مع بدء الإعلان عن فعالية لقاحات منتجة وقبولها من الناحية الفنية لدى منظمة الصحة العالمية (WHO) وغيرها من الهيئات المعنية، بدأت الدول تتسابق للحصول على هذه اللقاحات، وإعداد خطط تهدف بموجبها الى تطعيم 70 الى 80 % من سكانها مع نهاية السنة، ومن هذه الدول، من يعمل على تطعيم 100% من السكان، كدولة الامارات العربية المتحدة مثلاً. وقد بدأت هذه الدول عملياً السير لتنفيذ هذه الخطط بخطوات ثابتة وواضحة. فالتوقعات في الإمارات، وفق الخطة الموضوعة، ستنتهي من تطعيم نحو 50% من السكان خلال شهر آذار الحالي، والمملكة العربية السعودية قدّمت اللقاح لأكثر من 1,3 مليون شخص حتى الآن، وفي بريطانيا تلقّى اللقاح حتى الآن نحو 20 مليون شخص.
وفي لبنان، أعلن المسؤولون عن وضع خطة تهدف الى تقديم اللقاحات لنحو 80 % من السكان مع نهاية سنة2021، لكن يمكن للمراقب لمسار وصول اللقاحات وانطلاق حملة التلقيح منذ نحو شهر تقريباً، ان يسجّل عدم امكانية تحقيق الوصول الى النسبة المرجوة مع نهاية السنة، إذا لم نعدّل في الخطط الموضوعة، ولم نسع للحصول على كميات اضافية من اللقاحات وتشجيع المواطنين وتسهيل تلقيهم لها.
ومن المهم، بل وربما من الواجب، من اجل الوصول الى الهدف المنشود من اللقاحات بالحصول على المناعة المجتمعية، البناء على تجارب الدول الاخرى. ومن نقاط الضعف مثلاً التي وقعنا فيها في مواجهة الفيروس في شباط 2020، هو عدم دعم القطاع الخاص خلال خطة المواجهة، الى أن اشتدت الأزمة. واليوم مثلاً، يُعتبر تجاوب السلطات المسؤولة في الدولة مع رغبة القطاع الخاص في استيراد اللقاحات محدوداً لا بل بطيئاً (ضمن شروط سنأتي على ذكرها)، في حين أنّ دولاً كثيرة سمحت للقطاع الخاص بإستيراد اللقاحات المضادة لكورونا، كباكستان واندونيسيا مثلاً، بالإضافة الى دول لم ترَ وجود أي مانع قانوني من ذلك كأستراليا، ودول إرتأت أن تشتري الشركات الخاصة اللقاحات من الحكومة المحلية، والغاية الأساس التي تسعى اليها هذه الدول، هي الوصول الى المناعة المجتمعية خلال وقت أقل، وتأمين اللقاحات مقابل بدل مادي لمن يرغب في ذلك.
لا بدّ أن تسمح الحكومة اللبنانية للشركات الخاصة والمسجّلة رسمياً في لبنان، من استيراد اللقاحات وتقديمها لقاء بدل ضمن الشروط الآتية:
ـ اولاً، أن يكون اللقاح من ضمن اللقاحات المسجّلة في منظمة الصحة العالمية والمثبتة فعاليته.
ـ ثانياً، السماح للشركات الخاصة بالتفاوض مع المصانع والشركات المنتجة للقاحات، على أن يتمّ الشراء بواسطة الحكومة لمصلحة الشركة الخاصة، حيث أنّ معظم المنتجين يشترطون التعامل مع القطاع الرسمي.
– ثالثاً، إحداث الشركة الخاصة المستوردة للقاح ومراكز للتطعيم، تراعي الشروط التي حدّدتها وزارة الصحة، لتأمين جودة اللقاح وسلامة الأشخاص، بإشراف عاملين صحيين وأطباء إختصاص.
ـ رابعاً، تحديث تطبيق المنصّة المعتمدة للتلقيح، من خلال إحداث خانة خاصة بالراغبين بتلقّي اللقاح مقابل بدل مادي، إضافة الى الخانة المتعلقة باللقاح المقدّم مجاناً.
ـ خامساً، أن تتمّ العملية من خلال المنصّة الرسمية، عبر تسجيل الراغب بتلقّي اللقاح والموافقة وتحديد المركز والبدل المادي المتوجب دفعه، وذلك لتسهيل الحصول على المعلومات وتحقيق الشفافية والوضوح المطلوبين.
ـ سادساً، تثبيت السعر بالتنسيق بين وزارة الصحة والشركات الخاصة، ومراقبة آلية التنفيذ لجهة الالتزام بالشروط الفنية والمادية، تحت طائلة فرض عقوبات مشدّدة في حق اي مخالف.
ـ سابعاً، دعم مصرف لبنان لسعر صرف الدولار المخصّص لشراء اللقاحات، وذلك لتخفيف العبء عن كاهل المواطن.
في الخلاصة، من المهم التأكيد أنّ الغاية الأساس من السماح للقطاع الخاص بإستيراد اللقاحات ليس تحقيق الربح أو لاعتبار تجاري، على رغم من حق الشركات وسعيها لذلك، ضمن حدود وضوابط معقولة. لكن علينا التنبّه، الى أنّ الأسباب الموجبة لذلك، هي تمكين أكبر عدد من المواطنين من الحصول على اللقاحات، ولو مقابل بدل مادي. فكثير من الراغبين في تلقّي اللقاح إضطروا للسفر الى دول أخرى للحصول عليه بتكلفة مالية مضاعفة. ويجب أن لا يؤثر اجراء كهذا في دور الحكومة ومهمتها في الاستمرار في واجبها، بتأمين اللقاح المجاني، بناء لخطتها الموضوعة وضمن المراحل المحدّدة.
المصدر: النائب فادي فخري علامة – الجمهورية
**