وفقا لاوساط ديبلوماسية، نجح حزب الله في توجيه «رسالة» ردع في توقيت شديد الحساسية كانت تبحث فيه اسرائيل عن «تنفيسة» محتملة للتصعيد في الشرق الاوسط ردا على الانباء الايجابية الواردة من فيينا حيال قرب التوقيع على الاتفاق النووي بين الدول الغربية وطهران. ولفتت تلك المصادر، الى ان تهديدات وزير «الدفاع» الاسرائيلي بيني غايتس من ميونيخ بعدم التردد في الرد على كل ما يهدد امن اسرائيل بعد تحدي المسيرة حسان، مجرد تهويل فارغ وفي غير مكانه بعدما نجح حزب الله في «كسر» معادلة التفوق الجوي الاسرائيلي في هذه اللحظة الحاسمة، حيث نجحت قيادة حزب الله في كشف الخلل الكبير في منظومة الدفاع الجوي الاسرائيلي، وهذا ما يمنع حصول حرب ولا يقربها، لان الاسرائيليين اكتشفوا بالدليل الحسي انهم غير جاهزين لها.
ووفقا لتلك المصادر، فان اقرار مصدر إسرائيلي رفيع المستوى بأن تأثير إسرائيل في مضمون الاتفاق الآخذ في التبلور بين إيران والدول العظمى هو «صفر»، فتح ابواب التصعيد على عدة خيارات، ولكي يقفل حزب الله «النافذة» اللبنانية امام التصعيد الاسرائيلي، اتخذ القرار بتوجيه انذار شديد اللهجة عبر اطلاق العنان لسلاح الجو الخاص للمقاومة، فضلا عن تفعيل منظومات المضادات الجوية، وكذلك استنفار «صامت» هدفه القول اننا مستعدون لكل الاحتمالات، وهو امر دفع الاسرائيليين الى اعادة التفكير في الاثمان الكبيرة التي سيتسبب بها تفخيخ الجبهة اللبنانية وربطها بالتقدم النووي.
وبحسب مصادر مقربة من حزب الله، فان «تسلل» الطائرة تحول الى فرصة لفحص جملة فرضيات واستراتيجيات في إسرائيل قبيل ما تسميه بحرب لبنان الثالثة، وثمة اقرار بان الحزب حقق قفزة مهمة في قدرات الطائرات المُسيرة، فهي باتت تطير إلى مسافات أبعد، وتحمل وقوداً وسلاحاً أكثر، وقادرة على التخفي بشكل أفضل. واكتشف الاسرائيليون انه بخلاف الصواريخ التي يسهّل إسقاطها، فإن الطائرات المسيرة والصواريخ الجوالة أصعب على الإسقاط بكثير، لأنها تطير ببطء وعلى مسافة قصيرة جداً من الأرض.
وبحسب صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيليّة، فإنّ حزب الله يمتلك اليوم نحو 2000 طائرة من دون طياروكثير من تلك الطائرات متطورة ومصنوعة في إيران، وبعضها مصنّع بصورة مستقلة في لبنان. ووفقا لتقرير مركز أبحاث «ألما» الإسرائيليّ، فان حزب الله يستخدم طائرات من دون طيار منذ التسعينيات وهو استخدمها في حرب تموز، وامتلك فقط 200 طائرة في عام 2013، لكن اليوم بات قادرا على استخدام الطائرات من دون طيار المتطورة في هجمات ضد أهداف إستراتيجية إسرائيلية.
كما اكد التقرير ان حزب الله لديه نماذج متقدمة للطائرات من دون طيار مصنعة في الصين، وتُستخدم للتصوير وحمل القنابل ولديها قدرات تطوير وتشغيل متقدمة جدا. وهناك ايضا 48 طرازًا ايرانيا، بما في ذلك الطائرات التي تعمل في الوقت الحالي، وأخرى ما زالت في مراحل تجريبية، منها طائرات من دون طيار برأس حربي قتالي يتراوح وزنه بين 5 و15 كيلوغراماً، وبمدى تشغيلي يصل إلى 400 كيلومتر.
وفي هذا السياق، تنشغل اسرائيل في دراسة اسباب اخفاق منظومة الدفاع الجوي «القبة الحديدية» في اعتراض المسيرة، وبحسب صحيفة»اسرائيل اليوم» نجح الحزب في احراج المنظومة الامنية والحديث عن جباية الطرف الاخر الثمن سقط بعد الامتناع عن الرد المناسب خوفاً من التصعيد! وفي اقرار بالعجز، اكدت الصحيفة ان اسرائيل لا تملك حتى الان اجوبة حيال كيفية الرد على حزب الله إذا ما اجتيزت «خطوطها الحمراء»، وبينما ترد على إيران بجملة طرق وجبهات لا تملك إعدادا مسبقا في المستويات العملياتية والاستراتيجية حيال الحزب، ولهذا تنتظرها مفاجآت سيئة وربما دفع الثمن أيضاً.
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مصادر أمنية رفيعة، تاكيدها ان مئات آلاف الصواريخ والقذائف التي في حوزة حزب الله تخلق ميزان ردع ويصعب العمل ضد هذه المنظمة. «فالوضع أمام حزب الله مختلف؛ لأن هذه المنظمة وضعت ثمنا للمس بها وبرجالها، وفي حين يمكن القيام بمواجهة محدودة في ساحات أخرى، بحيث لا يتجاوز فيها الطرفان عتبة الحرب، بقي الوضع في الساحة اللبنانية متفجراً بدرجة أكبر وزاد خطر التدهور إلى مواجهة شاملة».
وبسبب قوة حزب الله فإن مواجهة كهذه قد تشل الاقتصاد الإسرائيلي لفترة طويلة وتتسبب بضرر كبير للجبهة الداخلية. الجبهة اللبنانية «نقطة ضعف» والخطورة انه ثمة صعوبة في خلق صيغة صحيحة لكيفية العمل بشكل صحيح في لبنان دون الوصول إلى حرب، باعتراف مصدر رفيع في جهاز الأمن لصحيفة «هارتس» التي كشفت انه في النقاش الذي جرى مؤخراً بمشاركة رئيس الأركان وشخصيات رفيعة في جهاز الأمن، تم عرض العمليات في إطار “المعركة بين حربين” في 2021، وتمت مناقشة طريقة تطبيق هذه السياسة في السنة التالية.
وحسب أقوال المشاركين في النقاش، ما زالت إسرائيل تتمتع بحرية عمل جوي في المنطقة. ولكن أحدهم حذر بأنه في لبنان القصة مختلفة قليلاً، لسنا في مكان جيد. وحسب قوله، فإن القدرة على الحفاظ على حرية العمل في هذه الدولة يرتبط بامتلاك قدرة تكنولوجية ليست بحوزة إسرائيل الآن.
المصدر:”الديار – ابراهيم ناصر الدين”
**