كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: إنْ قُدِّر للاستشارات النيابية الملزمة أن تفلت من قرار رئاسيّ بتأجيلها، وتُجرى في موعدها المحدّد بعد غد الخميس، يمكن القول حينها انّ لبنان بدأ ينحو فعلاً نحو التقاط الفرصة الانقاذية التي توفّرها المبادرة الفرنسيّة.
وممّا لا شك فيه أنّ تكليف رئيس الحكومة الجديدة المتوقع في نهايتها، يُعدّ خطوة مهمّة على هذا الطريق، إلّا أنّ العبرة الأساس تبقى في الخطوة التالية المتمثّلة بالتأليف السريع لـ “حكومة المبادرة”، الذي سيُخضع الأطراف المعنيّة بتأليف الحكومة الى اختبار جديّتهم حيال المبادرة الفرنسية، وصدق التزاماتهم ببرنامجها الاصلاحي، وبتسهيل تشكيل ما وصفها الراعي الفرنسي للمبادرة بحكومة المهمّة الانقاذية للبنان.
تعطيل متعَمّد
إستشارات الخميس محطة ينتظرها اللبنانيّون، لعلّها تضع حداً للمزاجيات السياسية التي تتلاعب بهذا الاستحقاق وتُرَنِّحه تارة في افتعالات تعطيلية، وتارة ثانية في شروط ومزاجيات كيدية، وتارة ثالثة في اجتهادات دستورية وأنواع جديدة من “الميثاقية”. فيما عين المجتمع الدولي محدقّة عليها، ومَلّ انتظار الصحوة اللبنانية، من الكوابيس السياسية التي يصنعها المتحكّمون بزمام الامور، وعينه ترصد اللحظة التي سيقترب فيها المعنيون بالاستحقاق الحكومي من فرصة الانقاذ التي أتاحتها المبادرة الفرنسيّة.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر”الجمهورية” بأنّ حركة دبلوماسية غربية ناشطة على أكثر من خط سياسي منذ تأجيل الإستشارات للدفع في اتجاه إجرائها في موعدها الخميس المقبل، وثمّة أسئلة كثيرة طُرِحت حول الأسباب التي دفعت رئيس الجمهوريّة الى تأجيلها؟
وتشير المعلومات، نقلاً عن سفير دولة عربية، إلى “أنّ مداولات جرت بين عدد من الديبلوماسيّين المعنيين بالمبادرة الفرنسية وآخرين من دول غربية وعربية صديقة، خَلُصت الى تقييم سلبي لمحاولات التعطيل “المتعمّدة” للمبادرة الفرنسية، وخصوصاً لناحية وضع العثرات امام تكليف رئيس الحكومة الجديدة، مع إبداء الخشية من دخول الوضع في لبنان في منحى متأزّم أكثر في ظل ما يُحكى عن توجّه بعض الجهات السياسية في لبنان لوضع صعوبات وتعقيدات في طريق تأليف الحكومة”.
حكومة قبل المؤتمر!
وبحسب معلومات “الجمهوريّة” فإنّ باريس تواظب في هذه المرحلة على إرسال إشارات متتالية من أكثر من مستوى داخل الإدارة الفرنسية، تؤكد على اللبنانيين عدم تضييع الوقت، وإجراء استشارات تكليف رئيس الحكومة من دون أي إبطاء، لِيَلي ذلك تشكيل الحكومة سريعاً.
ووفقاً لتلك الإشارات، كما تقول مصادر المعلومات، فإنّ باريس المصدومة من أداء بعض القادة في لبنان وخروجهم على التزاماتهم التي قطعوها للرئيس ايمانويل ماكرون، مازالت تُبدي الحذر من أي خطوة تعطيلية لهذا الاستحقاق. مع تأكيدها المتجدّد بأنّ لديها جهوزية تامة لأن تكون حاضرة بفعالية بعد إتمام تكليف رئيس الحكومة، للقيام بدور مساعد في إنجاز تأليف الحكومة في لبنان، بناء على مندرجات المبادرة الفرنسية، وضمن فترة تسبق المؤتمر الدولي لمساعدة لبنان الذي ستنظّمه باريس خلال شهر تشرين الثاني المقبل. ذلك أنّ انعقاد المؤتمر في ظل حكومة مكتملة في لبنان، من شأنه أن يفتح باب المساعدة التي يريدها، اضافة الى انه يفتح الباب ايضاً على تسريع الخطوات الفرنسية التالية على المستوى الدولي لحشد الدعم للبنان ومساعدته على تجاوز أزمته.
تكليف… لا تكليف؟
على أنّ المشهد الحكومي لا يؤشّر الى أنه بلغَ مرحلة الحسم النهائي بعد، فحتى الآن ليس في الإمكان القول إنّ التكليف قد أفلتَ من حقل الألغام المزروعة في طريق إتمامه يوم الخميس، ذلك أنّ الغيوم الداكنة مازالت تطوّق الاستشارات النيابية الملزمة، وهي مُحاطة باحتمالات سلبيّة عَزّزها الصمت الرئاسي حيال تلك الاحتمالات، وعدم تأكيد أو تثبيت رسمي وعلني لموعد الخميس، يُبدّد الغموض حوله، ما أبقى مصير الاستشارات تحت رحمة تأجيل جديد.
تطمينات.. ولا تأكيدات
والسؤال الطافي على سطح المشهد السياسي عشية الاستشارات: هل سيشكل يوم غد الاربعاء صورة مُستنسخة عن الأربعاء الماضي، فيُبادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى إصدار بيان يعلن فيه تأجيل الإستشارات من يوم غد الخميس، الى الخميس من الأسبوع المقبل؟
لا جواب حاسماً حتى الآن، ما خَلا تمنيات تصدر من هذا الطرف السياسي او ذاك بإتمام الاستشارات في موعدها، تُزامِن “التطمينات الاعلامية” التي تنسب الى القصر الجمهوري بأنّ الاستشارات مازالت في موعدها، ولن يطرأ تعديل عليها.
إلّا انّ غياب التأكيدات الرسمية لهذه التطمينات، أبقَى “النَقزة” قائمة لدى مختلف الأطراف السياسية من أن يتسلّل من خلف هذه التطمينات غير المؤكدة تأجيل رئاسي ثانٍ للاستشارات بذات الطريقة وبذات التوقيت الليلي الذي تَسلّل فيهما التأجيل السابق، خصوصاً انّه لم يتبدّل شيء منذ التأجيل الأول، كما لم يظهر الى العلن ما يؤكّد أنّ ما تَوخّاه رئيس الجمهورية من التأجيل السابق قد تحقق.
الفجوة تعمّقت
فالمصاعب التي أشار إليها البيان الرئاسي، ومن دون ان يحددها او يوضح ماهيتها، وقال إنّها تستوجب أن تحلّ، ظلّت غامضة، ولم يسجّل حصول أي تحرّك او مبادرة لحلّها. لا من رئاسة الجمهورية، ولا من أي طرف سياسي آخر. واذا كان المقصود في تلك المصاعب، الفجوة العميقة بين الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل، فإنّها صارت أكثر تعقيداً ممّا كانت عليه قبل صدور بيان التأجيل مساء الأربعاء الماضي.
فالحريري، الذي أدركَ انّ القرار هو رسالة رئاسية سلبيّة مباشرة له شخصياً، قرّر في ما يبدو أن يعتمد تكتيكاً جديداً حيالها، ترجَمَه بالانكفاء وعدم ارتقاء منبر السجال، مُسنِداً الى أوساطه مهمّة الردّ غير المباشر على تلك الرسالة، والتأكيد بأنّ التأجيل مهما طال لن يؤثر عليه أو يَحمله على التراجع ويقطع ترشيحه لرئاسة ما سَمّاها حكومة المبادرة الفرنسيّة.
أمّا باسيل، فقطع الطريق على أيّ إمكانية لحلّ بينه وبين الحريري، مرّتين منذ صدور قرار التأجيل الرئاسي: الاولى، عبر تعليقه الفوري على القرار بقوله إنّه مع احترامه لهذا القرار فإنّ تأجيل الإستشارات لن يبدّل موقفه. والمرة الثانية، عبر بيان المجلس السياسي لـ”التيار الوطني الحر” السبت الماضي، بِحَسم عدم تسمية الحريري لرئاسة الحكومة.
إتصالات فارغة
وبحسب مصادر مدركة لحجم فجوة الخلاف بين الحريري وباسيل، فإنّ ما يُحكى عن حركة اتصالات او مَساع لتضييق هذه الفجوة ما هي إلّا اتصالات شكلية ومَساعٍ فارغة لن تقدّم سوى التعب لِمَن يقوم بها، خصوصاً أنّ الحريري وباسيل رسما بتَصَلّبهما المتبادل خط اللّاعودة عن رفضهما لبعضهما البعض. ومن هنا فإنّ الاتصالات التي تجري تَصبّ في اتجاه هدف وحيد هو عدم تأجيل استشارات الخميس، ومحاولة إقناع رئيس الجمهورية مُسبقاً بالعدول عن التأجيل إن كان في هذا الوارد.
فالتأجيل الثاني إذا حصل، كما تقول المصادر نفسها، قد تَترتّب عليه مضاعفات سلبية تُرخي بظلالها على المشهد الداخلي برمّته.
المُخرِج.. هاوٍ
ويؤكّد ذلك ايضاً مرجع سياسي لـ”الجمهورية”، بقوله: انّ تأجيل الاستشارات، إذا حصل، سيكون فاقعاً جداً هذه المرّة، ولن يستطيع رئيس الجمهورية أن يبرّره على الاطلاق. ومن هنا، انا أستبعِد أن يلجأ رئيس الجمهورية الى تأجيل الاستشارات، خصوصاً أن لا سبب موجِباً له، مِثله مثل قرار التأجيل السابق، الذي لم يكن مسلّحاً بما يبرّره او بسببٍ موجِبٍ يمتلك قدرة الإقناع”.
ويضيف المرجع مُتنَدّراً: “لقد كان التأجيل زلّة قدم غير محسوبة وغير مدروسة، والحق كلّه على “المُخرِج” الذي اعتُمِد لهذه “المهمة الجليلة”، فيبدو أنّه “مُخرِج هاوٍ” وجديد في هذا “الكَار”، فكانت النتيجة أنّه “بَدلَ أن يكحّلها عَمَاها”. أعتقد انّه كان عليهم أن يستعينوا بمُخرِج شاطر، يحتكم على شيء من الحنكة والدهاء، فيعرف كيف يُدخل قرار التأجيل في أذهان كلّ مَن في القصر، ويُقنعهم به أوّلاً، ومن ثم يقنع به من هم خارج القصر ثانياً، ويوفِّر بالتالي على مَن في القصر الإحراج، وسَيل التوضيحات والتفسيرات التي توالَت من الموقع الرئاسي الأول، لتبريره، وسَيل الانتقادات التي واجَهته، سواء من السياسيين أو من المراجع الدينيّة المسيحية تحديداً. وهنا، يجب أن نتمعّن مَليّاً بموقفَي البطريرك بشارة بطرس الراعي والمطران الياس عودة”!
ترحيل الاشتباك!
الى ذلك، ووسط الحديث المتنامي عن محاولة نقل الاشتباك من حلبة التكليف، الذي باتَ محسوماً أن الرئيس سعد الحريري سيتم تكليفه في استشارات الخميس إذا جرت في موعدها، الى حلبة التأليف، فإنّ المناخ السياسي يوحي باستعدادات من الآن لهذا الاشتباك، بدأت تُنذِر بأنّ معركة التأليف بين رئيس الجمهورية وفريقه السياسي وبين الرئيس الحريري ستكون حامية الوطيس ولأمد طويل.
إمعان في العرقلة!
وعلى ما تقول مصادر سياسية لـ “الجمهورية” انه إذا صَحّ ما يقال عن معركة حامية ومعقّدة في مرحلة تأليف الحكومة، فهذا ليس له سوى معنى وحيد وهو أنّ تأخير التأليف لن يُفهَم الّا على أنّه إمعان في العرقلة، ورسالة شديدة السلبية تُرسَل الى المجتمع الدولي الذي ينتظر تشكيل الحكومة للبدء بالاصلاحات التي وضعها شرطاً لتقديم المساعدات للبنان.
وقالت المصادر: “انّ المعرقلين، أيّاً كانوا، لن يكونوا في مواجهة الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة، بل إنهم سيكونون في مواجهة المجتمع الدولي”.
وفي هذا الاطار، لفتت المصادر الى “انّ الاجواء الدولية تَشي بارتياح لإعادة تكليف الحريري تشكيل الحكومة. والفرنسيون، كما هو معلوم، يقدمون مبادرتهم كفرصة إنقاذية لبنانية، ويعتبرون في الوقت نفسه ان الحريري جاد في التزامه وضع برنامجها الاصلاحي موضع التنفيذ. ولقاء مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد شينكر مع الرئيس الحريري عَكسَ موقفاً اميركيا داعماً لتشكيل الحريري الحكومة الانقاذية، وانّ الولايات المتحدة على استعداد لتقديم المساعدة شرط بروز الجدية المطلوبة في الانقاذ وإجراءات الاصلاحات التي ينادي بها الشعب اللبناني”.
وخَلصت المصادر الى القول: “بعد تكليف رئيس الحكومة يجب ان تتشكّل حكومة في أسرع وقت، فخطوطها العريضة موجودة، وجرى التأسيس لها في التكليف السابق، ما يعني انّ ثلاثة أرباع العُقَد محلولة. وبالتالي، إنّ القَول بِنقل المعركة من التكليف الى التأليف هو قول مستغرب ولا يُطمئِن، خصوصاً انه يُبقي لبنان في الدوامة، ويصبّ المزيد من الزيت على نار الأزمة التي تزيد اشتعالاً كل يوم”.
عين التينة
الى ذلك، تعكس اجواء عين التينة ترقباً ايجابياً لاستشارات الخميس، وتأمل ان يُصار الى تكليف سَلِس، يبدأ بعده الانطلاق نحو تأليف سريع للحكومة.
وبحسب هذه الاجواء فإنّ الرئيس بري، الذي عارضَ التأجيل ولو ليوم واحد، هو مع التعجيل الى أقصى الحدود في تأليف الحكومة اليوم قبل الغد. فالوضع لم يعد خافياً على أحد، وباتَ يوجِب أن نستفيد من كل الوقت المُتاح أمامنا وندخل في مدار العمل الحكومي المنقِذ للبلد، ذلك أنّ أمام الحكومة شغلاً كبيراً لتُنجزه، والجميع مطالبون بِرَفدها بما يساعدها على إتمام مهمتها بالشكل الذي يخدم البلد ويساهم في وضعه على سكة النهوض”.
بيت الوسط
في المقابل، اكدت مصادر قريبة من “بيت الوسط” لـ “الجمهورية” أنّها تترقّب ما ستؤول اليه استشارات الخميس.
واذا كان التكليف بات يشكّل أولوية في “بيت الوسط”، الّا أنّ الاولوية الاساسية هي لتأليف الحكومة، وسبق للرئيس الحريري أن اكد على خريطة طريق يأمل من خلالها تأليف الحكومة من دون أي معوقات في اقرب وقت ممكن، ذلك انّ الاعتبار الاساس الذي ينطلق منه هو وضع البرنامج الاصلاحي للمبادرة الفرنسية موضوع التنفيذ العاجل، وأي تأخير معناه المزيد من تدهور الوضع.