يحاول الرئيس نجيب ميقاتي ان يبيع الأمل ويشتري الوقت في أصعب اختبار يواجهه بعدما ارتضى ان يكون رئيساً للحكومة في مرحلة الانهيار.
يعرف ميقاتي أنه ليس سهلاً انتشال حكومته المعطلة من تحت ركام المأزق مع السعودية وأزمة القاضي طارق البيطار ومفاعيل أحداث الطيونة المأساوية. وعلى رغم ذلك، يمدّ الرجل يده من بين الأنقاض السياسية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية، ساعياً الى التقاط ولو نصف فرصة أو طرف حبل للنجاة.
من هنا، يعطي ميقاتي نفسه مهلة لتحقيق التوازن في معالجةٍ تجمع بين تطييب خاطر الرياض عبر التضحية بقرداحي اذا امكنه ذلك، وبين تخفيف هواجس «حزب الله» وحركة «امل» عبر السعي الى ضبط إيقاع المحقق العدلي وإيجاد ضمانات كافية للجم «شَططه»، وفق التوصيف الذي استخدمه رئيس الحكومة.
لا يملك ميقاتي الكثير من الوقت، خصوصاً ان الماء يستمر في التسرّب الى داخل السفينة المثقوبة مهدّداً بإغراقها، بينما يخوض بحارتها وركابها نزاعات جانبية على متنها بلا هوادة. وعليه، فإن همّ ميقاتي الأساسي هو ان يتمكن من إبقاء السفينة عائمة وسط الأمواج، الى ان ترسو في مرفأ الانتخابات المقبلة، اذا حصلت، وعند هذا الحد يكون قد أنجز جزءاً حيوياً من مهمته، اما متى أحسّ بأنه سيدفع ثمن حسابات الآخرين وسيتحول فرق عملة في سوق سوداء سياسية، فهو قد يختار حينها ان ينكفئ على قاعدة «بطيخ يكسِّر بعضو».
والمفارقة في هذا السياق، وفق مصدر سياسي مطلع، ان واشنطن تحديدا لا تريد لحكومة ميقاتي أن تسقط قبل أوانها حتى لا تطير الانتخابات ويفرط الاستقرار وتدب الفوضى ويتزعزع الجيش، ولكنها لا تريد أيضاً لميقاتي وحكومته ان ينجحا خشية من ان يؤدي ذلك الى إعادة تعويم الطبقة الحاكمة في الاستحقاق الانتخابي المقبل، لا سيما ان واشنطن تعتبر أساساً ان تلك الطبقة تغطي «حزب الله»، إضافة إلى انها تتهمها بالتورط في الفساد.
وبهذا المعنى فإن المطلوب أميركياً، تبعاً للمصدر، هو ان تبقى الحكومة على قيد الحياة، من غير أن تنجح ولا ان تفشل، واذا شعرت واشنطن لاحقاً ان الانتخابات التي تنتظرها بفارغ الصبر لن تتم، لهذا السبب او ذاك، فهي قد ترفع في تلك اللحظة الغطاء عن ميقاتي او أقله تتراجع عن حماستها للتمسك به في رئاسة الحكومة كما تفعل الآن على نحو متمايز عن الطرح السعودي المقتنع بانه لم يعد مفيداً التعامل مع الواقع اللبناني بالمفرّق، ولا التمييز بين الحزب والدولة، كونه لم تعد هناك، في رأي الرياض، مسافة بين الاثنين. وبالتالي، هي أصبحت لا تمانع في أن يقع السقف فورا على كل التركيبة الحالية، ما دامت خاضعة الى نفوذ الحزب، وحتى لو كان يوجد في صفوفها أصدقاء تقليديين للرياض.
وبالنسبة إلى ميقاتي شخصياً، أغلب الظن انه لا يستطيع أن يتعايش طويلا مع نفور المملكة منه، لا سيما انه يتخوف من انعكاسات سلبية لهذا النفور، إذا طال أمده، على موقعه في البيئة السنية التي تتفهم شرائح واسعة منها الموقف السعودي وتنحاز اليه.
والاكيد ان ميقاتي سيواصل الإمساك بالعصا من الوسط قدر الإمكان، وسيبقى في رئاسة الحكومة الى حين استهلاك كل هامش المناورة، ولكنه قد يعيد حساباته بعدها، خصوصا اذا كان في صدد خوض الانتخابات او يطمح الى ملء «الفراغ الزعاماتي» الذي سيحدثه عزوف رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري عن الترشح او احتمال خروجه ضعيفاً من الاستحقاق النيابي في حال قرر عدم الانسحاب منه.
المصدر:”الجمهورية – عماد مرمل”
**