بعد أزمة الدولار وانهيار العملة الوطنية وازمة البنزين والوقوف في طوابير الذل ودخول البلاد في حالة فوضى عارمة بسبب غياب الدولة والاحجام عن ممارسة مسؤولياتها تجاه المواطن ينصبّ اهتمام اللبنانيين على مشكلة أخرى متصلة دون شك بازماتهم اليومية ، وهي الارتفاع الحاد في ساعات التقنين المجحف في التيار الكهربائي وعواقبه القاسية على حياة اللبنانيين.
لقد غرقت المنازل والمؤسسات ساحلا وجبلا ، في ظلام دامس وتسببت موجات الحرّ والنقص المرعب في الطاقة الكهربائية وانقطاع المياه باضطرابات مع اشتداد حسرة الأسر الفقيرة وعجزها عن اللجوء إلى “مولدات الاشتراك” واصطدمت المؤسسات الصحية و المستشفيات نتيجة للانقطاع المتكرر للتيار بحائط مسدود، بينما تكافح المؤسسات الصغيرة من أجل البقاء. المشهد مظلم ومعيب وفي بعض شوارع العاصمة بيروت وضواحيها، تنار مصابيح الشوارع بالكاد.
ويزيد الطين بلة، ارتفاع موجات الحرارة التي بلغت مستويات عالية وصلت إلى حدود 45 درجة مئوية على السواحل كما سجلت الحرارة درجات قياسية في المناطق الجبلية في حين تعجز شبكات الطاقة عن التكيف مع هذا الوضع الصعب نتيجة عقود من الإهمال وقلة الاستثمار، وسط أزمة اقتصادية خانقة تعصف بلبنان الذي يكافح حالياً لشراء الوقود اللازم لتوليد الطاقة من العراق بالتزامن مع موجات الغضب والاحتجاجات وإغلاق الطرق واحراق الإطارات التي تشهدها غالبية المناطق بسبب نقص المياه وانقطاع الكهرباء وغياب الخدمات العامة.
ومع تعثر شبكة الكهرباء العائدة للدولة يتحكم أصحاب “مولدات الاشتراك” بمصير اللبنانيين الذين اعتادوا منذ فترة طويلة على انقطاع التيار الكهربائي منذ سنوات الحرب الأهلية لكن الانهيار الاقتصادي الدراماتيكي في الأشهر الأخيرة ترك حكومة تصريف الاعمال برئاسة حسان دياب بدون وقود كاف لتوفير الكهرباء لمعظم ساعات اليوم. وتتكل البلاد بأكملها اليوم على المولدات التي يشتكي اصحابها أيضا بعدم قدرتهم على تأمين الكميات اللازمة من المازوت لتوفير ساعات تغذية طويلة وهو ما يجعل المشتركين يرزحون تحت وطأة التقنين القاسي.
وإذ تسبب الانقطاع بالكهرباء بوفيات خصوصاً لدى من يعتمدون على أجهزة التنفس الاصطناعي بسبب حالات كورنا، تواجه المستشفيات تحدياً جديداً بعد أن أرهقها وباء كورونا بالفعل. فساد ما بعده فساد ومشاكل تتفاقم يوما بعد يوم وخطر جديد يطرق أبواب اللبنانيين وهذا يعود بالطبع إلى السياسة الاقتصادية والمالية التي ارستها المنظومة الحاكمة التي اتخذت من الفساد في مطلع التسعينات سلاحا لمحاربة اللبنانيين الذين يدفعون اليوم ثمن خطايا ليست من صنعهم بل من صنع ظواهر سياسية تتحكم برقاب البشر ولكن صار مكانها معروفاً في التاريخ.
**