كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: يتصدّر عداد كورونا المتصاعد يومياً اهتمامات اللبنانيين ومخاوفهم من انتشاره المخيف، بالتوازي مع صرخات الجسم الطبي المستنزف وغير القادر على مواجهة حجم الإصابات المتعاظم، وسط دعوات الى الإقفال التام للحدّ من انتشار هذا الوباء وتطويقه وإراحة الجسم الطبي. وتردّدت معلومات انّ المجلس الأعلى للدفاع قد يدعو في اجتماعه اليوم إلى الإقفال التام للبلاد لمدة اسبوع على الاقل.
والوضع الصحي المأزوم لا يختلف عن الوضع الحكومي المأزوم، وقد شكّلت إطلالة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أمس، أفضل تعبير عن حالة التأزُّم الحكومي، ورميه مسؤولية التعطيل على الرئيس المكلّف سعد الحريري وتلويحه بعدم المشاركة في الحكومة العتيدة، الأمر الذي استدعى رداً من تيار “المستقبل” الذي أعلن انّ “الحكومة جاهزة بحسب المبادرة الفرنسية لا المعايير الباسيلية”.
ولا تختلف المأزومية الصحية والحكومية عن المأزومية المالية، في ظلّ التراجع المخيف على هذا المستوى، وحديث حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن “انتهاء عصر تثبيت سعر صرف الليرة إزاء الدولار”، والذي أحدث دوياً كبيراً، وترافق مع الكلام عن وصول احتياطي المصرف المركزي إلى مستويات محرجة تقلّ عن ملياري دولار، وقد يأتي الإقفال العام، الذي يشكّل ضرورة صحية، ليضاعف من مأزومية الوضع الاقتصادي.
وتُضاف إلى الأزمات أعلاه أزمة غياب الثقة بين المواطن والسلطة من جهة، والمجتمع الدولي والسلطة من جهة أخرى، وعامل الثقة لا يمكن معالجته سوى، إما من خلال انتخابات مبكّرة تستجيب لتطلعات اللبنانيين الذي انتفضوا في 17 تشرين الاول 2019، او من خلال حكومة تستجيب لشروط المجتمع الدولي في الإصلاح، فيما الحكومة التي يتمّ الحديث عنها اليوم لا تعدو كونها حكومة محاصصة، لن تكون قادرة على تحقيق الإصلاحات لجلب المساعدات التي وحدها تستطيع فرملة الانهيار المالي.
بعدما كان اللبنانيون ينتظرون ان تتحرك عجلة التأليف الحكومي بعد عودة الرئيس المكلّف سعد الحريري من عطلة الاعياد، اذ بهم يُفاجأون بدعوة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري الى “إجتماع مصالحة شخصية” بينهما، لا ينهيانه الّا بإعلان حكومة، فيما لم تشهد نهاية الاسبوع اي حراك يتصل بالحكومة.
وأكّدت مصادر قريبة من بعبدا لـ “الجمهورية”: “أنّ لا شيء جديداً بما يتصل بالملف الحكومي من اي جهة كانت، وانّ دوائر القصر الجمهوري ما زالت تنتظر ما سيُقدم عليه الرئيس المكلّف بعد جولات السفر وعودته الى بيروت” نافية “ان يكون قد تمّ اي اتصال بين “بيت الوسط” وبعبدا”.
ترقّب تحركات الايام المقبلة
وعلى جبهة الوساطات، كشفت مصادر مطلعة عن استمرار البطريرك الراعي في مبادرته، التي اعطاها في عظة امس الأحد، دفعاً جديداً، من خلال دعوته عون والحريري الى التصالح وتأليف الحكومة. فيما توقفت المراجع السياسية امام مضمون كلمة الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله مساء الجمعة الماضي، حيث تحدث عن ضرورة تشكيل حكومة قبل دخول الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن الى البيت الابيض في 20 من الجاري، وهي ترصد حركة وسطائه في الساعات المقبلة. وقالت هذه المصادر لـ “الجمهورية”: “انّ الرهان مرتفع على حراك “حزب الله”، وهو يتصل بحراك المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي اطلع الاسبوع الماضي على ما يريده الراعي وما يهدف اليه، بنحو يتجاوز سلسلة الشائعات التي تستهدف الحراك البطريركي وتعطيه ابعاداً مذهبية وطائفية لا علاقة لها بجوهر مبادرته وغاياته”.
كورونا والإقفال
وفي هذه الأجواء، وتداركاً لما هو متوقع من تطورات سلبية على المستوى الصحي واجتياح وباء كورونا معظم المناطق والبيوت، دعا رئيس الجمهورية المجلس الاعلى للدفاع الى اجتماع استثنائي الثالثة بعد ظهر اليوم، للبحث في الوضع الصحي وواقع القطاع الاستشفائي في البلاد، والبحث في توصية بإقفال تام للبلد اسبوعاً.
تقويم خطير
وقالت مصادر واسعة الإطلاع لـ “الجمهورية”، انّ الاتصالات تواصلت خلال اليومين الماضيين على اكثر من مستوى، بين القصر الجمهوري والمراجع المعنية، وعلى مستوى قادة القوى العسكرية والأمنية، التي قومت الوضع بنحو خطير في ظلّ الانتشار الكثيف لوباء كورونا ضمن العائلات اللبنانية والمناطق، حتى المقفلة بعضها على بعض، وهو ما يهدّد بمزيد من تفشي الوباء.
ولفتت المصادر، الى انّ ما بلغته التطورات مردّه الى الإنقسامات الحكومية على مستوى الوزراء المختصين بالملف واعضاء اللجنة الطبية، الذين اختلفوا على حجم الاقفال قبل عيدي الميلاد ورأس السنة، ولم يتمكن رئيس الحكومة من حسم الجدل في ظل غياب الحكمة التي تغلّب عليها منطق “القبضايات” و”المنظّرين” في الحكومة واللجنة الطبية، الذين لا يمتلكون مقومات الصمود في مواجهة الجائحة، ولم يتعظوا من مخاطر التجارب المماثلة التي عاشتها الدول الكبرى القادرة على مواجهة تبعات الجائحة مادياً وطبياً.
وفي المعلومات التي تسرّبت من اجتماع لجنة كورونا التي التأمت بالوسائط الالكترونية في ظل فقدان اي معلومات رسمية، انّها تتجه الى اصدار توصيات صارمة في اكثر من مجال، من ضمنها منع التجول واقفال المطار لمدة 7 أيام، مع حظر للتجول 24/24، على أن يتمّ إعطاء الناس 48 إلى 72 ساعة للتموّن. وأن يُستثنى الجيش والصليب الأحمر والأطباء. وسيتمّ رفع هذه التوصيات الى المجلس الأعلى للدفاع في اجتماعه اليوم.
تحذير وتنبيه
وقال احد اعضاء اللجنة الطبية المكلّف ملف الكورونا لـ “الجمهورية”: “وجدت نفسي في احد الإجتماعات مجتمعاً مع مندوب عن المطاعم وشركات “الكيتيرنغ” وصديق للفنانين وآخر مندوب عن الباصات وشركات النقل الجماعي وقطاع تجار الألبسة والخرضوات وكاراجات الميكانيك وشركات الانترنت”. ولفت الى “انّ اي إجراء جديد بتقليص الإستثناءات الى درجة لا يُسمح فيها باستمرار فتح السوبرماركت ومحلات تجارة المواد الغذائية والملاحم، دعوة الى تجديد سيناريو الاصابات بعد 14 يوماً من تاريخ هذا الإجراء، الذي سيزيد من عدد الإصابات بما يساوي ما نتج من ليلتي الميلاد ورأس السنة”. وقال: “انّ الجرائم التي ارتُكبت ليلتي الميلاد ورأس السنة دفعنا ثمنها على دفعتين، الاولى ما بين 6 و8 من الشهر الجاري نتيجة الفلتان في الحراك واللقاءات ليلة عيد الميلاد، والثانية متوقعة ما بين 14 و16 الجاري، نتيجة المخالفات التي ارتُكبت في سهرات رأس السنة العائلية والعامة على حد سواء”.
إستثناء الاعلاميين بين اخذ وردّ
وفي ظلّ هذه المعمعة، تحدث مستشار رئيس الجمهورية الدكتور وليد خوري عن “أنّ الصحافة قد لا تُستثنى من قرار الإقفال التام، وبعد إقفال البلد لأسبوع قد نعيد زيادة الاستثناءات تدريجياً”. ولاقى هذا الموقف ردود فعل سلبية دفعت بوزيرة الاعلام الى التدخّل لدى وزير الداخلية لمنع هذا الإجراء. وقالت مصادر مطلعة، انّ القرار النهائي سيصدر اليوم عن المجلس الاعلى للدفاع، وانّ الحديث عن وقف حراك الاعلاميين لن يمرّ، على ما اوضحت مصادر قريبة في بعبدا. فيما برزت دعوات الى الإعلام لمقاطعة المسؤولين في ظلّ هذه الإجراءات، ان اتُخذت بالطريقة التي يهول بها البعض. فالاعلاميون هم في الصف الامامي في مواجهة “كورونا”، وانّ حجم الاصابات في صفوفهم خير دليل الى ذلك.
وكان عداد كورونا سجّل أمس 3743 إصابة جديدة و16 حالة وفاة، وفق التقرير اليومي لوزارة الصحة العامة.
اجتماع للقاحات
والى الاهتمام بملف الاصابات، تتجّه الانظار الى إجتماع لجنة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا في السرايا الحكومية الاولى بعد ظهر غد الأربعاء، للبحث في خطة تسلّم لقاح covid19 وتوزيعه واستخدامه، والمزمع وصوله إلى لبنان مطلع شباط المقبل، في حال أنجزت الحكومة التدابير اللازمة مع شركة “فايزر”، وتوافرت الاعتمادات المالية اللازمة.