بمثل هذا الوضوح ما يجري على الساحة اللبنانية يحتاج إلى الكثير من الصمت والتأمل
غداً أو بعد غد، عندما ينقشع ما غشيَ الأعينُ، ويصفو البصر والبصيرة، سنعرف تماماً أيَّ منقلبٍ سينقلبون، ونعرف تماماً أنهم لن يكونوا في صفّ اللبنانيين، لأن اسيادهم نذروهم فقط لخراب البلاد.
الفقراء أرقام صحيحةٌ في خاناتٍ خاطئة، ردد أحد الأصدقاء على مسامعي هذا القول منذ أيام قليلة، وموت بعد موت نتأكد أكثر أنه صائبٌ تماماً.
حملات التخويف والترهيب من وجود ذئابٍ لا تبرِّرُ أبداً جريمةَ قيامِ الضباع بافتراس الغنم.
حين يترجل الفاسدون ويتركون العربةَ رهينةً بأقدام الحصانين المتنافرين فإنها لن تصل أبداً إلى محطة آمنة، وأغلب الظنّ أنها ستسقط وتتكسّر في وادٍ سحيق وسيهلكان معها، في أثناء ذلك يكون الفاسد قد ربّى أحصنة أخرى وصنع عربة جديدة.
فاقدُ الشيء لا يعطيه، والحكام الذين لا يعترفون بحقوق مواطنيهم في الحرية والتعبير والتفكير لا يمكنهم بناء دولة، فهم يرفعون أصواتهم بالشعارات هنا وهناك ويدعون مساعدة الشعب في الوصول إلى غايات أهلها في العيش الحرّ والكريم لكنهم كاذبون، وشعاراتهم هي كلامُ حقٍّ يراد به باطلَ التبعية وجعلَ الناس وقوداً في حروبهم التي لا تهدف إلا إلى إعلاء سلطاتهم ومكاسبهم.
مهما كان اسم المنتصر، هذا الوطن سيمضي من سيء إلى أسوأ في الغد، وحتى التسويات لن تحمل معها إلا المزيد من بذور الشقاق وتكثيف الرماد فوق الجمر بانتظار حرائق أخرى.
طوبى للذين آمنوا واهتدوا إلى مسالك الهجرة.
باستثناء حالة الدفاع عن النفس، كلُّ حربٍ هي جريمةٌ كاملة.
الأفكار التي تدعي امتلاكها حقائقَ مطلقة هي أحد بيوت الداء في هذا الوطن. يكمن الدواء الأساسي بإخضاع كل حقيقة من تلك الحقائق للبحث والتدقيق، للتأكيد أو النفي أو المقاربة من أجل إعادة التعريف، ذلك يتم عبر مجهر المعرفة لإدراكها وفق ما هي عليه حاضراً والسعي لتبيان ظروفها التاريخية في التشكل والتحول.
ثلاث حقائق نتلمسها هذه الأيام، الأولى في أن التحول هو الصفة الملازمة لكل الأشياء والأفكار ما يؤكد على ضرورة إجراء المراجعة الدائمة للتصويب والإدراك، والثانية في أن الفقراء والمهمشين هم الضحية الوحيدة لصراعات الآخرين على أرض الوطن، والأخيرة في أن حال الناس في هذه البلاد اليوم لن يكون أبداً أفضل من حالهم في الغد الذي ستسيل فيه كراماتهم غزيرة فوق هذه الرمال التي لا تشبع.