كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: منذ تكليف السفير مصطفى أديب في آب الماضي وفشله في التأليف، وبعده تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة قبل 3 أشهر، تلطّى معطلو التأليف بالاستحقاق الاميركي، وزرعوا في الذهن اللبناني أنّ تاريخ 20 كانون الثاني سيشكل المحطة التي ستتبلور بعدها صورة الاستحقاق الحكومي في لبنان. والآن حانت لحظة الحقيقة، ومرّ الاستحقاق الاميركي وتمّ تنصيب جو بايدن رسمياً رئيساً للولايات المتحدة الاميركية، وسيمرّ بعض الوقت لتتبيّن فيه اتجاهات رياح السياسة الاميركية وكيفية تعاطي ادارة بايدن مع ملفات المنطقة، ومن ضمنها لبنان.
ومع وقوف لبنان كغيره من دول المنطقة على رصيف انتظار تبلور الصورة الاميركية، ربما لأسابيع وربما لأشهر، ينبري السؤال التالي: بعدما انتهت صلاحية ذريعة ربط الحكومة بالاستحقاق الاميركي، أيّ ذريعة جديدة سيلجأ اليها المعطّلون لكي يبرروا او يغطوا فيها هروبهم من تأليف هذه الحكومة؟
ما يبرّر هذا السؤال، هو ما اتّضَح منذ دخول لبنان في الفراغ الحكومي في آب الماضي، بأنّ الاسباب المعطلة لتأليف الحكومة، لبنانية الصنع، مصبوغة باللونين الأزرق والبرتقالي، ولا رابط بينها وبين أيّ استحقاق خارجي.
الخلاف… هنا
وعلى ما تؤكّد مصادر معنيّة بالملف الحكومي لـ”الجمهورية” فإنّ الجوهر الأساس لتعطيل الحكومة، وكما ترجّح كل المعطيات المرتبطة بهذا الملف، كان وما يزال الخلاف على جبنة الحكومة والثلث المعطّل فيها، وتوزيع الوزارات، ولمَن ستؤول وزارتا الداخلية والعدل.
وتلفت المصادر إلى أنّ شيئاً لم يتبدّل على هذا الصعيد، فالخلاف مستحكم، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري حَدّد كلّ منهما ثوابته التي لا رجعة عنها، وكل ما عدا ذلك تفاصيل ثانوية قابلة لأن تبدّد ويتم تجاوزها.
وساطات تلامس القشور
وعليه، فإنّ المصادر نفسها تجزم بأنّ ما يحكى عن وساطات يقوم بها هذا الطرف أو ذاك، تحاول أن تقارب نتائج الخلاف بين عون والحريري، ومن ضمنها “أزمة الفيديو” المسرّب والكلام الجارح من قبل رئيس الجمهورية بحق الرئيس المكلّف، أي أنّها تلامس القشور فقط، ولا تلامس جوهر الخلاف العميق بينهما، ورفض كلّ منهما التسليم للآخر والتنازل له عن ورقة الإمساك بالحكومة بعد تأليفها.
هنا تكمن العقدة، تقول المصادر، وليس في “أزمة الفيديو” التي ظَهّرت حديّة الخلاف بين الرئيسين، والتي لا يبدو حتى الآن، مع الجروح والندوب التي تركتها في عمق العلاقة بين عون والحريري، أنّها قابلة لأن تحلّ على طريقة “تبويس اللحى”.
مثلّث الخلاف
وعلى ما هو سائد في أجواء التأليف، فإنه حتى ولو عولجت “أزمة الفيديو” ونجح الوسطاء في طيّ صفحتها وحَمْل الرئيسين، وتحديداً الرئيس الحريري، على تجاوز آثارها وتداعياتها، فإنّ الأزمة الأم الكامنة على مثلّث عون – باسيل – الحريري، ستبقى قائمة ولن تنتهي، علماً أنّ “مثلث خلاف التأليف” هذا كان قبل “أزمة الفيديو” مستعصياً على كلّ الوساطات التي بذلت، ولم تنجح في اقناع اطرافه بالتراجع وخفض سقف الشروط.
وبحسب معلومات “الجمهوريّة” فإنّ مشاورات مكثفة تجري بعيداً عن الأضواء بين جهات سياسية معنية مباشرة بملف التأليف، وذلك سعياً الى بلورة فكرة تحرّك في اتجاه مثلث الخلاف الحكومي، يؤدي “حزب الله” دوراً أساسياً فيها، ترمي الى إحداث خرق في جدار هذا الخلاف، يُفضي الى صياغة تفاهم بين شريكي التأليف وتخفيض السقوف المرتفعة.
هل يتحرّك بري؟
وتفيد المعلومات أنّ هذه الفكرة لم تنضج بعد، في انتظار ما ستؤول اليه حركة الوساطات التي تجري على خط معالجة تداعيات “أزمة الفيديو”، حيث تفيد الأجواء بأنها تدور حول نفسها، ودخانها ما يزال داكناً. فيما طرحت في موازاة ذلك فكرة أن يُبادر رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى تحرّك ما.
إلّا انّ مصادر واسعة الاطلاع أبلغت الى “الجمهورية” قولها انها تستبعد أن يقوم رئيس المجلس بتحرّك مباشر عبره شخصياً، ذلك أنّ التجارب السابقة مع مثل هذا الحالة ترهن أي تحرّك من هذا النوع، بمدى استعداد أطراف الخلاف للتجاوب معه بما يجعل القائم بهذا التحرّك متيقّناً من أنّ حركته ستؤتي ثمارها سلفاً، لا أن تبدأ وتنتهي عند نقطة الفشل والعودة الى الدوران في الحلقة المفرغة، ما يعني أنّ اي تحرّك فاشل سيزيد من مفاقمة الازمة.
وتشير المصادر الى انّ بري، الذي يُبدي تخوفاً من انحدار الازمة في لبنان إلى ما هو أسوأ على كل المستويات في حال بقيت الحكومة معلقة على حبل الخلافات، لا يرى أي مبرّر للتأخر في تشكيل الحكومة. وبحسب المصادر، فإنه قد يشكّل رافداً داعماً بقوة لأيّ تحرّك جدي يحقق الغاية الاساس بتوافق الرئيسين عون والحريري على تشكيل حكومة صار البلد في أمسّ الحاجة اليها في ظل الظروف التي يعانيها، والتي تُنذر بالتفاقم أكثر فيما لو ترك البلد بلا حكومة تبدأ مهمة الانقاذ والاصلاح.
لا توجد إرادة؟
على أنه في موازاة حركة الوساطات، يبرز جو تشاؤمي عكسه معنيون بهذه الحركة، حيث أفاد هؤلاء بأنّ الامور ما زالت تراوح مكانها، اي في نقطة السلبية ذاتها، فأجواء الرئيس عون لا توحي أنّه في وارد الاتصال بالرئيس المكلف ودعوته الى القصر الجمهوري لاستئناف المباحثات بينهما حول ملف التأليف.
كما أنّ أجواء الرئيس المكلف لا توحي ايضاً انه في وارد ان يبادر هو الى الاتصال بعون، بل هو ينتظر ان يَرده اتصال من القصر الجمهوري، وإن حصل هذا الاتصال وتم اللقاء مع رئيس الجمهورية، فإنّ البحث سيكون حصراً في المسودة التي سبق للرئيس المكلف ان قدّمها الى عون. كما تؤكد اجواء بيت الوسط انّ موضوع اعتذار الحريري عن عدم تشكيل الحكومة ليس مطروحاً لا الآن ولا في أي وقت، كما ليس وارداً لدى الرئيس المكلف القبول بما يعطّل عمل الحكومة قبل أن تبدأ حكمها، وعلى وجه الخصوص منح الثلث المعطّل في الحكومة لرئيس الحكومة وفريقه السياسي.
وتبعاً لذلك، يؤكد المطلعون على اجواء الطرفين انّ الخلاف بين عون والحريري لا يحتاج الى وسطاء، بل يحتاج بالدرجة الاولى الى ارادة تأليف وهي غير موجودة حتى الآن، ولو أنها أصلاً موجودة، لما تمّ انتظار الوسطاء، ولا كان هناك ما يمنع رئيس الجمهورية او الرئيس المكلف من أن يبادر أحدهما الى الاتصال بالآخر لاستنئناف المباحثات بينهما حول الحكومة ومقاربة تأليفها بصورة مغايرة عمّا كانت عليه في اللقاءات السابقة بينهما.
وخلاصة القول انّ اي لقاء بين عون والحريري، وسط هذه الاجواء العميقة بينهما، لن يكون سوى إطار شكلي لن تتأتّى منه أي نتيجة ايجابية. ومن شأن ذلك أن يعيد إطلاق دورة جديدة من الاشتباك السياسي، أي زيادة التوتر. ومن هنا ليس المطلوب فقط إنضاج عقد لقاء بين الرئيسين، بقدر ما انّ المطلوب هو إنضاج استعدادهما الى تنازلات متبادلة تفضي الى نتائج إيجابية تُفرج عن الحكومة. وهذا الانضاج لا تنجح به سوى “قوة قاهرة” أقوى منهما، قادرة على فرضه عليهما، الّا انّ الجهة المالكة لهذه القوة ليست ظاهرة أو متوفرة حتى الآن.
تدقيق غب الطلب
من جهة ثانية، وبعد محاولة إثارة الكثير من الغبار من خلال تسليط الضوء على ملفات تتعلق بمصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة، جاء الاجتماع الذي عُقد أمس في القصر الجمهوري لمتابعة ملف التدقيق الجنائي وكأنه استكمال للقضية نفسها.
في الواقع، لم يكن مضمون الاجتماع الذي ترأسه رئيس الجمهورية هو الحدث، بل التوقيت الذي اختير للاعلان عن عودة الاهتمام والمتابعة لملف التدقيق الجنائي في مصرف لبنان.
وقد أُعلن بعد الاجتماع، الذي حضره وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني والوزير السابق سليم جريصاتي والمدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، انّ البحث تركّز على الخطوات الآيلة الى الإسراع في الاتفاق مع شركة “الفاريز اند مارسال” في موضوع التدقيق المالي الجنائي، بعد إقرار مجلس النواب قانون تعليق السرية المصرفية لمدة سنة. وفي السياق، تساءلت مصادر مراقبة اذا ما جرى حسم الملف لجهة اعادة التعاقد مع الشركة نفسها التي انسحبت، وما هي الشروط الجديدة التي قد تفرضها الشركة في حال قررت استلام القضية مجدداً؟ وما هي الكلفة الجديدة التي سيتم دفعها؟
تضيف المصادر: كل المسائل المتعلقة بالملف لا تزال غامضة، بما فيها مسألة موافقة “الفاريز اند مارسال” التفاوض مجدداً على العودة.
وتخلص المصادر الى الاستنتاج انّ إثارة هذا الموضوع امام الرأي العام مجدداً قد تكون تهدف الى التعمية على القضية الاساس في البلد، والمتعلقة بتشكيل حكومة وبدء خطة للانقاذ، وكل ما عدا ذلك ليس أكثر من ذرّ للرماد في العيون.
الطلب السويسري
في سياق متصل، ما زال طلب السلطات القضائية السويسرية للتعاون في تحقيق بتحويلات مالية من قبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في دائرة التفاعل، حيث أفادت معلومات ان هذه المسألة باتت في عهدة المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وهو الذي يتولى صياغة الرد على الطلب السويسري عبر وزارة العدل اللبنانية، وسيستمع عويدات قريباً للحاكم رياض سلامة.
وتلفت المعلومات الى أنّ هذه القضية ليست نابعة من الكتاب الذي وجّهه لبنان العام الماضي لسويسرا لمعرفة حجم التحويلات ومن قام بها.
يشار هنا الى أنّ مكتب المدعي العام السويسري قد أفاد بأنّه أُحيط علماً ببيان وزيرة العدل اللبنانية الذي ورد في وسائل الإعلام بتاريخ 19 كانون الثاني 2021، وذكر أنه أرسل عبر القنوات الرسمية طلب مساعدة قانونية متبادلة إلى السلطات المختصة في لبنان. ويأتي هذا الطلب في سياق تحقيق OAG بتهمة غسل الأموال المشدد (المادة 305 مكرر، الفقرة 2 من قانون العقوبات السويسري) في ما يتعلق بالاختلاس المحتمل على حساب مصرف لبنان. ولن يتم الإدلاء بأي تعليق آخر في الوقت الحاضر.
تمديد الاقفال
من جهة ثانية، استمر أعداد الاصابات بفيروس كورونا في التفاقم، حيث سجل عداد الاصابات امس 4332، ورقماً صادماً في عدد الوفيات بلغ 64، هذا في وقت تتعالى الاصوات منادية بضرورة ان يَعي المواطنون هذا الخطر والالتزام الكلي بالاجراءات الوقائية من دون استهتار او اهمال لأنّ ما هو مُقبل على البلد في الفترة المقبلة قد يكون من الصعب تداركه، وهذا بالتأكيد لا يُعفي السلطة على الاطلاق من تحمل مسؤولياتها في اتخاذ ما يلزم، وأقله إلزام المواطنين بالتقيد بالتدابير ومعايير السلامة لهم ولأبنائهم ومجتمعهم.
وفي هذا السياق، ينتظر ان يتخذ مجلس الدفاع الاعلى، في جلسته الاستثائية التي سيعقدها اليوم في القصر الجمهوري، قراراً بتمديد فترة الاقفال العام ربما لأسبوعين.
وسيناقش مجلس الدفاع توصية خلية كورونا التي اجتمعت امس بتمديد الاقفال التام. ويبدو انّ الاتجاه الغالب هو للتمديد أسبوعين إضافيين، إضافة الى مناقشته اقتراحات بتخفيف القيود على بعض القطاعات التي تعتبر حيوية ومرتبطة بحياة المواطنين.
اللقاح
في سياق متصل، تبرز ايضاً مسألة شديدة الاهمية مرتبطة بموضوع استيراد اللقاحات ضد فيروس كورونا، حيث تعالت أصوات ايضاً حول مسؤولية الدولة في توفيرها للبنانيين، خارج البازار السياسي والمحسوبيات التي يمكن ان تدخل على هذا الملف، واذا كان المعنيون في هذا الامر يؤكدون انّ هذه اللقاحات قد تصل الى بيروت في غضون اسبوعين الى ثلاثة اسابيع على الاكثر، برز موقف لرئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي قال فيه: “في موضوع خطوة توزيع اللقاح، علينا ان نتعلم من أخطائنا ونَدع اهل العلم يقومون بعملهم وفق أطر علمية فقط لا غير، ولا يمكن لهذه الخطة ان تدخل في زواريب شعبوية او زبائنية او مناطقية لا نفع منها”.