اذا كان رؤساء الحكومات السابقون قد حجبوا مظلّتهم عن الرئيس حسان دياب، الذي ظلّ مكشوفاً في بيئته خلال وجوده في السرايا، الّا انّهم احتضنوا السفير مصطفى أديب ورفدوه بالشرعية السنّية، ضمن تفاهم عريض على التكليف، شمل «التيار الوطني الحر»، الثنائي الشيعي، ووليد جنبلاط، برعاية فرنسية. فما هي دوافعهم، ولماذا قبلوا بتجيير رصيدهم الى أديب؟
هناك من اعتبر انّ سلوك رؤساء الحكومات السابقين فتح أبواباً جديدة أمام العهد الذي كان يُراد عزله، وأعاد تنشيط خلايا التسوية معه ولو معدّلة، بعدما كان تيار «المستقبل» وحلفاؤه السنّة قد قاطعوه، في أعقاب خروج الرئيس سعد الحريري من السلطة والتسوية عقب انتفاضة 17 تشرين الأول.
هذه التغطية السنّية لأديب، واستطراداً للشراكة المتجدّدة مع عون و»حزب الله»، أغضبت جهات في الوسطين السنّي والمسيحي، كانت تفضّل اعتماد مقاربة أخرى للحل، بعيداً من الضغط الفرنسي وحسابات ماكرون.
في المقابل، يروي أحد رؤساء الحكومات السابقين في مجلس خاص، الحيثيات التي دفعت الى احتضان خيار أديب والتجاوب مع المبادرة الفرنسية، منبّهاً الى انّ الوضع اللبناني أصبح على كف عفريت، «وهناك غضب عارم وقلق عام في صفوف الناس، نتيجة ما وصلنا اليه، بعد مضي اربع سنوات على العهد الحالي. فهل يصح إزاء هذه المخاطر ان نتخلّى عن مسؤولياتنا ونترك المركب يغرق؟».
ويضيف: «لم يكن أمراً بسيطاً ان يطلق رئيس جمهورية بحجم الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون مبادرة حيال لبنان، وان يترك كل شيء ويأتي الى بيروت مرتين خلال شهر، للمساهمة في معالجة ازمتنا. الرجل «مش خفيف»، ووزنه الدولي معروف، وبالتالي لا يجوز أن يبدي مسؤول خارجي مثل هذا الحرص على مساعدة بلدنا ووقف انهياره، من دون أن نلاقيه نحن ايضاً، ابناء البلد وقواه السياسية، في ابداء الحرص نفسه».
يشدّد رئيس الحكومة السابق، على انّ هناك حاجة ملحّة إلى الانخراط في عملية إنقاذ من العيار الثقيل، «وأي تردّد في مرحلة كهذه سيفضي الى مزيد من الخراب والانهيار، ولذلك قرّرنا ان نتجاوز عواطفنا الشخصية وموقفنا المعروف من العهد، وأن نعطي فرصة أخرى للإنقاذ، على قاعدة ان يتحمّل الجميع مسؤولياتهم، لعلنا ننجح في الخروج من النفق قبل فوات الأوان».
ويلفت عضو نادي رؤساء الحكومات السابقين، الى انّ «خياراتنا بدت ضيّقة. وكان علينا أن نتخذ قراراً في هذا الاتجاه او ذاك. وبصراحة، فإنّ قرارنا بتغطية الرئيس المكلّف الدكتور مصطفى أديب وحكومته المفترضة، لم يكن سهلاً، ربطاً بحصيلة التجارب المريرة السابقة مع العهد. ولكننا اتخذناه استناداً الى مجموعة اعتبارات حيوية، من بينها: وجوب ملاقاة مبادرة الرئيس الفرنسي، تداعيات انفجار المرفأ، الذي رسم خطاً فاصلاً بين ما قبل 4 آب وما بعده، اعتماد المعنيين القاعدة الدستورية التي تفصل التكليف عن التأليف».
وانطلاقاً من تلك العوامل، يشير رئيس الحكومة السابق الى انّ ظروف تكليف حسان دياب مغايرة تماماً، «ولذلك لم نمنحه الغطاء والدعم حين طُرح اسمه في المرة السابقة، فلا الرئيس مانويل ماكرون كان حاضراً بكل ثقله الشخصي، ولا الانفجار المدمّر في المرفأ كان قد وقع، ولا قاعدة التكليف ثم التأليف وفق الدستور كانت محترمة».
ورداً على مقولة انّ تسمية أديب من قِبل سعد الحريري وتمام سلام ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، انما شكّلت تعويماً سنّياً لعهد ميشال عون، يقول رئيس الحكومة السابق: «لا أحد ضدّ سياسات رئيس الجمهورية الحالي اكثر منا، لكن المسألة لم تعد مسألة عهد بل أصبحت قضية وطن، وما فعلناه هو لتعويم الوطن وليس العهد». ويضيف: «لقد تنازلنا حتى نحاول منع الانهيار الشامل، ونحن نعتبر انّ هذه التضحية تهون اذا كان المردود المتوقع في المقابل هو انطلاق مسيرة الخلاص».
ويتابع: «كنا نعرف انّ البعض في الطائفة السنّية وخارجها لن يعجبه موقفنا ولن يرحّب به، الّا اننا كنا نعرف أيضاً انّه لا ينبغي أن نتجاهل الدور الفرنسي ونقفز فوقه، فاعتمدنا الخيار العقلاني بعيداً من الانفعال العاطفي، تحسساً منا بدقة الظروف الاستثنائية التي تتطلب ترفعاً عن الحسابات الجانبية. ويبقى التحدّي في ما اذا كانت القوى الأخرى ستتهيب أيضاً خطورة الوضع وتتصرف على هذا الأساس، ام انّها ستواصل سياسة الإنكار والمكابرة مع ما سترتبه من تداعيات كارثية».
ولكن لماذا وقع الاختيار على الدكتور أديب تحديداً؟
يؤكّد رئيس الحكومة السابق، انّه وزملاؤه عرضوا كل الاسماء السنّية التي قد تكون مؤهّلة لتولّي موقع رئاسة مجلس الوزراء، من قضاة وسفراء وآخرين، لافتاً الى انّ «السفير مصطفى أديب معروف بآدميته وأخلاقه على الرغم من انّ البعض أبكر في مهاجمته والإساءة اليه، وهو سيكون أمام امتحان صعب. علماً اننا من جهتنا سنسهّل أمره حتى الحدّ الأقصى، خصوصاً انّ نجاحه او اخفاقه سيُحسب علينا، لأننا سمّيناه ومنحناه المظلّة الضرورية».
ويشدّد على أنّ الأكيد هو انّ أديب افضل ممن كان قبله. آملاً في أن تتمّ ترجمة الكلام المعسول الذي اسمعته ايّاه الكتل النيابية أثناء الاستشارات الى أفعال حقيقية، «لأنّ لا هامش الوقت ولا ضغط التحدّيات يسمحان بمزيد من المناورات والاستنزاف».
ويختم رئيس الحكومة السابق بالقول: «اللهم اشهد اننا لم نتخلّ عن دورنا في السعي الى إنقاذ لبنان».