مشيخة العقل, هي المرجع الديني الأعلى لطائفة الموحدين الدروز في الدول التي يتواجد فيها الدروز بأعداد كبيرة. وتتشابه مشيخة العقل إلى حد كبير في وظائفها وفي مهمّاتها مؤسسة الفاتيكان عند المسيحيين, او مشيخة الأزهر عند المسلمين.
تمثل مشيخة العقل الرئاسة الروحية العليا عند بني معروف. كما يُعتبر شيخ عقل الطائفة الزعيم الديني الأول بين العقّال. ويُعتبر هذا المنصب إرثاً تقليديا قديماً, قِدَم الدعوة الفاطمية منذ ولادتها في مصر على أيدي الحاكم بأمر الله. ومشيخة العقل من المناصب الكبرى الحساسة والمسؤولة في البلاد حيث كان يهابها الحكام الشهابيون خاصة لأهميتها ودورها وتأثيرها ووزنها الفاعل على كافة الصُعد.
ان المقام الروحي الذي يمثله شيخ العقل يتمتع باحترام الموحدين الدروز على مختلف فئاتهم ومشاربهم السياسية والاجتماعية ومراكزهم الدينية لأنه امتداد. ولذا اطلِق على شيخ العقل القاب عدّة مثل شيخ العقل، شيخ العقّال، شيخ المشايخ…
وبحسب العُرف الذي كان سائدا عند تسمية شيخ عقل او اكثر, ان يكون ذلك بالتشاور والإتفاق بين اصحاب الحل والربط في الطائفة من شيوخ دين ورجال سياسة وفكر واجتماع وثقافة, وذلك بعد موافقة المُسمّى لهذا المركز الديني.
ومنذ القديم كان لبنان مركزاً لمشيخة العقل التي كانت تشمل اهل التوحيد في سوريا ولبنان وفلسطين. ولكن بعد ان وقعت البلاد تحت الانتداب الفرنسي , اقتصرت سلطة مشيخة العقل على لبنان, واصبح في كل من سوريا وفلسطين, رؤساء روحيون يتولون شؤون الطائفة في الدولتين. ففي لبنان ملأ هذه الوظيفة الأمير السيد (ق) (1470-1417) والشيخ زين الدين عبد الغفار تقي الدين (1558-1495) والشيخ الفاضل (توفي 1640) والشيخ ابو زين الدين يوسف ابو شقرا (توفي 1785) والشيخ علي جنبلاط (1778-1690) والشيخ حسين ماضي (توفي سنة 1804) . “
وكتب الأستاذ نجيب البعيني, مقالاً عن “تاريخ مشيخة عقل الدروز عرض تاريخي وسيَر”, في مجلة “الضحى”, العدد الخاص, في كانون ثاني 1992 قائلاَ في صفحة .105-98
” شيخ المشايخ, او شيخ العصر, هو رأس الهرم الديني عند طائفة الموحدين الدروز, حيث يمثل رمز الإمامة التي انطلقت عنها الدعوة التوحيدية. تولى هذا المنصب على امتداد التاريخ الدرزي, مشايخ افاضل كُثر حرصوا على بث المناقب العالية في المجتمع التوحيدي, وإرساخ التعاليم الدرزية المُستقاة من الكتب السماوية كافة والفلسفات التوحيدية. ومن المتعارف عليه عند الموحدين الدروز, ان الأمير معضاد الفوارسي التنوخي, امير البلاد يومئذ, كان اول من تولى مرتبة شيخ مشايخ الموحدين الدروز, فيما يُعرف اليوم في لبنان… وأول شيخ ترامى الينا خبره, واتفقت عليه كلمة الموحدين الدروز كان الأمير بدر الدين العنداري, ثم جاء بعده الامير السيد (ق), ولمّا توفي اجتمع تلاميذه وانتخبوا مكانه رئيسا لهم شيخاً للطائفة ابن عمه الامير سيف الدين بن صدقة. وجاء بعده الشيخ شرف الدين الحريري, الذي ورد اسمه مع جملة ستة اشخاص كُلفوا نظارة الأوقاف التي وردت في وصية الامير السيد. وجاء بعده الشيخ زهر الدين ريدان, ثم الشيخ علم الدين سليمان, ثم الشيخ سيف الدين التنوخي, ثم الشيخ ابو علي مرعي حمادة, ثم الشيخ زين الدين تقي الدين, ثم الشيخ الفاضل, ثم الشيخ ناصر الدين العيد, ثم الشيخ عز الدين ابو الرجال ,ثم الشيخ قبلان القاضي, ثم الشيخ شرف الدين العضيمي, ويقال انه كان في عهده مجلس شيوخ تراسه, ثم الشيخ ناصيف ابو شقرا, ثم الشيخ فخر الدين ورد, ثم الشيخ يوسف ابو شقرا, ثم الشيخ اسماعيل ابو حمزة, والشيخ علي جنبلاط, والشيخ حسين ماضي, والشيخ احمد امين الدين, والشيخ حسن تقي الدين, والشيخ شبلي ابو المنى, والشيخ يوسف برداويل, والشيخ حسين عبد الصمد, والشيخ حسن طليع, والشيخ محمد طليع, والشيخ محمد حمادة, والشيخ حسين طليع, والشيخ محمد عبد الصمد, والشيخ رشيد حمادة, والشيخ علي عبد اللطيف, والشيخ محمد ابو شقرا”.
ولقد حظي مقام المشيخة بمركز احترام وتكريم من قبل بني معروف الذين يرون في احترام شيخ العقل, احتراما لأنفسهم, وفي تكريمه تكريما لذواتهم, فضلا عن ان المشيخة هي الرمز القائم لعظمة الإمامة ووقارها. ومهما سما مقام احدهم او علا شأنه, او ارتفعت منزلته في دين او في دنيا, فإنما يسمو ويعلو ليقر لمقام المشيخة بالأولية ويعترف له بالتقدم, حتى ان الامير بشير الشهابي الحاكم, كان يعامله معاملة لا يعاملها لأحد من سائر رؤساء الأديان, ومسلكه في هذا مسلك من سبقه من الحكام الشهابيين والمعنيين, فكان يسلم على شيخ العقل بتقبيل يده, وفي تشييعه يتخطى الأبواب الداخلية الى الباب الخارجي, وفي ذلك دلالة على ما يمثله الشيخ من وقار وهيبة وقوة عمادها الدروز.
في العام 1949 توفي المرحوم الشيخ حسين طيلع أحد شيخي العقل، وجّه سماحة شيخ العقل المرحوم الشيخ ابو سليمان محمد عبد الصمد، دعوة الى رجال الدين للإجتماع في مقام السيد الأمير عبد الله التنوخي في “عبيه”, بتاريخ 29 نيسان 1949م للمذاكرة واختيار خلف للمرحوم الشيخ حسين طليع.
وفي التاسع والعشرين من نيسان 1949 وهو موعد الاجتماع حضرت الى عبيه جموع غفيرة من رجال الدين, من مختلف المناطق اللبنانية, وعلى راسهم سماحة شيخ العقل المرحوم الشيخ ابوسليمان محمد عبد الصمد, كما حضر عطوفة الامير عادل ارسلان و كمال بك جنبلاط. وبعد المذاكرة في الأمر تم بالإجماع اختيار الفاضل المؤمن الشيخ محمد داوود ابو شقرا, شيخاً للعقل ومنحوه الثقة التامة وأولوه السلطة اللازمة لما إستيقنوه من كفاءته وجدارته وقدرته على القيام بأعباء هذا المنصب الرفيع.
وعندما مرض الشيخ محمد ابو شقرا, وأصبح عاجزا عن القيام بواجبه بإدارة مشيخة العقل, كتب رسالة بتاريخ الثالث والعشرين من شهر تشرين اول 1991 سمّاها بيان التكليف أوصى فيها بتسليم الشيخ بهجت غيث هذه الوظيفة مكانه .
وبعد وفاة الشيخ محمد ابو شقرا تم التعيين الرسمي للشيخ بهجت غيث بناء على توصية الشيخ ابو شقرا.
في العام 2006 حصل شقاق ديني على خلفية خلاف نشب بين فريقي وليد بك جنبلاط من جهة والامير طلال ارسلان والوزير وئام وهاب من جهة أخرى ، إثر انتخابات مجلس مذهبي للمرة الأولى منذ 40 عاما بموجب قانون جديد لتنظيم المشيخة والاوقاف الدرزية.
وفيما كان الناخبون الدروز يتوجهون الى الاقتراع لانتخاب اعضاء المجلس المذهبي، الذي سينتخب بدوره شيخ عقل خلال شهر، أعلن ارسلان في اطار مهرجان أقامه في دارته في خلدة، عن تنصيب الشيخ ابوفيصل نصر الدين الغريب شيخ عقل ثان ، رداً على انتخاب الشيخ حسن وذلك بحضور رئيس حزب التوحيد العربي الوزير وئام وهاب والنائب فيصل الداوود . بينما أعلن قائمقام الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث تعليق مهامه.
وتعد تسمية شيخي عقل للطائفة الدرزية بمثابة عودة الى الوراء، وتحديداً خلال الستينيات، اذ صدر قرار بتوحيد مشيخة العقل في العام 1970 بناء على اتفاق بين الراحلين كمال جنبلاط والامير مجيد ارسلان، على ان يتناوب على المنصب شيخ جنبلاطي وآخر يزبكي.
اليوم يواجه الدروز استحقاق انتخاب شيخ عقل جديد للطائفة مكان الشيخ نعيم حسن بعد انتهاء ولايته ، وكانت محركات الوزير وهاب قد بدأت بالعمل على خطىي كليمنصو وخلدة للوصول الى شيخ عقل توافقي يُنهي الانقسام الدرزي في هذا الملف، والانتهاء من بدعة الشيخين، الجنبلاطي متمثلا بالشيخ نعيم حسن والمعترف به رسميا، ويدير المجلس المذهبي والاوقاف، والشيخ نصر الدين الغريب المحسوب على ارسلان،فهل ينجح وهاب في توحيد مشيخة العقل في ظروف هي الاخطر على البلد والدروز لا سيما
بعد تقديم أول طلب ترشيح رسمي إلى منصب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز من قبل رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي الشيخ الدكتور سامي أبي المنى المحسوب على جنبلاط؟
بكل الأحوال، الموحدون الدروز على موعد مع استحقاق قد يلتقي فيه المتخاصمون وقد يختلفون، ولكن حينها تكون المؤسسة هي الحاضنة الوحيدة لهم. هي أيام صعبة على دروز لبنان فيما تعصف التحولات من حولهم. فالإقليم يتغيّر ومعه الخرائط السياسية والديموغرافية، وقد ارتبط مصير بني معروف دائماً بالتحولات الكبرى، وانعكاسها عليهم، متمسكين دائما ببوصلتهم نحو عمقهم العربي والإسلامي.
**