كتب الدكتور هشام الأعور:
لو كان الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير الذي يعتبره التاريخ مؤسس لبنان الحديث وذروة المجد السياسي والعسكري للدروز خلال الحكم العثماني على قيد الحياة اليوم؛ لبلغ من العمر 449 عاما؛ ولو كان يسمع من حيث هو الآن ما طالب به وئام وهاب من سلطة رابعة للدروز لكان حتما سيقول بأن ابن الجاهلية هو المؤتمن على إرث سياسي واقتصادي ووطني عظيم لم يستغله الدروز لتثبيت حكمهم الطائفي بل لبناء وطن تسوده التعددية والعدل والمساواة. وئام وهاب يفكر إستراتيجيا ولا يمثل التكتيك لديه سوى حركة لإحدى القطع على رقعة الشطرنج يجب أن يخدم الهدف الاستراتيجي النابع من قناعاته بأن لا طرف في لبنان يستطيع الغاء الطرف الآخر تماما؛ وهو مشروع سياسي جامع يؤدي إلى نهضة وطنية تعيد للدروز دورهم بعد تراجع قوتهم السياسية في لبنان لا سيما بعد العام 2005 وخروج الجيش السوري من لبنان.
خلال الحقبة ما بين 1976 و 1990 دخل لبنان في حرب أهلية؛ ثم جاء الاحتلال الإسرائيلي العام 1982 الذي ترافق مع محاولة فرض نموذج “كامب ديفيد” بين السادات واسرائيل لكن حلفاء سوريا في لبنان وتحديدا وليد جنبلاط نجحوا في إخراج الإسرائيليين إلى الشريط الحدودي ؛وحققوا انسحاب القوات المتعددة الجنسية. هذا الدور الذي اداه ابن المختارة جعله الحليف الأول لسوريا؛وذروة هذه العلاقة تمثلت في اتفاق الطائف 1990 الذي دشن عشر سنوات في التحالف الجنبلاطي مع الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي أعطى لوليد جنبلاط دور كبير ومتقدم في ترسيخ العلاقات بين بيروت ودمشق. يؤكد مقربون من جنبلاط بأن علاقته بالرئيس حافظ الأسد لم تتخلل أية شائبة حتى وفاة الأخير.
لكن الامور تخربطت لاحقا مع الرئيس بشار الأسد يمكن ليس لأسباب سياسية ولكن ربما لحسابات وتحالفات سورية مع اطراف لبنانية كان جنبلاط طرفا فيها او لعدم وجود معرفة شخصية بينهما او لفقدان الكيمياء بين الرجلين وكلها تلعب دورا في السياسة. وقد ترجم هذا الأمر لاحقا في العام 1989 خصوصا بعد التجديد لولاية ثانية للرئيس اميل لحود الذي عارضه جنبلاط الأمر الذي خلق شرخا بين جنبلاط وسوريا. وقد ترافق ذلك مع تصاعد دور الرئيس رفيق الحريري لبنانيا وعربيا ودوليا فنشأ تحالف سياسي حريري جنبلاطي مع سوريا ولكن متميز عنها في الوقت نفسه. هناك من يعتقد بأن جنبلاط كان يطمح منذ العام 2000 إلى مزيد من الابراز للقرار السياسي اللبناني المستقل غير المعادي لسوريا وما فعله منذ انتخابات 2009 تحت عنوان اعادة التموضع كان يهدف إلى تحقيق هدفين :استعادة خطابه السابق اي تأكيد القرار السياسي. اللبناني المستقل بالتحالف مع دمشق ؛ودعم المقاومة في وجه الاطماع الاسرائيلية. لكن الحرب الكونية التي شنت على سوريا في العام 2013 جعلت من وليد جنبلاط من أبرز المؤيدين لسياسة واشنطن في المنطقة وفي طليعة الداعين إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد ولكن عندما رأى الهاوية التي تنتظر لبنان والبلدان العربية وفهم ان كل تحالف مع مشروع “الربيع العربي” في هذه المرحلة يصب في الخانة الإسرائيلية صنع انقلابا على حلفائه في 14 آذار وذهب بنفسه إلى مكان مغاير، يسمح له بأن يرى الامور أفضل خاصة بعد ادراكه دخول المنطقة وبينها لبنان في زمن التحولات الكبرى وسط تصاعد التوجه الطائفي والمذهبي في لبنان والعالم العربي مترافقا مع قلق وجودي تمر به الطائفة الدرزية وتراجع دورها على مستوى السلطة فوضع نفسه في الوسط ظنا منه أن ذلك سيؤمن الحياد لدروز لبنان لكن الوقائع تؤكد مسألة جوهرية هي ان لا حياد في السياسة لذا رأيناه يفكر في اعتزال العمل السياسي والاسراع في توريث ما بقي من زعامته لابنه تيمور. يدرك وئام وهاب ان المجتمع اللبناني هو في ذاته تعددي ويلتقي بذلك مع شعار كمال جنبلاط الفلسفي “التنوع ضمن الوحدة”.
إن تجربة وهاب على الصعيد الدرزي انطلقت من تقديسه للتعددية؛ حيث كان ينشد في ادبياته التوحيدية إحلال التعددية السياسية محل الاحادية الدرزية او الثنائية الجنبلاطية – الارسلانية. لكن الديمقراطية التعددية التي ينادي بها وهاب لا تعني المحاصصة المذهبية بين أحزاب طائفية بإمتياز النابعة مما يسميه علماء الاجتماع “البدولوجيا” ومتمثلة في ظاهرة “البدوقراطية” اي النظام السياسي الذي يفكك المجتمع كما هي الحال في لبنان إلى قبائل اوطوائف او مذاهب او جماعات مقفلة وسرية للحؤول دون قيام دولة عصرية. لا شك أن الحروب والديموغرافية والتغيرات السياسية والصراعات الدولية ارجعت دروز لبنان من الصفوف الامامية في السلطة إلى الخلف؛ وذلك لعوامل عدة ابرزها صراعاتهم الداخلية إضافة إلى العامل الديموغرافي الذي لم يترك لهم دور كبير اوتمثيل وازن في السلطة وفي إدارات الدولة؛ وهو ما جعلهم في وضع حرج لخصته مأساة تشكيل الحكومات في لبنان والحقائب الوزارية المتواضعة التي ينالها الدروز في كل مرة وبالتالي تحويلهم إلى شركاء ضعفاء ليس لهم مقدور التاثير في صنع القرار او التأثير على الخطط المستقبلية التي قد تكون قيد التحضير لمستقبل لبنان وربما يكون أحد هذه الخطط المطروحة اعتماد نظام “المثالثة” في الحكم الأمر الذي يزيد من تهميش المكون الدرزي وتراجع دوره وصلاحياته في الحكم. هناك مثل شعبي معروف في الجبل وهو ان لل “سيبة” ثلاث ارجل ولكن من دون القرص لا يمكن أن تستقيم”.
“ولبنان بلا الدروزما بيمشي”. لذلك يمكن أن تكون بوابة” السلطة الدستورية الرابعة” التي نادى بها الوزير وهاب من خلال مجلس الشيوخ اللبناني الذي طالب به وليد جنبلاط والأمير مجيد ارسلان وشيخ العقل محمد أبو شقرا أثناء الزمن الصعب في مطلع الثمانينات، وقاموا بإعداد مذكرة من أجل السلام في لبنان والخروج من الأزمة، وقد تضمنت إنشاء مجلس شيوخ تتثمل فيه العائلات الروحية وبالتالي يكون باباً للخروج من الازمة الطائفية الموجودة، ومدخلا حقيقيا للمشاركة الدرزية في صناعة القرار الوطني.
المصدر: موقع أم تي في
**