أكّد مصدر دبلوماسي فرنسي، لصحيفة “الجمهوريّة”، أنّ “مسار العقوبات الأوروبيّة لم يتوقّف، وسيعود مجدّدًا إلى الواجهة لأنّه مستمر، وأنّ الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي أنشأت حتّى اللحظة ما يُسمّى “الإطار” لنظام العقوبات، وعرّفت عن المعايير الّتي سيتمّ الإستناد عليها للمحاسبة أو لمعاقبة الأشخاص”، مبيّنًا أنّ “الأعضاء أجمعوا على معاقبة الأشخاص الّذين يعيقون تشكيل الحكومة، ويعرقلون مسار الانتخابات والإصلاحات ويخرقون احترام السيادة والديمقراطيّة والتقيّد بالقوانين”.
وأشار إلى أنّ “هذا بالنسبة إلى المرحلة الأولى من العقوبات. أمّا في المرحلة الثانية، فالدول أعضاء الاتحاد الأوروبي ستّتخذ الإجراءات المناسبة لطرح الأسماء، بمعنى أنّ كلّ جهة ستطرح الاسم الّذي ترتأي وجوب معاقبته، إنّما عليها في الموازاة إرفاق الدلائل أو الاثباتات مع الاسم المقترَح معاقبته. إذ لا يمكن لأي جهة من دول الأعضاء طرح أسماء سياسيّين لبنانيّين أو غيرهم من الشخصيّات السياسيّة، من دون وجود أدلّة وإثباتات مرفَقة مع الأسماء المقترَحة للمعاقبة… وبذلك تكون تلك العقوبات قد ارتكزت على أُسس قانونيّة صلبة للتمكّن من تبريرها، من خلال إبراز الدليل وتقديمه إلى دول الاتحاد الأوروبي والرأي العام”.
وأوضح المصدر الدبلوماسي الفرنسي، أنّ “أغلبيّة المؤسّسات الرسميّة تغلق أبوابها في آب، لذلك سيتوقّف مسار العمل الطبيعي لتسيير هذه العقوبات في الشهر الحالي، على أن تعاود دول الأعضاء أعمالها في أيلول المقبل، لتسيير مسار تلك العقوبات، وستعاود حتمًا تقييم الأوضاع في لبنان لتفعيل العقوبات وإكمال مسارها الطبيعي”، شارحًا أنّها “بعدما أنجزت المرحلة الأولى الّتي هي “مرحلة اللإطار”، ستنتقل إلى المرحلة الثانية الّتي هي “اقتراح الأسماء”، بمعنى أنّ على دول الأعضاء كافّة العودة في المرحلة المقبلة، وفي جعبة كلّ منها أسماء تقترحها للمعاقبة، على أن تكون هذه الأسماء مرفَقة بالإثباتات والدلائل الّتي تدين أصحابها، استنادًا طبعًا إلى المعايير الّتي اجتمعت عليها الدول الأعضاء في مرحلة الإطار”.
وذكر أنّ “استنادًا إلى تلك الدلائل أو الإثباتات، قد يستغرق الإعلان عن تلك الأسماء أسابيع عدّة أو ربّما أشهرًا عدّة، بحسب الوقت الّذي قد تستغرقه المناقشات والتأكّد من المستندات المرفقة مع الأسماء المقترَحة للمعاقبة، وبعدها سيكون هناك إطار لمسار العقوبات الّتي سيتمّ أيضًا الإعلان عنها في وقتها، بعد أن يتوافر للدول الأعضاء الإطار القانوني المناسب لذلك”.
وكشف أنّه “لا يمكن الإعلان في الوقت الراهن عن تاريخ كشف الأسماء الأولى الّتي ستُدرج على لائحة العقوبات الأوروبيّة، لأنّ العمليّة دقيقة وهي مرتبطة بالأوضاع العامّة في لبنان، ومرتبطة أيضًا باقتراحات محتمَلة قد تصدر عن دول الاتحاد الأوروبي وتتعلّق بتلك العقوبات، وخصوصًا بعد المناقشات الّتي ستجرى بين هذه الدول، بالإضافة الى عوامل عدّة، إذ من المفترض أن تحصل تلك الأسماء على إجماع أعضاء الاتحاد الأوروبي بعد التصويت عليها”. وركّز على أنّ “تلك العقوبات يمكن ان تطاول الجميع، وان ليس هناك أيّ أسماء أو قطاعات مستثناة: سياسيّة، حزبيّة، قضائيّة، أمنيّة، عسكريّة، رجال أعمال أو غيرهم”.
وعن اقتراح قيام أو إنشاء حركة خارجيّة لحماية القضاة اللبنانيّين المهدّدين، لفت المصدر إلى أنّ “الفكرة لم تُطرح حتّى الآن، ولا يمكن التكهّن بهذا الموضوع، لأنّ لا صلاحيّة للدولة الفرنسية لطرح هذه الفكرة”، موضحًا أنّ “طلب الحماية الدوليّة للقضاة من المفترض أن يأتي من القضاة اللبنانيّين أنفسهم أو من القضاء اللبناني”. في المقابل، أكّد أنّ “الدولة الفرنسيّة تشجّع القضاة على القيام بواجبهم القانوني والعدلي، وعلى الدولة اللبنانية والمسؤولين ترك هؤلاء القضاة يعملون باستقلاليّة وبلا ضغوط سياسيّة، على أن يؤدّوا عملهم بشفافيّة”، مذكّرًا بأنّ “الدولة الفرنسيّة تطالب وتعوّل على الدولة اللبنانيّة، تأمين حماية القضاة المولجين متابعة قضيّة انفجار مرفأ بيروت، الّتي تقع حصرًا على عاتق الدولة اللبنانيّة”.
كما ثمّن “التعاون الوثيق والتنسيق الكامل بين القضاءين اللبناني والفرنسي، خصوصًا أنّ الملف القضائي الّذي فُتح أيضًا في فرنسا يفرض ايضاً التنسيق بين القضاة اللبنانيّين والفرنسيّين المولجين بالتحقيق، بعدما تسبّب الانفجار بسقوط ضحايا فرنسيّين. ولذلك، يتمّ دوريًّا تبادل الوثائق والمستندات المتعلّقة بانفجار المرفأ بين القضاة اللبنانيّين والفرنسيّين القيّمين على الانفجار والتعاون مستمر بينهم”. وشدّد على أنّ “فرنسا تعوّل كثيرًا على استمرار هذا التعاون وعلى حكم القضاة اللبنانيّين وحكمتهم، وتعوّل أيضًا على ضرورة حمايتهم ليتمكّنوا من الاستمرار قي القيام بواجباتهم بشفافيّة”.
وعن آليّة توزيع الهبات الّتي جمعتها الدولة الفرنسيّة في مؤتمر الدول المانحة الّذي عُقد في الرابع من آب، أشار إلى أنّ “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان واضحًا في شأن توزيع هذه الهبات، وشدّد كثيرًا على كلمة الشفافيّة عندما أوضح أنّ كلّ جهة أو جمعيّة أو منظّمة طالبت بالمساعدات ستكون مسؤولة كلّيًّا عن آليّة التوزيع وشفافيّته. أمّا في ما يتعلّق بالدولة الفرنسيّة، فهي مسؤولة فقط عن المساعدات البحت فرنسيّة، ولا يمكن الإجابة عن بقيّة الدول كيف ستتعامل مع عمليّة التوزيع”.
وأفاد المصدر بأنّ “الدولة الفرنسيّة تتعامل مع منظّمات عالميّة لها ملء الثقة بها وتتمتّع بصدقيّة عالية، وهي تدرك جيّدًا الأرضيّة اللبنانيّة والواقع الجغرافي للبنان. كما أنّ تلك الجمعيّات سترسل تقارير دوريّة عن طريقة توزيع تلك الأموال والمساعدات”، لافتًا إلى أنّ “لفرنسا مجموعات ومنظّمات تعمل على الأرض ولديها آليّة لضبط ومراقبة تلك المساعدات وصرفها في كلّ المناطق اللبنانيّة، بدءًا من البقاع، الجنوب، الشمال، طرابلس وغيرها من المناطق اللبنانيّة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سلامة وشفافيّة توزيع المساعدات والهبات الفرنسيّة المقدّمة للمدارس والعائلات وبناء المباني؛ من دون أن ننسى أهميّة تقديم المساعدات الفرنسيّة الصحيّة للمستشفيات الحكومية”.
وجزم أنّ “فرنسا لن تقدّم “شيكًا على بياض” للحكومة اللبنانية أيًّا كانت تلك الحكومة، من دون التأكّد من شفافيّة آليّة توزيع المساعدات”، مذكّرًا بـ”المبادرة الفرنسية الّتي لم يلتزم بها المعنيّون”، ومبيّنًا أنّه “لن تكون هناك من مبادرة متجدّدة أو جديدة طالما لم تُنفَّذ المبادرة القديمة”.
إلى ذلك، أكّد أنّ “تشكيل حكومة إنقاذ هو الأساس بالنسبة إلى فرنسا وهي نقطة البداية، على أن تتضمّن هذه الحكومة وزراء متخصّصين وجديرين يجرون الإصلاحات المستعجلة والضروريّة لإنقاذ لبنان، على أن تبدأ تلك الحكومة بعد تشكيلها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإزالة “البلوكاج” على المساعدات الدوليّة للبنان”.
وعن علاقة فرنسا بتسمية رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي، الّذي أعلن عن ضمانات خارجيّة، فسّر المصدر أنّ “لا علاقة لفرنسا بتسمية ميقاتي أو غيره، لأنّ النوّاب هُم مَن سموّه”، موضحًا أنّ “فرنسا تدعم أي شخصيّة يتوافق عليها اللبنانيّون ويُسمّى رئيسها بحسب الأصول ووفق القوانين والأصول المرعيّة الإجراء، على أن تبدأ الحكومة الجديدة بتنفيذ الإصلاحات”. وركّز على أنّه “ليس لفرنسا أي مرشّح محدّد لرئاسة الحكومة، مثلها مثل بقيّة الدول الخارجيّة الّتي لا يفترض أن تطرح أيّ اسم، لأنّ الأمر منوط بمجلس النواب اللبناني”.
وأعلن أنّ “فرنسا حاضرة في المقابل لدعم أي حكومة تلتزم الإصلاحات الّتي طرحتها المبادرة الفرنسيّة. أمّا إذا لم تطبّق الحكومة اللبنانية هذه الإصلاحات، فلا لزوم لأن تقدّم فرنسا أيّ اقتراحات أو مبادرات جديدة، أي أنّ الدولة الفرنسيّة ستدعم أي حكومة بحسب التزامها تنفيذ الإصلاحات. أمّا بالنسبة إلى المساعدات الإنسانيّة فهذا موضوع آخر، لأنّ فرنسا لا يمكنها التغاضي عن مساعدة لبنان على الصعيد الاجتماعي والإنساني”.