كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: فيما لم يسجّل أمس أي تطوّر على جبهة الاستحقاق الحكومي لجهة الدعوة الى استشارات تكليف جديدة، ردّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الاتهام الموجّه الى الثنائي الشيعي بالتسَبّب بتعطيل تأليف حكومة مصطفى أديب، محمّلاً المسؤولية لـ “رؤساء الحكومات السابقين الأربعة”، مكرراً ترحيبه بالمبادرة الفرنسية، لكنه لامَ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على إتّهاماته، رافضاً “أن يكون الرئيس الفرنسي أو سواه والياً أو وَصيّاً على لبنان”، فيما تنشغل القوى السياسية في تقويم لمرحلة التكليف المنصرمة استعداداً للتكليف الجديد، في ظل تمسّك الجميع بالمبادرة الفرنسية ومهلتها الجديدة للتأليف.
عندما يفشل الوسيط الفرنسي في تشكيل حكومة فهذا يعني أن لا حكومة في الأفق، لأنه عندما لا تتمكن قوة الدفع الفرنسية التي واكبت التأليف خطوة خطوة وليلاً ونهاراً من تجاوز العراقيل والمطبات والأفخاخ وصولاً إلى ولادة الحكومة، فهذا يعني أنّ القوى المحلية غير قادرة منفردة على الاتفاق على طبيعة الحكومة المقبلة.
ومن الواضح استناداً إلى ما أعلنه ماكرون، الذي رَحّل الحلّ الحكومي إلى 6 أسابيع، بأنه يربط التأليف بالاستحقاق الرئاسي الأميركي، فهو لم يعلن ذلك جهاراً، ولكن المدة الجديدة التي التزم بها تؤشّر بوضوح إلى هذا العامل الذي جَمّد كل شيء عملياً على مستوى المنطقة لا لبنان فقط، حيث دخلت كل المنطقة في مرحلة انتظارية إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. هذه المرحلة التي تجد القوى المعنية بأن لا مصلحة لها بالدخول في تسويات مؤقتة طالما أنّ المدة الفاصلة عن هذا الاستحقاق أصبحت قصيرة جداً.
نقاش ولا خرق
ومن المستبعد أن لا تشهد هذه المرحلة أي خرق حكومي باستثناء إبقاء النقاش في هذا الملف مفتوحاً، كما أنّ الدعوة إلى استشارات التكليف مستبعدة في ظل الخلاف المستحكم على طبيعة الحكومة المقبلة، فلا فريق 8 آذار في وارد تكرار تجربة حكومة الرئيس حسان دياب، ولا هو في وارد القبول بحكومة لا يمسك بمفاصلها، فضلاً عن أنّ الحكومات السياسية أو التكنوسياسية مستبعدة كلياً لاعتبارات خارجية أكثر مما هي محلية.
وقد شكلت المبادرة الفرنسية الفرصة الأخيرة قبل أن تدخل المنطقة في “ستاتيكو” الانتخابات الأميركية، ولكنها لم تتمكن من أن تحيِّد لبنان عن النزاع الأميركي – الإيراني، وفيما لو تشكّلت حكومة الرئيس المعتذر مصطفى أديب كان نجح لبنان في أن ينأى بنفسه عن السخونة الإقليمية، إلّا انّ حسابات الحقل لم تنطبق مع حسابات البيدر. وبمعزل عما إذا كان هناك سوء إدارة للمبادرة، أو قرار إقليمي مسبق بتعطيلها، فإنّ النتيجة هي واحدة، وأن الحكومة في لبنان أصبحت على التوقيت الأميركي – الإقليمي لا المحلي.
ولعلّ الأولوية في هذا الوقت الضائع تكمن في تجنيب لبنان الانزلاق نحو الأسوأ، إن بتخفيف التشنجات السياسية، أو بتفعيل حكومة تصريف الأعمال، لأنّ المطلوب اعتماد سياسة صمود لإمرار هذا الوقت الضائع بأقل كلفة ممكنة على المواطنين الذين يئنّون بسبب تدهور الأوضاع المعيشية.
تأييد كلامي
ولن تتوقف القوى السياسية في هذه المرحلة عن إعلان تأييدها الكلامي للمبادرة الفرنسية، ولا عن سعيها لتأليف الحكومة، ولكن كل ذلك سيبقى في إطار الكلام للكلام من أجل تهدئة رَوع المواطنين والأسواق، وبالتالي العبور إلى المرحلة الجديدة. فيما الرئيس ايمانويل ماكرون، الذي أعلن تخلّيه عن المبادرة الحكومية، لم يتخلّ عن المبادرة الإنسانية المتعلقة بمساعدة لبنان واللبنانيين، ما يؤشّر إلى رفض فرنسي واضح لأيّ مشروع يرمي إلى دفع لبنان نحو الحرب والفوضى، كما أنّ أي مشروع من هذا النوع سيؤدي إلى عرقلة الهندسة الجديدة التي يعمل عليها للمنطقة، لأنّ انفجار النزاع في لبنان ستكون له امتدادات خارجية ولا يشكّل مصلحة لأي طرف خارجي، ولكن يبقى على همّة المسؤولين اللبنانيين اعتماد السياسات التي تمنع تدهور الأوضاع أكثر فأكثر.
وفي الوقت الذي ردّت فيه حركة “أمل” نهاراً على اتهامات الرئيس الفرنسي للثنائي الشيعي، جاء رد “حزب الله” على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله ليلاً متمسّكاً بالمبادرة الفرنسية، والملاحظ أنّ أحداً لا يريد أن يقطع الجسور مع باريس التي حرصت بدورها على عدم قطع هذه الجسور بعدم تحميلها طهران أي مسؤولية في إجهاض المبادرة الفرنسية.
نصرالله
وتوجّه السيد حسن نصرالله الى ماكرون، بسؤال: “هل كانت المبادرة الفرنسية تقول أن يقوم الرؤساء السابقون للحكومات بتشكيل الحكومة وتسمية الوزراء؟ مُضيفاً: “إبحث عن الطرف الذي كان يريد أن يسيطر على البلد وإلغاء القوى السياسية بغطاء منكم”. وقال: “نحن منعنا أن يذهب البلد إلى الأسوأ والأسوأ، ونتمنى أن يتعاون اللبنانيون لكي لا يذهب البلد إلى الأسوأ”. وتوجّه الى ماكرون قائلاً: “نحن لم نلتزم أن نسلّم البلد لحكومة كيفما كان، نحن معروفون كيف أننا نلتزم بوعودنا ونَفي بها ونضحّي لكي نلتزم بها، نحن اخترنا الديموقراطية وما تطلبه منّا يتنافى مع الديموقراطية، فإذا لم تكن الديموقراطية هي نتائج الانتخابات التي أفرزت الأكثرية فما هي الديموقراطية؟ هل هي تسليم الرقاب للأقلية؟”، مُتمنيّاً على “الإدارة الفرنسية أن لا تسمع من البعض، وأن تعالج هي بعض المشكلات بنفسها”.
وقال نصرالله لماكرون ايضاً: “إذا اردت أن تبحث عَمّن أفشَل مبادرتك إبحث عن الاميركيين الذين فرضوا عقوبات وعقّدوا الوضع، نحن لا نقبل السلوك الاستعلائي وأن تتهمنا نحن وغيرنا من اللبنانيين أننا ارتكبنا خيانة”. وأضاف: “نحن وافقنا على تسمية مصطفى أديب من دون أي تعقيدات على أساس أنّ هذه الحكومة ستحصل على توافق بين الجميع”.
وشدّد نصرالله على أن “من كان يفاوض حول الحكومة لم يكن اديب بل الرئيس سعد الحريري”، وأوضح أنّ “ما كان معروضاً هو ليس تشكيل حكومة انقاذ، وإنما كان المطلوب من الكتل النيايبة ورئيس المجلس والرئيس عون تسليم البلد إلى نادي الرؤساء الاربعة بلا قيد ولا شرط وإلّا العقوبات آتية”. وقال: “نحن في (حزب الله) وفي (حركة أمل)، ومع حلفائنا، لم نعمل على تعطيل شيء بأمر من إيران”، نافياً ”حصول اتصالات ايرانية – اميركية”. وقال: “يا سيّد ماكرون اذا اردت ان تعرف من عمل على تفشيل تشكيل الحكومة، فعليك التفتيش عن دور اميركا والملك سلمان”.
وأعلن رفضه “تهمة ماكرون لنا بالخيانة، واستخدام هذه اللغة”، وتابع:
”نرفض التشكيك بنا أو اتهامنا بالفساد، ونحن نقبل بتحويل أي مسؤول عندنا اذا كان فاسداً الى القضاء”. ورفض نصرالله “ان يكون الرئيس الفرنسي أو سواه والياً أو وصيّاً على لبنان”. وكرّر ترحيبه بالمبادرة الفرنسية، قائلاً: “ما نزال مستعدين للنقاش مع الفرنسيين، ولكن الطريقة التي حصلت الشهر الماضي لا يمكن القبول في استمرارها”، ولفت الى “أننا ما نزال نرغب في التفاهم مع الجميع”.
جمود
الى ذلك، ساد الهدوء في القصر الجمهوري أمس وغابت النشاطات اليومية، بعدما ألغت دوائر القصر الجمهوري اجتماعاً كان مقرراً بسبب انتشار “كورونا”، بسبب مشاركة عدد كبير من الموظفين والخبراء المعنيين بالملف.
وقالت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” انّ عون واصل متابعة الملفات الصحية والسياسية، ولا سيما منها تلك المتصلة بالتحضير لتحديد موعد الإستشارات النيابية الملزمة وهو موعد مؤجّل على ما يبدو في انتظار انطلاق الاتصالات التي يجب ان تسبق مثل هذه الخطوة في ظل الصدمة التي تركها اعتذار السفير مصطفى اديب السبت الماضي من دون التفاهم على الخطوة التالية.
وعكس هدوء القصر الجمهوري وتريّثه في تحديد موعد الاستشارات غياب اي اتصال او لقاء بين رئيسي الجمهورية ورئيس مجلس النواب إيذاناً بانطلاق المشاورات، التي اعتاد رئيس الجمهورية اجراءها مع رؤساء الكتل النيابية استباقاً لأيّ دعوة وتسهيلاً لتفاهم اللبنانيين مسبقاً على الرئيس المكلف.
وباستثناء اجواء التريث، أكدت دوائر قصر بعبدا، عبر “الجمهورية”، حرص رئيس الجمهورية على تأليف حكومة لا تستفزّ احداً من اللبنانيبن، وهو ما يعني بأنه لا ولن يرحّب بحكومة من لون واحد شبيهة بالحكومة المستقيلة التي يترأسها حسان دياب، لافتة الى ضرورة التوصل الى حكومة تجمع مختلف القوى اللبنانية للتعاون في مجال تطبيق الاصلاحات المطلوبة على اكثر من مستوى مالي ونقدي واداري.
الخطوة الأولى
وفي هذه الاجواء قالت مصادر مطلعة انّ اي طرف لن يقدم على اي خطوة قبل بروز اي اشارة تطلق التحضيرات اللازمة لتحديد موعد الاستشارات، فمختلف الاطراف ينتظرون من يُقدم على الخطوة الاولى على قاعدة انّ “الجميع ينتظر الجميع”.
والى غياب النشاط، بقيت الساحة مفتوحة لردات الفعل على مضمون المؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مساء الاحد الماضي، والذي لم يوفّر احداً من اتهاماته المباشرة القاسية التي وجّهها. وفي الوقت الذي عكست اتهامات ماكرون ارتياحاً لدى الاوساط الشعبية، عبّرت بعض القيادات السياسية والحزبية، التي شملتها، عن رفض متدرّج لمضمونها تحت سقف اعترافها بضرورة ان تبقى المبادرة قائمة.
جلسة متفجرة
وتتّجه الأنظار اليوم الى الجلسة التشريعية التي يعقدها مجلس النواب في “الأونيسكو”، وأبرز بنود جدول أعمالها قانون العفو العام والإثراء غير المشروع.
وتعقيباً، أعلن تكتّل “الجمهورية القوية” مقاطعة الجلسة التشريعية اليوم وغداً، وأوضح النائب زياد الحواط انّ جدول اعمال الجلسة لم يتضمّن الأمور الأهمّ، والتي هي تقصير ولاية مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة.
وفي السياق، أوضح تيار المستقبل، في بيان صدر عن المكتب الإعلامي لرئيسة الكتلة النيابية النائب بهية الحريري، أنّ “الكتلة لن تسير بمسودة قانون العفو بالصيغة التي ورد فيها، كون الصيغة المقدمة لا تحقق مطلبنا ومطلب الأهالي برفع المظلومية والإجحاف الذي لحق بعدد كبير من الموقوفين. وبالتالي، فإنّ الكتلة تصرّ وتتمسّك بأن يلحظ قانون العفو بند تخفيض العقوبات بالصيغة التي تقدمنا بها”.
”حزب الله” يرد
وردّ السيد نصرالله على “إدّعاءات” نتنياهو، وقال خلال كلمة متلفزة: ”نتنياهو يدّعي أن “حزب الله” يخزّن صواريخ في مكان قريب من محطة غاز”، وأضاف: “نحن لا نضع صواريخ لا في مرفأ بيروت، ولا قرب محطة غاز. ونعلم جيداً أين يجب أن نضع صواريخنا”.
ونظّمت العلاقات الإعلامية في “حزب الله” الساعة العاشرة مساء أمس جولةً لوسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة على منطقة الجناح – الأوزاعي، للإطلاع على المنشأة التي ادّعى نتنياهو أنها لتصنيع الصواريخ.
وقال المسؤول الإعلامي في الحزب محمد عفيف من هناك: “نحن لسنا كشّافين لدى العدو ولا نقدّم له معلومات، ونحن نظّمنا هذه الجولة الاعلامية لكي نرد على نتنياهو ونكشف كذبه”. وأضاف: “هذه الجولة تكشف أنّ هذه المنشأة لا صِلة لها بتخزين الأسلحة للمقاومة”. وأكد أنّ “إدعاءات العدو كاذبة، وهذه المنشأة هي منشأة صناعية لشخص لبناني وفيها عمّال ولا يوجد فيها أي صورايخ”.