كثرت الاجتهادات وتعدد الرؤى حول أسباب الأزمة الراهنة في المنطقة، ومن الذي يدفع نحو تأجيج الإختلافات وإذكاء النيران وتهيئة البيئة المناسبة للقوات الإستعمارية وتعزيز دورها التدميري والتقسيمي في الكارثة الراهنة.
حصاد الأزمة حتى الان، أسفر عن خسائر بشرية ومادية باهظة منها ما هو منظور وآخر يتعلق بالبنية التحتية وأبعادها ذات تأثير سلبي على النمو والتنمية الاقتصادية في الجمهورية العربية السورية، بالإضافة الى الخسائر الاجتماعية التي لا تقل أهمية عن الخسائر الإقتصادية.
يحاول أعداء سوريا وبكل الأساليب، تدمير النموذج الذي تمثله سوريا العربية وهي دولة مقاومة وممانعة لها أرضية ثابتة وصلبة أصبحت أمثولة راسخة في وجدان كل عربي غيور على مستقبل أمته ودورها في رفع شأن الامة وتعزيز تحررها وصون كرامتها واستقلالها.
لم تعد الاساليب الإستعمارية السابقة السارية المفعول التي تلت الحرب العالمية الاولى او تلك التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وأصبحت اليوم بحاجة ماسة الى آليات جديدة تناسب روح العصر، وبين الاولى والثانية كانت هناك عملية تقاسم ومناطق نفوذ، قسمت بريطانيا وفرنسا ما يسمى الشرق الأوسط في ما بينهما، وتم زرع الكيان الصهيوني في جسد الأمة كغدة سرطانية أصابته بالوهن والهوان وسمحت لفئة من الحكام أن يبالغوا في خدمة أسيادهم، باعوا ضمائرهم ونفط أمتهم بأرخص الأثمان، ولم تعد الأساليب القديمة مجدية، لأن سوريا التي هي جزء من منظومة المقاومة في أمتنا، استطاعت أن تبني قدراتها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالاعتماد على إمكانياتها الذاتية وبدعم من دول تشاطرها الرؤى ذاتها إن على مستوى المنطقة أو في المعادلة الدولية الأشمل.
وسوريا استطاعت على مدى عقود من الزمن، أن تبني استراتيجية واضحة معادية لكل أشكال الظلم والاستعمار والهيمنة وهدفها تحرير الأرض العربية وصون كرامة الإنسان لأنه الأصل في أي تطور أو عملية نهوض شامل، وكان التركيز على بناء الإنسان.
اليوم تتكالب كل القوى الطامعة والمتأمركة والمتصهينة لضرب الإنسان العربي في هويته وفي حاضره ومستقبله، وتمّ اختيار سوريا العربية لأنها تعني الكثير في وجدان كل عربي غيور على أمته ومستقبلها، واليوم يتم استهداف هذا النموذج لأن تعميمه بنظر الأعداء سيشكل خطراً على مصالحهم وأدوات نهبهم في المنطقة، ولأن سوريا التي استطاعت عام 2006 أن تكون عمقاً وسنداً للمقاومة الإسلامية والوطنية في لبنان في مواجهة العدوان الصهيوني استطاعت كسر هيبة وغرور العدو رغم همجية العدوان ووسائل القتل والتدمير الأميركية التي يملكها ودفعها الى المواجهة، منذ هذا التاريخ الذي شكل فاصلة هامة في تاريخ أمتنا المعاصر، انكشف العملاء والأعوان والمستعربين على حقيقتهم وهالهم موقف سوريا العروبة والمقاومة والممانعة وبدأ العمل مبكراً على وضع الخطط والمشاريع الهادفة الى تفكيك هذا النموذج العظيم، لأنه امتلك براءة الكرامة وأصبح مثالاً لكل شريف وغيور على مصالح أمته وتطلعاتها المشروعة في التحرر والاستقلال الحقيقي وبناء قدراتها كافة.
المشروع المعادي اليوم وصل الى نقطة انعطاف هامة، وتمثل فشل هذا المشروع في تحقيق أهدافه كما رسمها، وبدأ في البحث عن مخرج للخروج من هذه الجولة لعله بذلك كما يعتقد، أن يخرج ببعض المكاسب ويتجنب الخسائر المتوقعة، ولأن تطور الأحداث لم يعد يخدم مصلحة الطرف الذي ساهم في المخطط منذ بدايته وحتى لحظته الراهنة، وبدأ يتذرع بخروج الهدف عن مساره وبأن الطرف المستفيد سيكون ما يسمى “جبهة النصرة” التي ارتبطت بإيدولوجية معينة وانصاعت الى القتال الأعمى والتي هي في حقيقة الأمر، ليست إلا امتداداً لـ “تنظيم القاعدة” وتميّز فعلها بالتدمير والذبح والهجمات الانتحارية المدمرة في أرجاء البلاد، هذا التبرير لم يعد محظوظاً، واللعبة أصبحت مشكوفة تماماً، والفوضى التي جلبها المشروع المعادي بقيادة أميركا وأعوانها في المنطقة لم تأتِ بالنتائج المتوخاة منها، هذا بالإضافة الى الصمود الكبير الذي تمثل ببسالة الجيش العربي السوري في المواجهة الدائرة والنجاحات التي حققها في الميدان، بدأت تعكس ذاتها في المشهد الحقيقي العام بعيداً عن أجهزة الإعلام المضللة التي حاولت تشويه الحقائق.
لا شك في أن العدوان فشل في تحقيق أهدافه، الدور التقليدي لسوريا في المنطقة مازال يتعزز وهي تخوض قتالها المشرف دفاعاً عن قضية نظيفة على كافة المستويات الوطنية وعلى مستوى الأمة، وسوريا العربية ثابتة على أهدافها وهي لم تتنازل عن ثوابتها، فلسطين القضية المركزية لأمتنا، وسوريا العربية هي الدولة التي وقفت بكل قوة واقتدار ووضعت حداً للمشروع الصهيوني من خلال مقاومتها وممانعتها وعدم تنازلها عن أي شبر من الأرض العربية المحتلة، خيارها واضح ولم يتغير، وهي تتجه نحو تحقيق النصر النهائي وقبر المشاريع المعادية.
محمود صالح