كتبت صحيفة الجمهورية تقول: لم يعد للعيد معنى في بلدنا المنكوب؛ قبل أيام قليلة حلّ عيد الفصح على اللبنانيين، كما عيد الفطر اليوم، ببهجة مسروقة، ومحبوسة في مغاور القابضين على الدولة، وأوكار اللصوص المتاجرين بلقمة الناس وقوتهم، والمتفلّتين بلا حسيب او رقيب.
لن يدخل العيد الى بيوت اللبنانيين، فقد صاروا في غربة عن أعيادهم، في وطن مسروق، مسلوب الارادة، تتحكّم به نوعية شيطانية من الحكام ارتقت بشعار كاذب على رقاب الناس وآلامهم وتربّعت على الكراسي والالقاب، ولا صوت يعلو فوق صوت مصالحها، وتريد الوطن على مقاسها وفي خدمتها، ومن بعدها فليجرف الطوفان البلد وأهله.
في العيد وقبله وبعده، صورة مبكية لوطن يكاد يفقد هذه الصفة؛ جلجلته تبدو طويلة الأمد بكل أوجاعها على اللبنانيين، كيف لا ووظيفة المتحكمين به، منذ اشتعال الازمة فيه وحتى هذه الفترة، كانت وما زالت مصادرة الفرح، وسدّ كل طاقات الفرج، وإعدام أمل اللبنانيين بالافلات من قبضة ازمة أنهكتهم، وصبغت حاضرهم ومستقبلهم بسواد حالك، وإنزال الوطن من رتبة الى بقعة جغرافية مفرزة للبيع والايجار في بازار المصالح والصفقات.
إنهار البلد واهترى بالكامل، ولم يبدّل هؤلاء المتحكمون ما في أنفسهم ولن يبدلوا، فها هم يكملون إجهازهم على ما تبقى. وما على اللبنانيين في هذه الحالة سوى ان يستعدوا لدفع المزيد من الاثمان.
قبل الفطر وبعده
قبل العيد، وصل الملف الحكومي الى الانسداد الكامل بعدما حضر الفرنسيون عبر وزير خارجيتهم جان ايف لودريان وقرروا ان يطووا صفحة مبادرتهم نهائياً. وكما هو معلوم، أُربك الوسط السياسي بالكامل، ولكنه بدل ان يستنفر ويلتقي ويقارب ما استجد بمسؤولية بعدما انطفأت بارقة الامل التي كانت تشكّلها المبادرة الفرنسية، بقي على مجافاته لبعضه البعض ومواظباً على صبيانيّته السياسية الفارغة التي درج عليها منذ بداية الازمة.
في عين التينة، وبحسب العارفين، يبدو الاحباط جلياً مما أصاب المبادرة الفرنسية، كذلك يبدو القلق متزايداً من ان بقاء الحال على ما هو عليه قد يقود لبنان الى منزلقات شديدة الخطورة، وخصوصاً في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة وأبرزها ما يجري في فلسطين. ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورغم كل الكلام القائل إنّ المبادرة انتهت، ما زال يعتبر ان هذه المبادرة ما زالت تشكل القاعدة الاساسية الصالحة للحل وتشكيل حكومة اختصاصيين على اساسها تبدأ عملية انقاذ البلد من ازمة تخنقه، وهو ما يشدد عليه رئيس المجلس امام كل من يلتقيهم.
على أنّ الصورة في بعبدا وبيت الوسط لم تعكس اي كلام مباشر مرتبط بالحكومة، او بكيفية مقاربة ملف التأليف بعد الخروج الفرنسي،
أكان بذهنية ما قبل التي نتج عنها تعطيل ما زال مستمراً منذ آب من العام الماضي، ام بذهنية مستفيدة مما حصل تنتقل من مدار التعطيل الى مدار التسهيل؟
حتى الآن، ووفقاً للاجواء السائدة بين عون والحريري لا تبدّل في الموقف حيث ان الاهتمام في مكان آخر، فبحسب ما يؤكد المطلعون على اجواء الطرفين، فإنّ العقوبات التي اشار اليها وزير الخارجية الفرنسية واعلن الاتحاد الاوروبي انه بدأ في إعدادها ضد معطّلي الحل في لبنان، تشكل البند الاول في جدول متابعات القصر الجمهوري ومعه التيار الوطني الحر، وبيت الوسط ومعه تيار المستقبل، خصوصاً انّ الطرفين قد اصبحا في اجواء مؤكدة بأنهما مشمولان عبر فريقيهما والمقرّبين منهما بهذه العقوبات التي ستظهر الى العلن في القريب العاجل، وانهما يعرفان المشمولين بالاسماء.
الظروف سبقتهما
على انّ الجو السابق لمرحلة ما بعد العيد، عَبق في الساعات الاخيرة بكلام في بعض الصالونات السياسية عن توجّه لدى الرئيسين عون والحريري الى تحريك الملف الحكومي “بروح ايجابية ومنفتحة” إجراء مقاربة جديدة له تفضي الى ايجابيات، الا ان اجواء الرئيسين لا تعكس تبدلاً في المواقف السابقة. بل اكثر من ذلك ثمة من يتحدث عن ان الاشتباك سيحتدم بينهما بعد عطلة العيد، فالرئيس المكلف الذي يمضي عطلة العيد في دولة الامارات العربية المتحدة، يعتصم بالصمت منذ لقائه وزير الخارجية الفرنسية. والمحيطون به يؤكدون على مواقفه الثابتة والمعلنة منذ ما بعد انتفاضة 17 تشرين الاول 2019، وعلى وجه الخصوص حكومة اختصاصيين من غير السياسيين ولا ثلث معطلاً فيها لأي طرف. اما الاجواء المحيطة برئيس الجمهورية فلم تنف او تؤكد ما قيل عن ان رئيس الجمهورية سيطلق مبادرة للحل في فترة ما بعد العيد. لكن كرة المسؤولية عن التأليف موجودة في ملعب الرئيس المكلف الذي ينبغي عليه ان يعدّ مسودة حكومية وفق الاصول والمعايير القانونية والدستورية ويقدمها الى رئيس الجمهورية للاتفاق عليها.
لا مبادرات
تبعاً لذلك، لا تأكيد حتى الآن على وجود مبادرات نوعية يقوم بها اي من الرئيسين تجاه الآخر، ما خَلا بعض الهمس لدى بعض الاوساط السياسية المعنية بملف التأليف، حول خطوة ما قد يبادر اليها الرئيس نبيه بري لإعادة تحريك ملف التأليف وإحداث خرق سريع في الجدار المانع تشكيل حكومة، خصوصاً انّ البلد يقترب مسرعاً من لحظة الانفجار الكبير. فضلاً عن ان تطورات المنطقة تعزز المخاوف من امور غير محمودة على كل المستويات.
وفي هذا السياق، جزم مرجع مسؤول عبر “الجمهورية” ان التطورات التي استجدت اخيراً، اضافة الى خروج الفرنسيين من دائرة الاهتمام بلبنان ووضع مبادرتهم على الرف، لا بد ان تدفع عون والحريري ولو مكرهين الى الالتقاء على قاسم حكومي مشترك ان كانت لديهما النية الصادقة في تشكيل حكومة. فالظروف سبقتهما.
وعما اذا كان قاعدة التأليف قد تبدلت مع خروج الفرنسيين، بحيث تدرج الامر من حكومة اختصاصيين الى حكومة تكنوسياسية، قال المرجع: الظروف الداخلية المتهاوية سبقت الجميع وتحديدا سبقت عون والحريري، والظروف الخارجية والتطورات الامنية المتسارعة في فلسطين المحتلة سبقت الجميع ايضاً، وكل تلك الظروف سواء الداخلية او الخارجية يخشى ان تؤدي الى خلق وقائع جديدة بآثار مدمرة. وبالتالي فإن المطلوب للبنان هو تشكيل اي حكومة تحت اي شكل، سواء حكومة اختصاصية بالكامل او تكنوسياسية او حتى سياسية بالكامل، المهم تشكيل حكومة لمنع تفاقم الكارثة وتعمّقها اكثر.
وردا على سؤال قال: حكومة الاختصاصيين كانت عنوان مرحلة ما بعد سقوط المبادرة الفرنسية، وامّا بعد السقوط فتقدم طرح الحكومة التكنوسياسية وهو طرح يحظى بغالبية مؤيدة له، لكن ما اعرفه هو ان الرئيس الحريري ما زال متمسّكاً حتى الآن بحكومة اختصاصيين. وكل ذلك سيحسم في فترة ما بعد عيد الفطر.
تأكيدات عربية
واللافت للانتباه في هذا السياق، هو التأكيدات الديبلوماسية العربية والدولية على المستويات السياسية في لبنان بانتهاج سلوك مسؤول لمنع سقوط لبنان، عبر تشكيل حكومة بالتوافق بين اللبنانيين، وتَجنيبه وضعاً فوضوياً وخيماً، ربطاً بالانهيار الرهيب الذي ضربه اقتصاديا وماليا، وكذلك بتطورات المنطقة الحُبلى بالمفاجآت. وتلك التأكيدات قالها سفراء وديبلوماسيون عرب الى مسؤولين كبار في الايام القليلة الماضية.
وبحسب المعلومات، فإن الكلام الديبلوماسي العربي اكد على الآتي:
– كل المنطقة في عين العاصفة الهوجاء، وهي تغلي تطورات بالغة الخطورة، وباتت قابعة على برميل بارود قابل للانفجار الشامل اكثر من اي وقت مضى، والتطورات الدراماتيكية في فلسطين والمواجهات مع الجيش الاسرائيلي، تبدو مفتوحة على تداعيات خطرة جدا، وثمة مخاوف جدية من الا تبقى تأثيراتها محصورة بالداخل الفلسطيني.
– انّ على لبنان النأي بنفسه عن تأثيرات كل ما يحيط به، خصوصاً انّ ثمة ما أقلق البعثات الديبلوماسية، بعد بدء بعض الجهات في الداخل اللبناني وفي خارجه بالحديث عن احتمال مشاركة جهات فلسطينية من المخيمات الفلسطينية في لبنان، وكذلك جهات لبنانية (المقصود هنا “حزب الله”) في المواجهات الجارية في العيد. اذ ان من شأن ذلك ان يفتح على شتى الاحتمالات والسيناريوهات السلبية.
– انّ وضع لبنان بلغ الحد الاعلى من الاهتراء، يستدعي العجلة لمعالجته بالمضادات الحيوية. كل العرب منحازون الى جانب لبنان، ويريدون استقراره وعودته الى الانتعاش، وقد اكدوا ويؤكدون على ان الازمة في لبنان داخلية، ولا وجود لأي عامل خارجي ينسب اليه تعطيل الحل، بل ان ما تؤكده الوقائع في لبنان هو انّ مسؤولية التعطيل على مدى الفترة السابقة يتحمّلها بالتساوي المعنيون المباشرون بتشكيل الحكومة مع حلفائهم السياسيين، وتحديداً الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري، اللذان صار عليهما ان يثبتا للعالم اجمع بالفعل وليس بالقول، انهما صادقان، وانهما متوجهان فعلاً نحو الشراكة في بلورة حل على حكومة تشرع في الاجراءات الانقاذية والاصلاحية فوراً.
خفّة ولا مسؤولية
يتقاطع ما يتقدم مع اشارات ديبلوماسية اوروبية قاسية تجاه السلطة الحاكمة في لبنان، والتي اتهمتها بأنها اعتمدت سياسة إبعاد اصدقاء لبنان عنه. وفق ما عكسته مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ”الجمهورية”، حيث اكدت “انّ المسؤولين في لبنان ما زالوا يتعاطون بخفة ولا مسؤولية مع ازمة بلدهم، وأسفنا يتزايد على لبنان، كان يمكن لحكومة لو تشكلت ان تخطو خطوات وقائية، ولكن والحال المعطل، فإنّ الامر الحتمي
هو انه لن يكون امام لبنان وقت طويل حتى يدخل في وضع اشد صعوبة مما هو عليه.
وحول العقوبات التي قررتها باريس ضد من سَمّتهم معطلي تشكيل الحكومة في لبنان، تجنّبت المصادر الحديث عن حجمها واي الجهات التي شملتها، الا انها قالت انّ باريس صبرت طويلاً قبل اللجوء الى هذا الخيار، وما قامت به في هذا المجال، هو من ادانة صريحة وجدية لمعرقلي الحل أياً كان موقعهم، لقد وجّهنا نصائح لهؤلاء، واكدنا عليهم ان يغلّبوا مصلحة لبنان على مصالحهم وحزبياتهم، لكنهم مع الاسف واجهوا ذلك بالاصرار على حزبيتهم، وأخّروا بالتالي كل محاولة لإخراج اللبنانيين من معاناتهم. وهو من جهة ثانية رد فعل تعاطفي وتضامني مع لبنان واللبنانيين.
وعن تأثير العقوبات قالت المصادر: انّ هذه العقوبات ستسير في منحى تصاعدي، وهي في جوهرها إجراء رادع للمعطلين، ودفع لهم الى سلوك مسار التفاهمات على حكومة. آن لهؤلاء ان يثبتوا انهم يريدون مصلحة بلدهم.
أثمان باهظة
الى ذلك كشفت مصادر ديبلوماسية اوروبية في بيروت ان النقاش في الاتحاد الاوروبي حول عقوبات تفرض على معطّلي الحل في لبنان، قد بدأ فعلاً، إنما هو لم يدخل في العمق بعد، فذلك قد يتطلب بعض الوقت. واذ عكست إجماعاً اوروبياً لجهة الوقوف مع لبنان والحرص على استقراره السياسي والمالي والاقتصادي، الا انها في الشق المتعلق بالعقوبات لمّحت الى وجود بعض التفاوت في النظرة حيالها بين دولة واخرى.
وكشفت المصادر الديبلوماسية الاوروبية ان النظرة الاوروبية بشكل عام الى لبنان، هي نظرة حزن على بلد يوشِك ان يُمحى عن خريطة الوجود كدولة. ولا بد من اجراءات سريعة يتخذها القادة في لبنان لمنع انهيار هذا البلد.
على ان اخطر ما تؤكد عليه المصادر الديبلوماسية الاوروبية هو ان المنطقة تشهد تطورات خطيرة، وثمة مخاوف جدية من تمدد شرارة الاحداث الجارية بين الاسرائيليين والفلسطينيين الى خارج منطقة الصراعات الحالية. وأعربت المصادر عن ريبتها من الكلام الذي تم تداوله على بعض الشاشات في الساعات الاخيرة حول ان لبنان قد يكون الدولة الاولى المرشحة لأن تكون في عين العاصفة والاكثر عرضة للتأثر بارتدادات المواجهات، مؤكدة على انه ليس من مصلحة لبنان اضافة ازمات اضافية على أزمته الخانقة، وربما اكثر كلفة عليه. الا انها عكست قلقاً من ان يبادر “حزب الله” (الذي استنفر عناصره اعتباراً من يوم الاحد الماضي بالتزامن مع المناورة العسكرية الاسرائيلية) او أي طرف آخر، الى ما وصفتها “خطوة مغامرة” يمكن ان تترتّب عليها وقائع ونتائج غير محسوبة.