من كان يتوقع ان تصبح “تل أبيب” عاصمة كيان الاحتلال تحت مرمى صواريخ فصائل الم_قاو_مة الفلسطينية، وهل كنا نتوقع ان تلغى الرحلات الى مطار “بن غوريون” وأن تصبح الحياة مشلولة تماما في سديروت وبئر السبع وعسقلان وباقي مدن الاستيطان، ومن كان يتوقع ان يهب أبناء اللد وأراضي الـ 48 نصرة لغزة والقدس؟
جملة من الأسئلة لا تنتهي ولا يبدو ان اكثر المتفائلين كان يتوقع هذا التحول في المشهد على الساحة الفلسطينية، حيث بات واضحا ان موازين القوى ميدانيا وعسكريا رغم حجم الخسائر البشرية وعدد الشهداء الكبير، والدمار الناجم عن العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة بات يميل لصالح فلسطين بشعبها ومقا_ومتها.
لكن السؤال الاهم الذي لا بد من طرحه من كان يتوقع ان تشعل القدس هذه المواجهة ففي المفهوم “الإسرائيلي” النظرة الى الفلسطينيين من ابناء القدس هي باعتبارهم جزء من “مواطني دولة إسرائيل” ويحملون هويتها، وبالتالي ترى “إسرائيل” ان لها كامل “الحق” في القيام بما تريده في الشيخ جراح وباب العامود من تهجير سكاني وتغيير ديمغرافي، لكن الفلسطينيون من أبناء القدس أثبتوا للعالم اجمع أنهم يحملون هم قضيتهم إسوة بأبنا غزة والضفة وباقي المدن والمناطق الفلسطينية، فكانت شرارة أحداث القدس كفيلة بإشعال نار المواجهة على إمتداد التراب الفلسطيني، وتحولت المواجهة الى عمليات أمنية وحرب مباشرة ظنت إسرائيل أنها ستنجح من خلالها بتحويل الانظار عن احداث القدس من خلال “عدوان مدروس” على غزة يتم بعدها تهدئة الأوضاع بفعل وساطة مصرية كما تجري العادة، لكن الرد الفلسطيني على العدوان الاسرائيلي كان صادماً، ولم تكن “قيادة إسرائيل” تتوقع هذا الحجم من الرد الفلسطيني الذي جعل من عاصمة الكيان هدفا سهلا للصواريخ الفلسطينية، بينما عجزت القبة الحديدية عن ردع الخطر عن المدن ومناطق كيان الاحتلال الذي بات مستوطنوه في الملاجىء خوفا من الصواريخ القادمة من غزة.
المفاجآت لم تكن فقط في الميدان الفلسطيني بل من خلال التحركات الداعمة فلسطين وتحديدا ما حصل عند حدود الأردن والذي يحمل في طياته بذور تحول نوعي واستراتيجي، أما عند الحدود مع لبنان تعمدت مسيرة الدعم لفلسطين بالدماء ما يوجه رسالة حازمة بأن تطورات فلسطين ليست معزولة عن باقي التطورات في المنطقة وهي جزء أساسي، وقد أثبتت التطورات الميدانية أن دول المحور الداعم لفلسطين وقضيتها نجحت في تعديل موازين القوى بشكل كبير وهذا يندرج في سياق المشهد العام على امتداد ساحات المواجهة، حيث لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع هذا التطور النوعي والاستراتيجي في قدرات المقاومة الفلسطينية، الذي بات لها القول الفصل في تحديد سير المعارك، على الرغم من الفاتورة المكلفة التي يدفعها ابناء الشعب الفلسطيني لكنهم يدركون ان تحرير فلسطين سيكون ثمنه كبير وكبير جداً
خلاصة الكلام وما يجب الوقوف عنده ان معركة سيف القدس التي نعيش فصولها اليوم، تأتي بعد سنوات من الحروب التي استهدفت سوريا وقبلها العراق وعدد من الدول العربية، بهدف تدميرها وتشتيت شعوبها تحت مسمى “الربيع العربي” وفق نظرية برنار هنري ليفي مهندس مشروع “الحروب من أجل التغيير” والتي حاولت ادارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب تتويجها بمشروع “صفقة القرن”، والتي شهدنا بعضا من فصولها بين الكيان الاسرائيلي وعدد من انظمة التطبيع الخليجي والعربي، الا انها انتهت بهزيمة كبرى بعد عجز المخطط الاميركي – الاسرائيلي في اسقاط دمشق ومعها قوى المقا_ومة في المنطقة واندحار مشروع الارهاب وفشله في تحقيق الاهداف المرسومة له، واولى ثمار تفشل مشروع “الربيع العربي” العودة العربية الى دمشق، وما يرافق ذلك من محادثات اميركية – ايرانية للعودة الى الاتفاق النووي، ما يشكل مؤشرا قويا على فشل خطة “الربيع العربي” من خلال التنظيمات الارهابية وفي مقدمها تنظيم داعش وباقي عصابات الارهاب، في تحقيق مشروع تقسيم وتفتيت دول المنطقة وتحويلها الى كانتونات مذهبية وطائفية متصارعة بهدف شرعنة وجود كيان الاحتلال في فلسطين المحتلة، وخلاصة الكلام ان الربيع العربي المزعوم اميركيا واسرائيليا سقط، وها نحن اليوم نعيش الربيع الحقيقي إنه ربيع فلسطين وربيع الشعب الذي يؤكد أنه صاحب الحق بالأرض وبالقدس والأقصى وكل تراب فلسطين، بعدما سقطت كل مشاريع التطبيع منذ كامب دايفد ووادي عربة الى اوسلو واخيرا صفقة القرن، في تغيير وجهة الصراع فأثبتت فلسطين بصمود شعبها وثبات مقاوم_يها أنها عصية على الهزيمة فهي جوهر القضية مهما طال الزمن.
**