الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث على الساحة العربية، وسط تصاعد اللهجة الايرانية حيال الملف النووي ضد واشنطن ، يبدو ان عودة سوريا الى مقعد جامعة الدول العربية باتت قريبة بعد نحو 9 سنوات من تعليق عضوية سوريا في اعقاب الغزوة الارهابية على الشعب السوري عام 2011، وذلك عقب الموقف الذي اطلقه وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد بن زايد آل نهيان والذي أعتبر فيه أن عودة سوريا إلى محيطها أمر لابد منه، وهو من مصلحة سوريا والمنطقة ككل، وأكد أن التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون “قيصر”.
لن تتوقف الادارات الأميركية عن فرض املاءاتها على دول المنطقة ، حيث تعمل دائما على أن تأخذ دور الحاكم الأول في الشرق الاوسط، وبعد ان فرضت ادارة الرئيس الأميركي ترامب عقوبات على دمشق من خلال قانون ” قيصر” وحاصرت الشعب السوري بلقمة عيشه، اتجهت نحو تهديد كل من يتعامل مع الحكومة السورية سواء دول او شركات او حتى أفراد، وحذرت واشنطن على وجه التحديد دولة الامارات العربية المتحدة وهددتها وهذا ما اثار حفيظة الاماراتيين معتبرين ذلك تدخلا بالشؤون الداخلية لدولة الامارات.
يمكن ربط الهجمة الأميركية بنجاح سوريا في التغلب على الارهاب العالمي على مدار السنوات الماضية وهذا ما جعل دمشق تفرض نفسها من جديد على الساحة السياسية الاقليمية وهذا آخر ما تسعى اليه واشنطن اللاهثة من خلال تحالفاتها في المنطقة لاسقاط سوريا، لكن صمود الشعب السوري قلب جميع الموازين وهذا ما دفع الرئيس السوري بشار الأسد لتحقيق نجاحات على الصعيد الدبلوماسي، وبدأت الدول العربية وغيرها بالحج نحو دمشق لأعادة فتح سفاراتها وكان من ابرز هذه الدول الامارات العربية المتحدة التي فتحت سفارتها من جديد في العام 2018 حيث وصف القائم بالاعمال الاماراتي في سوريا عبد الحكيم النعيمي الرئيس الأسد ب ” القائد الحكيم” مؤكدا قوة العلاقات وتميزها بين بلاده وسوريا.
لقد خرجت سوريا من الحرب الكونية التي شنت عليها منتصرة، وقد اصبح هذا الأمر حقيقة واقعة على الجميع تقبلها، وذهاب الامارات نحو سوريا هو دليل قوة للجانب السوري الذي صمد واثبت أن بامكانه ابعاد شبح العزلة عن نفسه، كما أن سوريا اصبحت حاجة لكل العرب في مواجهة توسع ” العثمانيين الجدد” في الشرق الأوسط وشمال افريقيا والذي يشكل تهديدا خطيرا ليس لمصالح دولة الامارات فحسب بل لمصالح المنطقة العربية عموما.
انطلاقا من ذلك، يمكن القول بأننا أصبحنا وسط لعبة شد الحبل بين الاعتدال والتطرف – العرب ضد نظام اردوغان الداعم لجماعة ” الأخوان المسلمين” ، حيث تتضافر الجهود العربية حيال توسع تركيا والتي تحتل أجزاء من سوريا، ولها نفوذ في العراق ، كما زادت تركيا من العمليات العسكرية ضد الأكراد في العراق، كما أدخلت نفسها في الحرب الأهلية الليبية وتدخلت مؤخرا بشكل حاسم في النزاع في القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان حول اقليم ناكورني كاراباخ. ويتطلع أردوغان أيضا الى توسيع الأدوار في القرن الأفريقي ولبنان، في حين يشعر الحكام العرب من الدعم التركي لجماعة “الأخوان المسلمين” وأدعائهم أن يكون لهم رأي في السياسة العربية، خاصة بعد أن وصلت وقاحة أردوغان الى حد زعمه أن مصطفى كمال أتاتورك كان مخطئا بالتخلي عن الاراضي العربية العثمانية في أقصى الجنوب حتى الموصل. وفي محاولة لإحياء الاهتمام التركي بتلك الأراضي، يدّعي أردوغان وطنية أكبر من تلك التي يتمتع بها مؤسس تركيا الحديثة، ويعلن أنه يكسر الإرث الكمالي في تأكيد الامتيازات التركية في المنطقة العربية.
لا شك ان التحالف الأردوغاني – الأخواني الممتد الى العراق ولبنان وسوريا والقرن الأفريقي يتعارض بشكل مباشر مع السياسات التي تنتهجها المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة ومصر وسوريا، كل هذا يشير الى أن القوة الدافعة في الشرق الأوسط لم تعد الايديولوجية او الدين بل السياسة الواقعية التي تقوم على التكامل العربي حيث تتمكن الدول العربية ، مثل مصر والسعودية والامارات وسوريا من تأسيس جبهة قوية ضد سياسة أنقرة الخارجية التوسعية والتدميرية والتمكن من كبح جماح وكلائها في المنطقة.
كل هذا بدا واضحا الآن. لقد جاءت اللحظة العربية باعلان دولة الامارات العربية المتحدة على لسان وزير الخارجية الشيخ عبد بن زايد آل نهيان عن خارطة الطريق التي حملت في مضمونها رسالة واضحة المعاني وما إذا كان المستقبل سلميا يتوقف على المسار الذي تتبعه الولايات المتحدة الأميركية. فإذا أرادت ادارة الرئيس الأميركي بايدن تجنب التدخلات الأميركية التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط ن فعليها استثمار المزيد من الوقت والموارد الدبلوماسية في المنطقة الآن وذلك من خلال فتح حوار أميركي – عربي لالغاء قانون “قيصر” ضد سوريا ، وهذا يتطلب بحسب الرؤية الاماراتية ” ضرورة التعاون والعمل الاقليمي لبدء مشوار عودة سوريا إلى محيطها، وهذا الأمر لا يتعلق بمن يريد أو لا يريد، المسألة هي مسألة المصلحة العامة مصلحة سوريا ومصلحة المنطقة”.
تدرك دولة الامارات العربية المتحدة، كما غيرها من الدول العربية إن سقوط مشروع ” العثمانيون الجدد” في المنطقة العربية يبدأ من إدراك ان هذا المشروع ليس “حدثا عابرا” او “جنون حاكم” بقدر ما هو تطور مستحدث في الرؤية الأردوغانية للمنطقة وآلية استعمار جديد، وتقديم كل أنواع الدعم والتمويل لقوى الإرهاب في محاولة لإسقاط سوريا الدولة والنظام، وهذا ما تؤكده طبيعة محاولات التمدد العسكري والتخريبي لتركيا فى منطقة الشرق الأوسط، وشرق المتوسط والساحل والعمق الافريقي حيث تعكس خريطة الجرائم العدوانية الأردوغانية فى مناطق الصراعات والأزمات مثل سوريا والعراق وليبيا، وتهديدها دول عربية مثل السعودية ومصر والامارات وتونس وصولا الى التوتر الذي بات يقترب من الحدود الأوروبية فى شرق المتوسط، مع قبرص ثم اليونان ومؤخرًا دعم أردوغان العدوان الأذري على ارمينيا ، إضافة إلى مواقف أنقرة من ملفات مقلقة لأوروبا، تحوّل تركيا إلى قاعدة عالمية للإرهاب يستطيع معها أردوغان تقويض استقرار الدولة التي يريدها، هذا الإرهاب المدرّب في تركيا والمجرّب في سوريا، أصبح حقيقةً قاطعةً يخشاها كل العرب كما بقية أطراف المجتمع الدولي ويعمل على الحد من مخاطرها.
هذه الحقيقة قد فتحت الباب أمام رؤية إستراتيجية عربية مضادة للمخطط التدميري، ودونه ستجد بعض الأطراف أنها “شريك عملي أو تحريضي” في تمرير “المؤامرة الأردوغانية”، وأولى خطوات مواجهة ذلك، تنطلق من خلال تكيز الدبلوماسية الاماراتية على إعادة الاعتبار لسوريا موقفا ومكانة، واستعادة حضورها في الجامعة العربية، وتعزيز التعاون والعمل الاقليمي المشترك للحد من المخاطر الخارجية وفي طليعتها المشروع الأردوغاني – الأخواني المستحدث وغزواته ضد دول عربية، فضلا عن سياساته التوسعية التي لم تعد خافية على أحد بعد ان اعلن اردوغان أن للأتراك “حقوق في ليبيا وسوريا وغيرها يجب استعادتها”. تلك الرسالة الاستعمارية لا تستثني بالطبع أي دولة عربية، وهي تستدعي مراجعة عربية حيال المواقف من سوريا، والاتفاق على آلية مشتركة للتعامل معها دون خلط هذه العلاقة بمواقف الخلاف مع الجمهورية الاسلامية في ايران، والاسراع في قيام جدار الحماية الأول لمواجهة الغزوة الاستعمارية الجديدة بقيادة ” الآغا العثماني” على المنطقة، وامتلاك شجاعة الاقدام على اعتبار سياسة حسن الجوار ومكافحة الارهاب، واحترام سيادة الدول ووحدة الأراضي على طرفي الحدود مع سوريا هي قواعد حاكمة في تشكيل حلف اقليمي سياسي واقتصادي وامني تشكل فيه سوريا دورا اقليميا مقررا في المنطقة.
الغالبية العربية الشعبية والرسمية تقف مع سوريا، تلك الحقيقة التي بدأت تتجلى امام عيون الكثيرين من الحكام العرب ، وقد آن الأوان لادراك الجميع بأن لا قيامة للعرب دون سوريا، وغير ذلك وهم سياسي كبير.
**