ربما ظنّ البعض أن القرار الأميركي بالسماح لمصر بنقل الغاز الى لبنان قد يكفي لتحقيق هذا المشروع، ولكن في الواقع فإنّ الأمر يتعلق بمعطيات سياسية إضافية على علاقة بلبنان ومصر وسوريا، إذ أن القرار السوري في هذا الشأن قد يكون الأكثر أهميّة.
بعد القرار الأميركي، كان لافتاً تصريح وزير الطاقة السوري غسان الزامل الذي قال بأن “هذا الموضوع يحتاج الى قرار سياسي، ولا أميركا ولا أي بلد يفرض على سوريا ما تُريد فعله”، وبالتالي وبحسب مصادر سيّاسية متابعة فإن السوريين متشدّدين في مسألة “احترام السّيادة السوريّة”، وحريّة قرارهم الذي يحتاج الى بحث وتفاوض مع من يريد الإستفادة من الأراضي السوريّة.
فور صدور التصريح الاميركي للسفيرة دوروثي شيا انتشرت شائعات عن “رفضٍ سوري”، ولكن بالواقع فإن رفضاً كهذا لم يصدر عن أيّ جهة رسميّة سوريّة، ولو أن السوريين لهم شروطهم التي تتضمن تفاوض الدول المعنيّة بالمشروع معهم.
في هذا السياق تؤكد المصادر عبر “النشرة” أن القيادة السوريّة كانت واضحة بأنها تتفاوض مع أيّ طرف بشكل رسمي، ما يعني أن أي زيارة لبنانية لا تحمل الطابع الرسمي والمُعلن لن تؤدي إلى نتيجة، لذلك بدأ الجانب اللبناني التحضير لمثل هذه الزيارة، عبر مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم.
لطالما لعب ابراهيم صلة الوصل بين لبنان الرسمي وسوريا في السنوات الماضية، بسبب تعنّت الحكومات السابقة في لبنان ورفضها التواصل مع الحكومة السوريّة، ولكن هذه المرة لن ترضى سوريا بتواصل أمني وحسب، بل أحد شروطها هو تشكيل وفد وزاري لبناني رسمي يبحث المشروع معها، وهذا ما يحصل اليوم، حيث يُتوقّع أن يضمّ الوفد وزراء الطاقة والمياه، المالية والخارجية، ولكن ماذا بحال شُكّلت الحكومة الجديدة قبل ذلك؟.
لم يكن رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي متحمساً لتشكيل الحكومة قبل الوقوف عند بعض النقاط وكيفيّة التعاطي الدولي معها، ومن هذه النقاط كانت العلاقة مع سوريا وتحديداً فيما يخص ملف استجرار الطاقة والغاز، ولكن تكشف المصادر أن الاميركيين لم يعترضوا على مسألة الزيارة الرسمية اللبنانية الى سوريا للتفاوض بشأن وصول الغاز والكهرباء، لا عبر السفيرة في لبنان التي سلّمت بأمر الزيارة، ولا عبر وفد الكونغرس الذي زار لبنان مؤخراً، الأمر الذي أشعر ميقاتي بالراحة، إذ أنّه فور تشكيل الحكومة وتوقيع مراسيمها يتسلم الوزراء الجدد مسؤولياتهم، وبالتالي سيكون هؤلاء أعضاء الوفد الوزاري الى سوريا، حتى ولو جاء موعد الزيارة قبل حصول الحكومة على الثقة.
تؤكد المصادر أن الأميركيين لن يعترضوا على زيارة سوريا، وبالتالي “رفاقهم” في لبنان لن يعترضوا كذلك، كما كانوا يفعلون طيلة السنوات الماضية في التعاطي مع ملف العلاقات اللبنانية-السورية، ولكنهم سيحاولون التشديد على كون الزيارة تقنية تتعلق بملف الكهرباء ولا علاقة لها بالسياسة، رغم أنهم يدركون ان هذه الزيارة ستفتح الباب أمام زيارات رسمية أخرى، وأن مجرّد حصولها يعني تغيّراً كبيراً في الواقع السياسي، يشاهدونه ولكنهم لا يعترفون به.
تبدّلات كثيرة تحصل في المنطقة سيكون لها انعكاسات كبيرة على لبنان، ولكن الأساس يبقى تشكيل الحكومة كونها الشرط الأساسي لتوقيع أي اتفاقات تهمّ لبنان بالمرحلة المقبلة.