كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول: طوّقت ليل أمس مواجهة كادت تندلع بين القضاء والقطاع المصرفي على خلفية قرار تجميد أصول المصارف، سرعان ما تمّ تجميده بقرار آخر. فيما تتّجه الأنظار غداً إلى احتجاجات رئاسية وحكومية ستستهدف القصر الجمهوري لاتّخاذ قرار في شأن سندات ”اليوروبوندز” التي تستحقّ الإثنين المقبل، في ظلّ اتجاه راجح على تأجيل دفع هذه السندات وإعادة جدولة الديون وهيكلتها.
بدأت ملامح القرار الذي ستتخذه الحكومة حول دفع ديونها المستحقة تتبلور مع حصر الخيارات والسيناريوهات المطروحة.
وقد اطّلع مجلس الوزراء في جلسته امس من الاستشاريين المالي lazard والقانوني cleary gottlieb على نصائحهما في شأن القرار وتداعيات كل قرار سلباً وايجاباً، وتم تعيين استشاري ثالث لشؤون التواصل حضر الجلسة ومهمته الشرح للرأي العام طريقة ادارة القرار وتسويقه اعلامياً بكل التفاصيل، وصولاً الى الـbody language والاتجاه هو كما بات معروفاً عدم الدفع، إذ انّ المطروح خياران: الاول هو “التعثر غير المنظّم”، أي عدم الدفع كلياً.
والثاني هو “التعثر المنظّم”، أي التفاوض مع المُقرضين وحملة السندات الخارجية، وباب هذا الخيار اعطاء دفعة اولى وجدولة مستحقات 2020 مع فوائدها، والحديث يدور حول مبلغ 280 مليون دولار وهي فوائد استحقاق آذار ونيسان. لكن هذا القرار معلوم انه مرفوض لدى “الثنائي الشيعي” الذي ابلغ الى دياب عدم موافقته على دفع أي فلس في ظل الظروف الراهنة.
وقالت مصادر متابعة للبحث انّ رئيس الجمهورية بات يميل الى فكرة دفع مبلغ بسيط لترك باب التفاوض مفتوحاً وهيكلة بقية الدين العام، وسيناقش هذا الامر نهائياً غداً في الاجتماع الرئاسي الثلاثي الذي سينعقد في القصر الجمهوري، والذي سيليه جلسة لمجلس الوزراء يتخذ خلالها القرار النهائي.
إجتماعات السراي الماراتونية
وكانت تواصلت الإجتماعات الماراتونية في السراي الحكومي منذ ساعات الصباح الاولى، قبل ان ينقل فريق من الخبراء الى جلسة مجلس الوزراء في بعبدا شرحاً للخيارات الموجودة امام لبنان في شأن إستحقاق سندات “اليوروبوندز”، خصوصاً لجهة التمنّع عن الدفع لمالكي الأسهم او العكس كما بالنسبة الى الوضع النقدي عموماً.
وقالت مصادر وزارية انّ الفريق الإستشاري قدّم للوزراء مختلف الخيارات من دون ان ينتصر لأيّ منها، تاركاً للحكومة ان تقول كلمتها في ما يمكن القيام به وفي اي اتجاه تريده بعد تحديد النتائج المترتبة على اي “قرار منظّم” وسلبياته وايجابياته وانعكاساته المحتملة على كل المستويات.
الملف المالي
وفي معلومات “الجمهورية” انّ الاجتماعات التي عقدت امس لم تصل الى نتائج حاسمة وستستأنف اليوم في السراي الحكومي، قبل نقل النتائج التي يمكن التوصّل اليها الى الإجتماع الرئاسي ـ الوزاري ـ المالي الذي دعي اليه عند الحادية عشرة من قبل ظهر غد في بعبدا، والذي سيضم رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والحكومة واعضاء اللجنة الوزارية الاقتصادية والمالية، تمهيداً لجلسة القرار النهائي لمجلس الوزراء الذي سيجتمع عند الأولى بعد الظهر.
وقالت مصادر مالية مطلعة لـ”الجمهورية” انّ اخطر ما يجري هو في الضبابية التي تلف المقترحات وما يمكن ان يقوم بها لبنان دفعاً لسندات “اليوروبوندز” او التمنّع عن ذلك، وهو أمر خطير جداً وبات خارج المهل الممكنة لتجاوز الأزمة، وفتح باب الحوار مع مالكي السندات في الداخل والخارج.
السرية المصرفية
وكان مجلس الوزراء أقرّ في جلسته برئاسة رئيس الجمهورية أمس مشروع قانون رفع السرية المصرفية. وعلمت “الجمهورية” انه بعد عرض وزيرة العدل هذا المشروع، دار نقاش كبير حوله أولاً لجهة فصله عن التهرّب الضريبي، وثانياً من ستشمل آلية المحاسبة وكيف يكون الحال اذا تبيّن انّ هناك مرتكبين، وتم الاتفاق على إلحاق القانون بالمراسيم التطبيقية عند الضرورة وتحديد سنة 1991 للمحاسبة ورفع السرية.
وكذلك أقر المجلس آلية السفر بعد ادخال تعديلات عليها، فأصبح السفر محصوراً بالضروريات مع تحديد الوفود والاعتمادات وإعطاء دور للسفراء والقناصل في تمثيل لبنان، كما تمّ إلغاء الـ first class للوزراء والوفود الرسمية.
واستمع مجلس الوزراء الى شرح مفصّل من وزير الصحة حمد حسن حول الاجراءات المتخذة للوقاية من فيروس “كورونا” في لبنان، فتحدث عن ظروف المريض القادم من مصر والاجراءات التي اتّبعت مع عائلته ومحيطه ومستشفى المعونات، معلناً خفض فريق وزارة الصحة من 75 الى 50 مسعفاً مع زيادة 10 اطباء سيتوزعون بين المطار ومعابر لبنان البرية الخمسة.
كذلك سيكون في كل المحافظات اقسام لحالات الطوارىء. وابلغت وزيرة الشباب والرياضة الى مجلس الوزراء انها ألغت كل النشاطات الرياضية والكشفية حتى نهاية آذار الحالي.
الجمهورية الثالثة
وكان لافتاً ما قاله رئيس الجمهورية في بداية الجلسة عن “أنّ المرحلة صعبة والعمل مستمرّ بتصميم لتأسيس الجمهورية الثالثة”، وهو الكلام الذي جاء في البيان الرسمي للقصر الجمهوري قبل أن يُعاد سحبه وتصحيحه وإدراجه في إطار “الخطأ المطبعي”. لكنّ عدداً من الوزراء أكّدوا لـ”الجمهورية” أنّ هذا الكلام قاله رئيس الجمهورية في مستهلّ الجلسة، من دون أن يعطوه أي مبرّرات أو أبعاد.
وهذا الأمر فتح باباً من التساؤلات حول ما قصده رئيس الجمهورية بحديثه عن ”الجمهورية الثالثة”، وهل يقصد دستوراً جديداً أم طائفاً جديداً؟
أزمة قضائية – مصرفية
وكانت قد انفجرت مواجهة أمس بين القضاء والقطاع المصرفي على خلفية قرار تجميد أصول 20 مصرفاً، أصدره النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، سرعان ما تمّ تطويقها بقرار قضائي آخر اتخذه المدعي العام التمييزي القاضي غسان منيف عويدات وقضي بتجميده وأنقذ البلاد من زلزال مدمّر. وجاء في هذا القرار:
”نحن، غسان منيف عويدات، النائب العام لدى محكمة التمييز،
بعد الاطّلاع على الأوراق كافّة، ولاسيّما على محاضر الإستجواب،
وبعد استجواب جمعية المصارف،
وحيث أنّ التدبير المتّخذ من حضرة النائب العام المالي، وبمعزلٍ عن صوابيته أو عدمه، هو تدبير إداري مؤقّت يمكن الرجوع عنه أو تجميده متى أصبحت المصلحة الوطنية مهدّدة.
وحيث أنّه وردنا من مصادر موثوقة أنّ السلطات المالية الدولية تنوي وباشرت في إيقاف التعامل مع المصارف والهيئات المالية اللبنانية وفرضت ضمانات للعمل معها.
وحيث أنّ الإستمرار بهكذا تدبير من شأنه إدخال البلد وقطاعاته النقدية والمالية والإقتصادية في الفوضى، ومن شأنه إرباك الجهات المعنية بدراسة سبل الحلول والسيناريوهات المالية التي هي قيد الإعداد لمواجهة الأزمة التي تمرّ بها البلاد.
لذلك، وعملاً بأحكام المادّتين 13 و21 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، نقرّر تجميد القرار المتّخذ ومفاعيله إلى حين درس تأثيره على النقد الوطني وعلى المعاملات المصرفية وعلى أموال المودعين وعلى الأمن الإقتصادي”.
إبراهيم
وكان القاضي ابراهيم قرّر وضع إشارة “منع تصرّف” على أصول 20 مصرفاً لبنانياً، وإبلاغها الى المديرية العامة للشؤون العقارية وأمانة السجل التجاري وهيئة إدارة السير والآليات وحاكمية مصرف لبنان وجمعية المصارف وهيئة الأسواق المالية. كما عَمّم قرار منع التصرف على أملاك رؤساء مجالس إدارة هذه المصارف.
ولم يضمّن ابراهيم القرار تبريرات قانونية، وكذلك لم يحدّد طبيعة التهم الموجهة الى من شملهم القرار.
وأكدت مصادر قريبة من ابراهيم لـ”الجمهورية” انه اتخذ قراره بكل هدوء ورصانة واستناداً الى صيغة قانونية مدروسة بعناية، مستغربة الابعاد التي أعطيت له بعيداً من الدوافع الحقيقية الكامنة خلفه.
واكدت هذه المصادر انّ التفسيرات التي أعطيت للقرار من معارضيه أتت كلها خارج السياق، لافتة الى انّ ما صدر عن ابراهيم لم يكن سوى تدبير موقت يهدف بالدرجة الاولى الى حماية حقوق المودعين وليس تعريضها للخطر كما زعم اصحاب الاتهامات.
وتساءلت المصادر: “ألم يتساءل المعترضون لماذا شمل التدبير المتخذ 20 مصرفاً بالتحديد وليس غيرها؟”. وأضافت: “الجواب واضح وهو انّ تلك المصارف مخالفة وسواها غير مخالف”.
وشددت المصادر القريبة من ابراهيم على “انّ الهدف الاساسي من قراره كان دفع بعض المصارف الى تغيير سلوكها، والامر لا يتحمل أبعد من هذا التفسير بتاتاً”، موضحة انه ”لو لم يتم تجميد الاجراء، لكان سيجري منع القيّمين على تلك المصارف من بيع عقاراتهم وسياراتهم وأسهمهم الى حين تغيير سلوكهم المشكو منه”.
وشددت على انّ ابراهيم “توصّل الى اقتناع بضرورة اتخاذ تدبير “منع التصرّف” بعد استماعه و7 قضاة آخرين الى أصحاب ورؤساء مجالس ادارة البنوك العشرين، وبالتالي ليس هناك اي مداخلات او ضغوط سياسية تقف خلف قراره”.
واشارت المصادر الى “انّ ضمير ابراهيم مرتاح، وهو ابلغ الى بعض المحيطين به انه يشعر بسلام داخلي على الرغم من كل الحملات والاتهامات التي تعرض لها”.
واعتبرت “انّ الهجوم الحاد الذي استهدفه يعكس حجم شبكة المصالح التي تربط بعض الجهات الداخلية بالبنوك”.
ردود فعل
وفي السياق، أفاد المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك أنّ النظام الإقتصادي اللبناني هو نظام اقتصادي حرّ عملاً بأحكام الفقرة “واو” من مقدّمة الدستور، ويكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة.
وعليه، أكّد مالك لـ”الجمهورية” أنّ قرار إبراهيم “غير دستوري لأنّه لا يستند الى أيّ سند قانوني، وفيه تعرّض للملكية الفردية، وهو بالتالي يخالف أحكام الدستور وأحكام الفقرة “واو” من المقدّمة والمادة 15 من الدستور”.
وفيما نقلت وكالة “بلومبرغ” عن مصدر قضائي، لم يكشف عن هويته، انّ تطبيق هذا القرار يحتاج الى موافقة حاكمية مصرف لبنان، أشار مصدر قانوني لـ”الجمهورية” الى ان لا حاجة لموافقة المصرف المركزي لتطبيق القرار القضائي.
فيما طمأنَ المحامي بول مرقص الى ان لا تأثير مباشراً لقرار ابراهيم على اموال المودعين، “بل تأثيره الكبير معنوي، ولو بشكل غير مباشر على سمعة المصارف والقطاع برمّته، وهو ما يعرف بـreputational risk”.
وأبدى مرقص لـ”الجمهورية” خشيته من أن تعمد المصارف الدولية المراسلة للمصارف اللبنانية التي تحوّل الاموال بواسطتها الى مزيد من الانسحاب من الساحة المالية اللبنانية.
وفي الموازاة، قال نائب حاكم مصرف لبنان السابق غسان عياش لـ”الجمهورية” انّ ”معاقبة النظام المصرفي عن أخطاء لم يرتكبها ومحاسبته عن أمور لا يمنعها القانون، مثل تحويل الأموال إلى الخارج قبل صدور قانون لتقييد حرية رؤوس الأموال، يعتبر نوعاً من التعسّف واستعمالاً للقضاء بطريقة غير عادلة”.
في السياسة
ولم تمر عملية عض الاصابع بين القضاء المالي والمصارف في معزل عن التدخلات السياسية. وأبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري الى “الجمهورية” انه لم يعرف بقرار ابراهيم في شأن المصارف الّا بعد صدوره، مشدداً على ان لا صحة بتاتاً لادعاءات البعض بأنه يقف شخصيّاً خلف قرار ابراهيم. مضيفاً: “نحن ليست لنا اي علاقة بما صدر لا من قريب ولا من بعيد”.
وقال: “فليكن معلوماً انني منذ ان تولّيتُ في الماضي وزارة العدل وحتى الآن، لا أتدخل في عمل القضاء واحرص على احترام خصوصيته، ولن أحيد عن هذا السلوك”.
وفي الموازاة، وبعد زيارة قام بها رئيس جمعية المصارف اللبنانية سليم صفير الى القصر الجمهوري ولقاء الرئيس ميشال عون، تسرّبت معلومات عن استياء رئيس الجمهورية من القرار الذي أصدره ابراهيم.
وكانت المصارف رجّحت فكرة الاضراب العام المفتوح، لكنّ الاتصالات أدّت الى تجميد الفكرة، بعد تلقّي القيّمين على القطاع وعوداً بمعالجة المشكلة عبر القضاء، وهذا ما كان عبّر عنه قرار عويدات.
التشكيلات القضائية
من جهة ثانية، أصدر المكتب الاعلامي لمجلس القضاء الاعلى بياناً جاء فيه: “بعد اجتماعات تواصلت لأكثر من شهرين، تم توقيع مشروع التشكيلات القضائية بالإجماع من قبل رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى في تمام الساعة الحادية عشرة من مساء اليوم الواقع فيه 5/3/2020، كما تمّ للمرة الاولى التوقيع أيضاً على الأسباب الموجبة التي اعتمدت لإقرار هذا المشروع الذي تقرر رفعه الى معالي وزيرة العدل.
المحكمة الدولية
ومن جهة أخرى، صدر أمس عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بيان جاء فيه: “قدّمت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان إشعاراً بأنها ستصدر حكمها في قضية عياش وآخرين (STL-11-01) خلال جلسة علنية في منتصف شهر أيار 2020″.
وفي المستند الذي أودِع اليوم (أمس)، أفاد القضاة بأنهم سيحدّدون تاريخ النطق بالحكم علناً في أقرب وقت ممكن.
ويُطلب من جميع ممثلي وسائل الإعلام، الذين يرغبون في تغطية وقائع الجلسة في مقر المحكمة، الحصول على بطاقات اعتماد. وتجدر الإشارة إلى أنّ الجلوس في شرفة الجمهور ليس مضموناً. ولحضور هذا الحدث البارز، يتعيّن على الصحافيين الذين لديهم بطاقات اعتماد دائمة أن يقدّموا أيضاً طلباً في هذا الشأن.
وسيجري الإعلان في الوقت المناسب عن الإجراءات الواجب اتّباعها من أجل الحصول على بطاقات اعتماد لحضور جلسة النطق بالحكم”.