لا يفوت الكيان الإسرائيلي فرصة لقضم ونهب المزيد من الحقوق العربية، برعاية وتغطية ومساندة أميركية، وفي بعض الأحيان “عربية”.
ترسيم الحدود البرية والبحرية مع لبنان، فرصة للكيان للسطو على حقوق اللّبنانيين عبر قضم ما أمكنه من المساحات البحرية التي تضمن له كميات وافرة من النفط والغاز.
مؤخراً، تم التوصل إلى “إطار تفاوضي” بعد فترة طويلة من الأخذ والرد عبر “الوسيط” الأميركي. انطلقت مفاوضات ترسيم الحدود البحرية غير المباشرة. الكيان الذي دخلها مستندًا إلى أزمة لبنان الاقتصادية والمالية، والحصار والعقوبات الأميركيين، مَنَّ النفس بتنازلات يقدّمها من هو محتاج لمن يدّعي الوفرة، من خلال حصر التفاوض بمساحة محدّدة (860 كلم2) يقاسم من خلالها لبنان في حقوقه على قاعدة: ما لكم لنا ولكم، وما لنا هو لنا.
في مجريات الجلسة التفاوضية الأخيرة، طرح لبنان خرائط موثّقة لدى الأمم المتحدة، توضح حق لبنان في 2290 كلم2، أي مساحة أبعد مما يريد العدو حصر التفاوض فيها، وهي خرائط توضح حق لبنان في حقول غاز تنقب فيها “إسرائيل”.
طرحُ لبنان، دفع الوسيط الأميركي، الذي يصفه قسم كبير من اللّبنانيين بأنّه “غير نزيه”، إلى إيفاد سفيرة واشنطن لدى بيروت “دوروثي شيا” على عجل إلى قصر بعبدا، لممارسة ضغوطات على رئيس الجمهورية ميشال عون من أجل تليين الموقف لمصلحة “إسرائيل”.
في الجهة المقابلة، كان موقف الإسرائيليين واضحًا، تصريحات تنمّ عن غضب، وتسريبات عن إمكانية انفراط عقد المفاوضات أو طول أمدها، والسبب، حسب التوصيف الإسرائيلي، تصلّب لبنان بمواقفه.
لا يحتاج تبيان موقف رئيس الجمهورية من ضغوطات “شيا” إلى سؤال، فتصريح الرئيس عون، لدى استقباله قائد قوات اليونيفيل في الجنوب يؤكد رفض الضغوط والتمسّك بالخرائط التي وضعها الوفد اللّبناني على الطاولة، فقد قال: “إنّ ترسيم الحدود البحرية يتمّ على أساس الخط الذي ينطلق برًّا من رأس الناقورة استنادًا إلى المبدأ العام المعروف بالخط الوسطي من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية الفلسطيينية المحتلة”.
تصلب عون في موقفه، دفع “إسرائيل” إلى التعبير عن غضبها عبر وزير طاقتها “يوفال شتاينتس” الذي قال: “إنّ لبنان غيَّر مواقفه بشأن الحدود سبع مرات”، معربًا عن “عدم تفاؤله بالمفاوضات الجارية” بسبب ما قال إنه “مطالب لبنان القاسية”. لم يتأخر ردّ لبنان عبر رئاسة الجمهورية التي نفت المزاعم الإسرائيلية فيما يتعلّق بتبديل الموقف.
وفي خطاب ذكرى الاستقلال، رسم العماد عون خارطة المسار اللّبناني في المفاوضات غير المباشرة. فالرئيس الذي يتعرّض لضغوط أميركية واضحة، قال إنّ لبنان متمسك بالحدود السيادية كاملة، وتصحيح الخط الأزرق وصولًا إلى الحدود البرية المرسومة والمعترف بها دوليًا، واعدًا في كلمة وجهها للعسكريين، “بعدم التنازل عن أيّ حق للبنان وعدم التوقيع على أيّ مشروع لا يصب في مصلحته”.
الخارطة التي رسمها رئيس الجمهورية لم ترق للإسرائيليين، فأطلّ وزير طاقتهم من جديد، عبر موقع تويتر، ليقول إنه أوعز لوفد كيانه التمسّك بالخط البحري الذي أودعته “إسرائيل” في الأمم المتحدة.
الأخذ والرد الأخيران بين الكيان ولبنان، والضغوط التي تمارسها واشنطن، والتهديد بعقوبات، وعرقلة تشكيل الحكومة، وتسريبات عن مساعدات مشروطة، كلّ ذلك يؤكد على التالي:
– رئيس الجمهورية رغم الضغوط والعقوبات الأميركية، متمسك بالحقوق كاملة وبيده أكثر من ورقة للمناورة.
– الكيان الإسرائيلي بَيَّن سعيه إلى الوصول لاتفاق سريع على حساب الحقوق اللبنانية وهو بحاجة إلى حلّ “النزاع الحدودي” خلال مدّة قصير لبدء التنقيب وتنفيذ مشاريع بالشراكة مع دول أوروبية.
في النتيجة، دخلت المفاوضات غير المباشرة مرحلة أكثر تعقيدًا، ليس بسبب تصلّب الموقف اللّبناني وما قال الإسرائيليون إنّها مطالب قاسية؛ بل بسبب محاولة الإسرائيليين أنفسهم ومعهم الأميركيون حصر التفاوض بمساحة ومدد تؤمن مصلحتهم فقط.
وبالتالي، فإن المتوقع أن تواصل واشنطن ممارسة ضغوطاتها عبر تأزيم الأزمة السياسية في لبنان من خلال مواصلة عرقلة تشكيل الحكومة، وربما، فرض مزيد من العقوبات تطال شخصيات وكيانات لبنانية، بهدف تحسين الشروط لمصلحة الكيان الإسرائيلي.
لكن نتائج أي ضغوطات وعقوبات لن تجابه بأقل من التصلّب اللّبناني في الموقف الذي تبع موجة ضغوطات “شيا” المرفقة بعقوبات طالت على مرحلتين الوزراء: يوسف فينيانوس وعلي حسن خليل وجبران باسيل.
المصدر: موقع أحوال ميديا – خليل نصرالله
**