على وقع حراك إقليمي لافت، تحرّك ملف النازحين السوريين مجدّداً، عبر زيارة وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة في حكومة تصريف الأعمال البروفسور رمزي مشرفية الى دمشق قبل أيام، فماذا حققت مهمته وماذا عمّا بعدها؟
ترافقت زيارة مشرفية لسوريا مع حيوية زائدة للديبلوماسية الروسية في المنطقة، من خلال جولة خليجية لوزير الخارجية سيرغي لافروف، قادته الى الإمارات والسعودية وقطر، علماً انّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التقى في الرياض المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرينتيف.
كذلك التقى لافروف في أبو ظبي الرئيس سعد الحريري، وكان من ضمن جدول أعمال الاجتماع الملف السوري وسبل تسويته على أساس قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254، كذلك جرى البحث في عودة اللاجئين السوريين في لبنان إلى وطنهم، وفق ما أوضح الجانب الروسي.
وما يجدر التوقف عنده في سياق هذه الحركة، هو اعلان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، بعد لقائه لافروف، عن انّ الأزمة السورية تتطلب حلاً سياسياً «وهذا البلد في حاجة للعودة الى حضنه العربي»، متقاطعاً مع موقف وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان، الذي اعتبر انّ عودة دمشق للعمل الاقليمي مع محيطها العربي هو «امر لا بدّ منه».
هذه الإشارات المواكبة للنشاط الديبلوماسي الروسي، تدفع الى التساؤل عمّا اذا كانت البيئة السياسية أصبحت اكثر ملاءمة لتسهيل عودة النازحين، ام انّه لا يزال من المبكر إبداء التفاؤل على هذا الصعيد؟
وعلى المستوى الدولي، برز اخيراً إجراء دانماركي غير مسبوق، تمثل في سحب تراخيص الإقامة من 94 لاجئاً سورياً، كون مناطق عدة في سوريا ومن بينها ريف دمشق، اصبحت مناطق آمنة، وفق تفسير السلطات. وبذلك تكون الدانمارك هي الدولة الاوروبية الأولى التي نحت في اتجاه فرض ما يشبه العودة الإلزامية على النازحين، فهل هذه مبادرة منفصلة ام انّها تمهيد لتحول اوروبي في طريقة التعامل مع ملف النزوح؟
وتفيد المعلومات، انّ الجانب الروسي ميّال الى عقد مؤتمر دولي لإعادة النازحين في بيروت، على غرار ذاك الذي استضافته دمشق في 11 تشرين الثاني 2020 برعاية موسكو، لكن الفكرة طُرحت في إطار جس النبض ولم تُقرّ نهائياً بعد، علماً انّ الأميركيين والاوروبيين سيكونون امام اختبار المشاركة في النسخة اللبنانية من المؤتمر، عقب مقاطعتهم نسخته السورية لأسباب سياسية.
وقد أكّد الروس لرئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان ومشرفية، دعمهم الكامل لخطة إعادة النازحين، التي كان الوزير السابق صالح الغريب بدأ الإعداد لها في حكومة الحريري، ثم استكملها مشرفية واقرّتها حكومة حسان دياب. ويبدو انّ العلاقة الجيدة بين أرسلان من جهة ودمشق وموسكو من جهة أخرى، ساهمت في إيجاد ظروف افضل لهذا الملف، مع الاخذ في الحسبان انّ أوراقه ليست كلها في حوزة فريق واحد، بل تتوزع على عواصم دولية واقليمية عدة، شرقاً وغرباً.
ويؤكّد العارفون انّ مهمّة مشرفية الأخيرة في دمشق منحت قوة دفع لمساعي إعادة النازحين المنتشرين على الاراضي اللبنانية، وأعطت اشارة الى انّ هذه القضية لا تخضع لقواعد تصريف الأعمال. وتفيد المعلومات انّ زيارته قد تتكرّر في اي وقت، وانّ التنسيق بين وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان والوزارات المختصة في سوريا سيتعزز، وربما يكون يومياً او أسبوعياً تبعاً للمتطلبات.
ويجزم المطلعون انّ لا حسابات او رسائل سياسية وراء تحرّك مشرفية في هذا التوقيت، بل هو يتصرف على قاعدة انّ لا مفرّ من الحوار مع الدولة السورية لتسهيل العودة الطوعية والآمنة للنازحين، على أنّ اللافت انّ زيارته لم تواجه هذه المرة اعتراضات حادّة من القوى الداخلية المعروفة بعدائها للرئيس بشار الأسد ونظامه، ما خلا أصوات قليلة.
ويوضح هؤلاء، انّه كان لا بدّ لمشرفية من ان يبادر مجدداً في اتجاه القيادة السورية، وسط استمرار التأخير في تشكيل حكومة جديدة، وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية، والتراجع الحاد في قدرة لبنان على مواصلة تحمّل أعباء النازحين التي تقارب سنوياً نحو 5 مليارات دولار، وميوعة المجتمع الدولي الذي لا يساعد الدولة اللبنانية بالمقدار الكافي لمواجهة مترتبات النزوح، ولا يساعد في الوقت نفسه النازحين على العودة بذرائع أمنية وسياسية.
وعُلم انّ مشرفية أبلغ إلى الوزراء السوريين الذين التقاهم (الخارجية، الداخلية، الإدارة المحلية، الشؤون الاجتماعية، والسياحة) انّه لم يعد في استطاعة لبنان التحمّل تحت وطأة الظروف القاسية التي تواجهه، مبدياً تصميمه على تزخيم المعالجات المطلوبة لملف النازحين، وابقائها على نار حامية، خصوصاً انّ الحكومة الجديدة قد لا تولد في القريب العاجل، ولذلك فهو لن يقبل بوضع الملف على الرف، وسيستمر في التعاطي معه بالجدّية المطلوبة ما دام في عهدته.
وتبلّغ مشرفية من المسؤولين السوريين الإصرار اكثر من اي وقت آخر على إعادة النازحين، والاستعداد الكامل لتقديم اقصى التسهيلات الممكنة من أجل تحقيقها.
اما التسهيلات فهي تتنوع كالآتي:
– تحضير مراكز إيواء مريحة ومجهّزة جيداً، وهي افضل بكثير من ظروف المخيمات في الخارج.
– إيجاد شبكة امان اجتماعي وخدماتي.
– استقبال النازحين في المراكز الحدودية، وتوفير وسائط نقل تقلّهم، واستصدار الوثائق الشخصية لفاقديها من المراكز الحدودية، بغض النظر عن الإجراءات الموجودة في حقهم، وتسهيل تسجيل الأطفال المولودين خارج سوريا، وترك حرية الدخول للمواطنين العائدين والمتخذة في حقهم إجراءات معينة، وإعطاء المتخلّفين عن خدمة العلم مهلة زمنية لمراجعة شِعب تجنيدهم وتوفير أماكن لائقة للسكن.
– اي نازح لديه منزل صالح للسكن ولكن ينقصه الأثاث، ستكون الدولة جاهزة لتأمين ما يحتاج اليه من أثاث.
– على الرغم من اهمية خدمة العلم في سوريا، الّا انّ هناك قراراً يمنح النازحين الفارين منها فرصة استبدالها ببدل مالي.
المصدر:”عماد مرمل – الجمهورية”
**