، إذ من دونه لا اتفاق مع صندوق النقد الدولي. أمّا المصادر القريبة من رئيس الحكومة، فتقول: «هناك تراكم ملفات، فأتت رسالة الرئيس ميقاتي، ومفادها أنّه في هذه المرحلة هناك ملفات مطروحة ويجب معالجتها من التفاوض مع صندوق النقد الى الموازنة والوضع المعيشي، ولا يُمكننا التلهّي بعناوين جانبية. أمّا بالنسبة الى موضوع حاكم مصرف لبنان، فليست قصة أشخاص بل ما يهمّ الرئيس ميقاتي هو استمرارية المؤسسات، وحين يكون هناك إجماع من الكتل النيابية على إجراء أي تغيير أو تعديل في الحاكمية فهذا الامر مناط بالجميع وليس بالرئيس ميقاتي وحده». في هذا الإطار، وبعد رفض عون عقد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري بمشاركة جهات قضائية ومالية للبحث في هذا الملف، وفشل تشكيل لجنة وزارية – قضائية – مالية بهذا الخصوص حتى الآن، يرى البعض أنّ هذا الامر قد جعل ميقاتي يقرع جرس الانذار. وفي المقابل يُتداول أنّ ميقاتي أجرى اتفاقاً ما مع القضاة الكبار المعنيين. هذه السيناريوهات كلّها، إضافةً الى ما يُحكى عن تدخُّل فاضح في عمل القضاء، ترفضها المصادر القريبة من ميقاتي، وتوضح أنّه «يتشاور في استمرار مع مجموعة معينة. أمّا جلسة مجلس الوزراء بمشاركة قضاة فهي من باب الاستئناس بالرأي والتشاور ليس أكثر ولا أقل. فالرئيس ميقاتي مع أن يأخذ المسار القضائي مجراه، لكنّه يحاول الحفاظ على المؤسسات بمعزل عن الاشخاص، ولا يحمي أشخاصاً ولا يتدخل في القضاء بل يريد أن تستمرّ المؤسسات في هذه الظروف، غير أنّ هذه العملية أخذت منحى سياسياً شائكاً». وتقول: «إذا كنا نريد أن نتلمس الطريق، فهو أنّه إذا كان هناك إجماع على تعديل على مستوى حاكمية مصرف لبنان، فهذا الامر غير مناط بالرئيس ميقاتي بل بجميع الافرقاء، ويتطلّب موافقة ثلثي مجلس الوزراء للتغيير أو التعديل». وبالتالي، يكون ميقاتي قد رمى كرة إقالة سلامة في ملعب أفرقاء مجلس الوزراء، وهو «ضدّ إثارة أي أمر خلافي الآن بل مع الأمور التوافقية وما يتفق عليه الأفرقاء، فأي كباش سياسي يعني تعقيد الامور أكثر ومزيداً من الازمات».
بالتوازي، يعتبر البعض أنّ عمل حكومة ميقاتي لا يواجه عرقلات داخلية فقط، بل عدم تجاوب دولي جدي تجاه أي مساعدة، وبالتالي لا تتمكن هذه الحكومة من تحقيق أي إنجاز. وفي هذا الإطار، يرى البعض أنّ ميقاتي عاد من الدوحة التي زارها الاسبوع المنصرم خالي الوفاض، في وقتٍ لا تطوُّر جدّياً على مستوى العلاقة مع دول الخليج وتحديداً السعودية. غير أنّ المصادر القريبة من ميقاتي ترى أنّه «يجب الاخذ في الاعتبار الرسالتين الرسميتين السعودية والكويتية من خلال الترحيب بالبيان الصادر عن ميقاتي في ما يخص العلاقة اللبنانية – الخليجية، ويجب قراءة هاتين الرسالتين الرسميتين الواضحتين بإيجابية، إذ إنّ هذه الرسالة الخليجية تدلّ الى الذهاب الى تسوية الامور، أمّا ترجمتها بإشارة واضحة المعالم كعودة السفراء فهذا أمر يعود الى الدول المعنية». كذلك تشير هذه المصادر الى أنّه «لم تُجرَ زيارات منذ فترة، لمسؤول لبناني مثل رئيس الحكومة، الى إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا أمر أساس، إضافةً الى مجموعة الاتصالات واللقاءات التي أجراها ميقاتي مع مسؤولين دوليين خلال زيارته لقطر، وبالتالي لم يعُد خالي الوفاض، ففي الشكل هذه الزيارة لإحدى دول مجلس التعاون الخليجي رسالة جيدة في حد ذاتها، فضلاً عن لقاءاته هناك، واستُكملت هذه الرسالة بالإشارة الى إمكانية زيارة وزير خارجية قطر للبنان».
وفي حين لم يصل الغاز المصري الموعود بعد ولا الكهرباء من الاردن، أتى وزير خارجية إيران الاسبوع المنصرم الى لبنان، مجدِّداً العرض الذي سبق أن قدّمه لميقاتي، والقاضي بإنشاء إيران معملي كهرباء في لبنان. وفي حين يتهم «حزب الله» الافرقاء في لبنان بالرضوخ لواشنطن ولذلك ترفض الحكومة العروض الايرانية، تؤكد المصادر القريبة من رئيس الحكومة أنّ ردّه على عرض الوزير الإيراني كان واضحاً، وهو مع «أي مبادرة من دول شقيقة أو صديقة، لكن بالآلية التنفيذية هناك صيغة عقوبات، ونحن نريد استخدام هذا العرض إيجاباً ولخدمة اللبنانيين، ولا سلبية تجاه أي عرض، إنّما أن تكون عملية تطبيقه تنعكس إيجاباً على لبنان وليس العكس».
المصدر:”راكيل عتيق – الجمهورية”
**