كتبت صحيفة “الديار” تقول: على الرغم من رفع الدعم عن المازوت وتسعيره بالدولار الأميركي (خلافًا للقوانين)، ما تزال الأزمة تعصف بالمواطن اللبناني الذي أصبح رهينة عصابات تفرض عليه الدفع بالدولار الأميركي بحجّة وجود دولارات في منازل المواطنين. الأمر نفسه ينطبق على البنزين الذي أصبح سعره اليوم رهينة ثلاثة عوامل: سعر النفط العالمي، سعر الدولار في السوق السوداء، وجعالة التجار (المُسعّرة بالدولار الأميركي). وعلى الرغم من رفع الدعم عن البنزين (شبه كليًا)، لا تزال طوابير السيارات ممتدّة أمام محطات الوقود في مشهد ذلّ تعوّده المواطن اللبناني، لا بل أكثر من ذلك فقد أصبح الحصول على كمية من البنزين يُشكل تعويضًا لهذا الذلّ!
الإستحقاقات القادمة في ما يخصّ المحروقات عديدة وعلى رأسها بدء فصل الشتاء الذي يزيد من الطلب على المحروقات للتدفئة، ووسائل النقل للمدارس، والمستشفيات والمرافق العامة مثل محطات ضخ المياه ومحطات البث التلفوني (سنترالات) والمعامل والمولدات الكهربائية في ظل غياب الكهرباء من مؤسسة كهرباء لبنان.
رفع الدعم في ظل استمرار الاحتكار والتهريب هو خيار بين اثنين أحدهما أمرّ من الآخر. فعدم رفع الدعم يؤدي إلى هروب الدولارات إلى الخارج وحرمان اللبنانيين من المحروقات، في حين أن رفع الدعم يرفع الكلفة على المواطن من دون حلّ مشكلة التهريب (تضخّم ضمني سيشمل كل السلع والبضائع والخدمات). وباعتقادنا، حتى ولو تم رفع الدعم بالكامل، فإن مشكلة الاحتكار والتهريب ستستمر نظرًا إلى أن لبنان هو منصة لوجيستية لاستيراد المحروقات للسوق السوري بحكم فرض عقوبات على المصارف السورية، وهو ما يمنعها من القدرة على فتح اعتمادات. وللتذكير، فإن الفارق بين التجارة مع سوريا والتهريب إلى سوريا يقف عند مصدر الدولار، فإذا كان مصدر الدولارات هو سوريا، يُسمى تصدير المحروقات إلى سوريا تجارة. أما إذا كان المصدر مصرف لبنان، فيسمّى في هذه الحالة بالتهريب.
ويبقى السؤال الجوهري: ما هو الحلّ لهذه المشكلة؟ الجواب أصبح معروفًا لدى الجميع، لكن الظاهر أن الإرادة السياسية لأخذ القرارات المناسبة ليست موجودة! فالمطلوب ضرب السوق السوداء خصوصًا السوق الافتراضي للدولار الذي حوّله التجّار إلى سوق فعلي (بالممارسة)، ومكافحة الاحتكار والتهريب. وعلى هذا الصعيد أظهرت المداهمات التي قام بها الجيش اللبناني والقوى الأمنية أن الكميات المحتكرة هي كميات هائلة كافية لسد حاجة السوق المحلّي.
هذا القرار، مع تشابك المصالح الكبير بين القيمين على القطاع وأصحاب النفوذ، هو قرار صعب وليس من السهل أخذه، والدليل على ذلك أنه لم يؤخذ حتى الساعة على الرغم من المآسي التي مرّ بها المواطن. من هذا المنطلق، نرى أن حكومة الرئيس ميقاتي موضوعة أمام امتحان كبير. وبالتالي وفي ظلّ غياب حلول أخرى فعّالة (حل رفع الدعم وحده ليس بحلٍ فعال، إذ لا بد أن يكون مصحوبا بإجراءات أخرى وأن يكون ضمن خطة شاملة لا على طريقة – بالحبة – )، ستجد حكومة الرئيس ميقاتي، التي ستأخذ ثقة المجلس اليوم مع توقّعات بأكثر من 90 صوتًا، نفسها أمام مأزق قد يحدّ من فعاليتها الإصلاحية.
**