كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: كل الأجواء المحيطة بحركة تأليف الحكومة، تؤشر الى انّ المبادرة الفرنسية ضاغطة، الى اقصى الحدود، على كل المعنيين بالملف الحكومي، والقاسم المشترك في ما بينهم، هو ولادة حكومة مصطفى اديب، قبل يوم الاثنين المقبل، الذي تنتهي فيه مهلة الاسبوعين التي التزم بها التكليف، لتأليف الحكومة خلالها.
ما خلا لقاء الرئيس المكلّف مع المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، والمعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” الحاج حسين خليل، بناءً على طلبهما، حيث وضعاه بصورة موقفهما الايجابي والمتعاون في تشكيل الحكومة، فإنّ الرئيس المكلّف يقنّن من لقاءاته السياسية الى اضيق الحدود، إذ انّه في عملية انضاج حكومته التي بدأها، يسلك مساراً مختلفاً عن كل مسارات التأليف السابقة، ويعتمد لعبة “الاوراق المستورة”، حتى لا تتكرّر معه المطبّات التي كانت تعيق تأليف الحكومات السابقة، مرتكزاً على اساس وضعه مسبقاً لتقوم عليه حكومته؛ حكومة مصغّرة من 14 وزيراً، بوجوه وزارية جديدة يختارها، وتتمتع بالكفاءة والخبرة والاختصاص، مع مداورة في الوزارات.
بحسب الاجواء المحيطة بحركة التأليف، فإنّ نتيجة الاسبوع الاول من مهلة اسبوعي تأليف حكومة المبادرة الفرنسية، خلصت الى انّ مسودة حكومية قد تكون جاهزة خلال اليومين المقبلين، على ان يحملها الرئيس المكلّف الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي سبق له ان اتفق مع اديب خلال لقائهما في القصر الجمهوري الخميس الماضي، على ان يطلعه على المسودة الحكومية التي سيضعها، قبل أن يلتزم بشيء حولها مع أي طرف.
الصلاحيات
ويبدو جلياً في المنحى الذي يسلكه الرئيس المكلّف، أنّه يتجنّب الدخول علناً في ما كان يسمّى بازار الحصص والحقائب والاسماء، مع القوى السياسية، التي كان التجاذب والخلافات تتسبب في إطالة أمد التأليف لفترات طويلة تمتد على اشهر عدة، بل هو ينطلق في حركة التأليف هذه المرة، استناداً الى ما له من صلاحيات دستورية في عملية التأليف، التي يتشارك فيها حصراً مع رئيس الجمهورية دون غيره في تحديد معايير التشكيل وشكل الحكومة، وبالتالي اصدار مراسيمها، وممارسة هذه الصلاحيات، معززاً بدعم واضح وتشجيع من المرجعيات السنّية السياسية والدينية، التي تدفع بكل قوة الى ممارسة هذه الصلاحيات، ومعززاً أيضاً بزخم المبادرة الفرنسية الضاغطة على كل الاطراف من دون استثناء اي منها.
شكل الحكومة
على انّ المسودة الحكومية، في حال وضعت خلال اليومين المقبلين كما هو مرجح، فإنّ عرضها على رئيس الجمهورية، ليس نهاية المطاف، ولا يعني انّ مراسيم تشكيل الحكومة ستصدر فوراً، ذلك انّ نقطة تباين اساسية تبدو جلية في موقف الرئيسين حيال شكل الحكومة. فرئيس الجمهورية سبق له ان حدّد رغبته بحكومة موسعة من 24 وزيراً، لكل حقيبة اساسية وزير، وذلك لكي يكون للوزير المعني الوقت الكافي للاهتمام بالوزارة وملفاتها، لا ان تُسند للوزير حقيبتان. فيما يفضّل الرئيس المكلّف حكومة مصغّرة من 14 وزيراً. علماً انّ مواكبين لحركة التأليف يستبعدون ان يشكّل شكل الحكومة نقطة خلاف جوهرية، ذلك انّ المخرج لهذه العقدة غير المستعصية، يتأمّن في الوصول الى صيغة وسطية بين الامرين.
ماذا يريد اديب؟
يضاف الى ذلك، انّ التشكيلة المقترحة في مسودة اديب، وقبل بلوغ مرحلة اصدار المراسيم، ينبغي ان تُناقَش بالوزراء المقترحين فيها، والحقائب المسندة اليهم، مع القوى السياسية والبرلمانية التي سمّته لتشكيل الحكومة، التي تعتبر ان ليس من المعقول ان يشكّل حكومته بمعزل عن هذه القوى التي ستمنح حكومته الثقة في مجلس النواب. فضلاً عن انّ الاسماء الوزارية لا تُطرح اساساً من العدم، او تُفرض فرضاً، بل بالتشاور معها حول هذه المسألة الجوهرية، وخصوصاً ما يتصل بالوزراء ومواصفاتهم، وما اذا كانوا مؤهلين فعلاً لهذا الموقع.
واللافت في هذا السياق، انّ غالبية هذه القوى التي سمّت اديب، وبعد مرور اسبوع من مهلة الاسبوعين، ليست على علم او بيّنة مما لدى الرئيس المكلّف، او مما يريده، او الأسس التي سيبني عليها حكومته. فما يرد اليها في هذا المجال، ليس اكثر من روايات وتحليلات وافتراضات سياسية وصحافية، ما خلا بعض قليل جداً، تسنّى له الاطلاع من اديب على اوراقه المستورة، فلاحظ انّ الصيغة الحكومية التي يريدها، هي نفسها الصيغة التي ارادها الرئيس سعد الحريري، وسبق ان نادى بها مراراً بعد استقالته بعد انطلاق انتفاضة 17 تشرين الاول 2019، اي حكومة اختصاصيين بلا سياسيين، تعمل بلا اي معوقات او مطبّات أو محاولات تعطيل. واستنتج المطلعون على الاوراق المستورة، من ذلك، أنّ دوراً ما، مباشراً او غير مباشر، للرئيس الحريري في حركة التأليف التي بدأها الرئيس المكلّف.
وتبعاً ذلك، تشير المعلومات الى انّ القوى السياسية التي سمّت اديب، تنتظر ما سيطرحه عليها، وخصوصاً انّ اللقاء بينه وبين الخليلين قبل نهاية الاسبوع الماضي كان عمومياً ولم يدخل في التفاصيل، ومن هنا تمّ التوافق بينهما معه على استمرار التواصل، فيما لم يحصل اي تواصل مباشر بين اديب وبين سائر القوى، وعلى وجه التحديد وليد جنبلاط، الذي يبدو انّه قد حسم موقفه نهائياً بعدم المشاركة في الحكومة، وكذلك “التيار الوطني الحر”، اذ لا اديب طلب اللقاء مع رئيسه النائب جبران باسيل، ولا باسيل طلب اللقاء من جهته، علما انّ مصادر التيار كشفت لـ”الجمهورية”، بأنّه إن لم يطلب الرئيس المكلّف اللقاء للتشاور، فإنّ باسيل من جهته ليس في وارد ان يبادر الى طلب لقاء مع اديب.
نوع الحكومة
حتى الآن، يمكن الجزم بأنّ نوع الحكومة لم يُحسم بعد، إذ ما زالت تركيبتها متأرجحة بين رغبة رئيس الحكومة المكلّف وقناعته بحكومة اختصاصيين وفريق عمل متجانس، وبين رغبة اطراف سياسية بحكومة تكنوسياسية اكثريتها من الاختصاصيين واصحاب الخبرة والكفاءة، مع اقلية محدودة جداً من السياسيين، وهذا ما يُطالب به رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر.
الّا انّ كفة الاختيار بين هذين الامرين، وكما تقول مصادر معنية بالملف الحكومي لـ”الجمهورية”، قد تميل الى التسليم بحكومة اختصاصيين متفاهم عليها بين الجميع.
وقالت المصادر: “انّ التزام الاطراف جميعهم بالمبادرة الفرنسية وانجاحها، والتعجيل في تشكيلها، يضاف اليه الضغط الخارجي الكبير، وتحديداً من قِبل الفرنسيين للتعجيل بالحكومة، يُضعف اي احتمال لأي اشتباك حول شكل الحكومة، او اي اصرار على اشراك سياسيين فيها. وبما انّ التوجّه العام لدى مختلف القوى السياسية هو تجنّب الدخول في عملية شدّ الحبال، كما كان يحصل من قبل حول الحكومة بشكلها وتركيبتها واسماء وزرائها وتوزيعة حقائبها، فعلى قاعدة التسهيل، من غير المستبعد التسليم بالذهاب بسلاسة الى حكومة اختصاصيين بالكامل، مؤيّدة بغطاء سياسي من خارجها، ممتد على كل القوى التي سمّت اديب لرئاسة الحكومة.
وتخالف المصادر ما يُقال عن انّه في الذهاب الى حكومة اختصاصيين، كسراً لأي طرف، او انّ هذه الحكومة هي حكومة تكنوقراط تشبه بشكل او بآخر حكومة حسان دياب بتركيبتها. ذلك انّ جملة وقائع تثبت عكس ذلك:
اولاً، انّ حكومة الاختصاصيين، إن تمّ التوافق على الذهاب اليها، لن تكون شبيهة بحكومة حساب دياب، وبطاقمها الوزاري الضعيف فيها، وبافتقادها للحضانة السياسية الواسعة لها.
ثانياً، انّ لدى الحكومة الجديدة، برنامجاً واضحاً، وكل الاطراف السياسية مؤيّدة مسبقاً لهذا البرنامج، وملتزمة برعايته وحمايته وتنفيذه كما حدّدته المبادرة الفرنسية. ومع هذا التأييد الواسع لا يعود مهماً ان تضمّ سياسيين في تشكيلتها. فهذا تفصيل بسيط يمكن تجاوزه بسهوله، وبالتالي لن يشكّل عقدة في طريق ولادة الحكومة.
ثالثاً، انّ وضع الحكومة الجديدة مختلف كلياً عن الحكومة السابقة، فهي متمتعة سلفاً بثقة واسعة في مجلس النواب، تؤمّنها الاكثرية النيابية الموصوفة التي سمّت اديب، خلافاً للحكومة السابقة التي كانت مقيّدة ومحكومة لأكثرية حرجة في مجلس النواب أمّنت لها ثقة على المنخار، وكانت عرضة للاهتزاز في اي لحظة. ذلك انّ استقالة وزير واحد (مسمّى من قوى سياسية او حزبية) منها كانت كافية لسقوطها، اذا ما طُلِب التصويت على الثقة بها.
طريق التأليف
على انّ الواضح في المسار الذي يسلكه التأليف، هو عدم بروز اي معوقات حتى الآن قد تعيقه، ذلك انّ الرئيس المكلّف لم تبدر عنه اي اشارة الى وجود معوّقات، بل على العكس، فإنّ الاجواء القريبة منه تعكس انّه يلمس تسهيلات، وهو ما اكّدت عليه مختلف الاطراف. فالثنائي الشيعي، وكما تؤكّد مصادره لـ”الجمهورية”، اكّد على تعاطيه الايجابي الى اقصى الحدود، وعدم وجود اي شروط لديه، والتعجيل بالحكومة اليوم قبل الغد، وبتركيبة نوعيّة وبكفاءات بحجم المرحلة، تتولّى عملية الإنقاذ واجراء الاصلاحات المطلوبة لإخراج البلد من ازمته. فضلاً عن انّ الرئيس نبيه بري معني بنجاح المبادرة الفرنسية لما تشكّله من فرصة اخيرة للانقاذ.
وربطاً بالإيجابية الكلية التي أبداها الثنائي الشيعي، استبعد مواكبون لحركة التأليف التي بدأها الرئيس المكلّف، أن تُقابل هذه الايجابية بسلبية، أو أن تأتي التشكيلة الحكومية المرتقبة من دون التفاهم معهما، او تقترن بأفكار او طروحات مستفزة لهما، سواء في ما يتعلق بأسماء الوزراء الشيعة، او ما يتعلق بالحقائب الوزارية التي ستًسند اليهم.
والأمر نفسه، كما يقول هؤلاء المواكبون، ينطبق على سائر القوى التي تقارب تأليف الحكومة بإيجابية ملحوظة. مع الاشارة هنا الى انّ التيار الوطني الحر، وكما تؤكّد اوساطه لـ”الجمهورية”، لن يشكّل اي عقبة في طريق تشكيل الحكومة، بل على العكس، لا توجد لديه اي شروط، بل هو اتخذ قراراً بتسهيل التأليف واعتماد الحدّ الاعلى من الليونة لتحقيق هذا الأمر في اسرع وقت ممكن.
ولفتت الاوساط، الى انّه من خلفية التسهيل لا التعطيل، فإنّ كل الاحتمالات واردة لدى التيار، ومن بينها احتمال عدم مشاركته في الحكومة، ولكن ليس من موقع معارضة الحكومة الجديدة، بل انّ التيار، وحتى ولو كان خارج الحكومة، سيمنحها الثقة في مجلس النواب.
ماذا عن الحقائب
الى ذلك، وفيما تتوالى الدعوات الى الرئيس المكلّف الى اعتماد الواقعية في التأليف، وان يقدّم تشكيلة حكومية معدّة بميزان الذهب، يراعي التركيبة الداخلية وتوازناتها، تؤكّد اجواء الرئيس المكلّف انّ اولويته وضع حكومة متجانسة، تعبّر عن الجميع، ومحدّدة مهمتها بهدف وحيد؛ هو انقاذ لبنان، ولا تشكّل استفزازاً لأيّ طرف، حتى لأولئك الذين لم يسمّوه في استشارات التكليف، او الذين قرّروا عدم المشاركة في الحكومة برغم انّهم سمّوا اديب في استشارات التكليف، بمعنى، ان يعتبر كل الأطراف السياسيين، وكذلك اطراف الحراك المدني، انفسهم موجودين في هذه الحكومة، وممثلين بكل واحد من الكفاءات والاختصاصيين من اصحاب الخبرة والتجربة والسمعة الطيبة الذين ستضمنهم.
وبحسب معلومات “الجمهورية”، انّ موضوع الحقائب سيكون امام خلطة جديدة لهذه الحقائب، مختلفة بصورة كبيرة جداً عمّا كان معتمداً في الحكومات السابقة. حيث يبدو انّ الوزارات السيادية الأربع قد تبقى على حالها؛ (المالية للشيعة، الداخلية للسنّة، الخارجية للموارنة، الدفاع للروم الارثوذكس). واما الخلطة الجديدة فتشمل ما تُسمّى الوزارات الأساسية، وعلى وجه الخصوص الطاقة، والاتصالات، والأشغال، والعدل، والصحة، والشؤون الاجتماعية، والتربية، والاقتصاد، والعمل.
وفي هذا السياق، تؤكّد معلومات “الجمهورية”، انّ التيار الوطني الحر، وحتى ولو شارك في الحكومة بشخصيات يسمّيها، بات في جو محسوم بأنّ وزارة الطاقة لن تكون من حصّته. وقد تيقن من ذلك من المبادرة الفرنسية نفسها التي جاء مضمونها لينسف ما سعى اليه التيار طيلة توليه الوزارة، ولاسيما في ما خصّ خطة الكهرباء ومعمل سلعاتا.
ثم انّ التيار، وكما يقول مقرّبون منه، انّه “وبعدما فُرِّغت الطاقة من بعض مضامينها الاساسية مثل الغاء سلعاتا وغيره، وتعيين الهيئة الناظمة للكهرباء قبل تعديل القانون، صار من الافضل له الّا تكون الطاقة معه، او بشخصية يسمّيها، ذلك انّ بقاءها معه بالشكل الذي اصبحت او ستصبح عليه، سيشكّل كسرة كبيرة له”.
ويلفت هؤلاء، الى انّه “طالما انّ التيار لم يدخل في لعبة الاسماء، وقراره في الاصل هو عدم الدخول في الاسماء، فلن يشكّل فارقاً لديه أيًّا يكون على رأس هذه الوزارة او غيرها من الوزارات”.
متى الولادة؟
كل المؤشرات المحيطة بعملية التأليف، توحي بأنّ الحكومة على نار حامية، وانّ الولادة مسألة ايام قليلة جداً، اي قبل نهاية الاسبوع الجاري. وانّ الرئيس المكلّف اصبح في نهاية وضع اللمسات الاخيرة على مسودة هذه الحكومة. وفي هذا السياق، يقول مرجع سياسي معني بحركة التأليف: “دخلنا فعلاً في اسبوع الحسم الحكومي ضمن مهلة الاسبوعين التي حدّدها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. وما استطيع ان اقوله هو انّ الجميع قالوا انّهم متعاونون وايجابيون، كما انّ ثمة معطيات ايجابية داخلية كثيرة، اضافة الى القوة التي تتمتع بها المبادرة الفرنسية، تجعلني على يقين من انّ ولادة الحكومة ستكون سريعة جداً، على ان يبدأ مسار الثقة وبدء العمل اعتباراً من الأسبوع المقبل”.
ورداً على سؤال عمّا اذا كانت هناك خشية من دخول الشياطين في بعض تفاصيل التأليف، قال المرجع: “في الاساس يجب الابقاء على مساحة حذر ولو ضيّقة، حتى تظهر صورة الحكومة، ولكن كما هو مؤكّد، فإنّ المبادرة الفرنسية، ملزمة، ولا مفرّ منها ولا بديل عنها، والجميع يدركون ذلك، والفرنسيون يتابعوننا عن كثب، بالتالي لن يكون في مقدور اي شياطين الدخول في اي تفصيل لتعطيلها، ذلك انّ المبادرة طردت شياطين التفاصيل فور اعلانها”.
ولكن ماذا في حال لم تتشكّل الحكومة هذا الاسبوع؟ يقول المرجع نفسه: “كل الاطراف تعهّدت للرئيس ماكرون بإنجاز ولادة الحكومة خلال اسبوعين، وليس من مصلحة أي طرف أن يخلّ بهذا التعهّد، وكل الاطراف مأزومة ومدركة ان لا جدوى من اي مماحكة او مماطلة او تباطؤ، ومدركة بالدرجة الاولى، انّ عرقلة او تعطيل هذا المسار معناه دخولنا جميعاً مع البلد في وضع غير محمود. ويقيني وقناعتي بأننا لن نصل الى هذا الوضع، وخصوصاً انّ المبادرة الفرنسية تسير بالشكل المرسوم لها”.