كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول: يتصدّر الهمّ الاقتصادي والمالي اهتمامات الحكومة والمسؤولين وعامة اللبنانيين، بحثاً عن معالجات تمنع الانهيار المُتخوّف منه. اذ لا يخلو اجتماع او لقاء رسمي أو سياسي، وحتى شعبي، من تناول الأزمة الاقتصادية والمالية التي تقضّ مضاجع اللبنانيين، فيما تبدو الحكومة كأنّها في سباق مع الزمن لوضع مداميك معالجة مستدامة، بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية ومجموعة الدول المانحة، حيث انّ هناك اتصالات تمهيدية تجريها الحكومة، ليس من باب جسّ النبض فقط، وانما أيضاً من باب استكشاف مدى استعداد هذه المجموعة وغيرها لدعم المشاريع الإصلاحية التي حدّدتها في بيانها الوزاري.
وعلمت “الجمهورية”، انّ نتائج الاتصالات التي تُجريها الدوائر المختصة مع مجموعة الدول الخليجية، التي يعتزم رئيس الحكومة حسان دياب زيارتها، تراوح بين الإيجابية والسلبية، حيث انّ دولاً رحّبت، فيما اخرى تحفّظت، وثالثة تنتظر معرفة طبيعة الإصلاحات التي ستعتمدها حكومته، ويبدو انّها ستستبق الشروع فيها بقرار يقضي بعدم دفع سندات اليوروبوند المستحقة في آذار المقبل، بعد إعادة جدولة الديون وهيكلتها.
على صعيد آخر، علمت “الجمهورية” أنّ التشكيلات القضائية أصبحت شبه جاهزة، وقد ارتكزت إلى معايير الكفاية والدرجات والمسلكية والنزاهة التي اعتمدها رئيس مجلس القضاء الأعلى الرئيس سهيل عبّود، وقد وافق عليها مدّعي عام التمييز القاضي غسّان عويدات وسائر أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وهي سابقة في التشكيلات القضائية لناحية عدم تدخّل السياسيين فيها، كون المرحلة والظروف الراهنة تتطلّب إستقلالية القضاء التامّة، تمكيناً لحملة مكافحة الفساد التي يتوق إليها جميع اللبنانيين. على أمل أن تأخذ المراسيم مجراها الطبيعي من دون تدخّلات واعتراضات من المعنيين.
كشفت مصادر حكومية لـ”الجمهورية”، انّ المفاوضات التي ستنطلق غدًا الخميس مع صندوق النقد الدولي يُتوقع أن تنتهي اواخر الشهر الجاري كحد أقصى، لاتخاذ القرار النهائي حول سندات اليوروبوند من جهة واعتماد خطة صندوق النقد للإنقاذ من جهة ثانية. واكّدت المصادر، أنّ رئيس الحكومة لا يعمل على تجزئة الحلول، فلا شيء اسمه أزمة دولار منفصلة ولا أزمة مصارف على حدة، ولا ارتفاع أسعار….فالامور كلها مترابطة، وهناك مسار إصلاحات اقتصادية الدولار هو جزء منها، ولا أحد يستطيع ضبطه في ظل الكوارث المالية، والحل يجب أن يكون سلّة متكاملة، فلا ينفصل علاج عن آخر، وهذا يتطلب جهدًا كبيرًا ودعمًا من كافة القوى السياسية. كما اكّدت المصادر، أنّ “من الآن وحتى نهاية الشهر الجاري سيتكوّن لدى رئيس الحكومة تصوّر واضح حول حقيقة من يدعم ومن يعرقل، وستُسمّى الامور حينها بأسمائها، وستتمّ الإشارة بالأصبع الى واضعي الألغام أمام الحلول وتنفيذ الخطة الإنقاذية الحكومية”.
وقالت مصادر متابعة للنقاش المالي والنقدي لـ”الجمهورية”، انّ ”رئيس الحكومة أبدى استعدادًا في المضي بالإجراءات الصعبة، وانّ لديه ضوءاً اخضر من كافة القوى السياسية بما فيها “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، وانّ استشارة صندوق النقد ستنقلب الى برنامج ضمن خطة كاملة، لم يعد للبنان خيار سوى اعتمادها، خصوصًا انّه يحتاج الى سيولة من الخارج وصندوق النقد طريقها الإلزامي الطبيعي”.
وأضافت المصادر: “ما بقى في لعب. نحن ننتظر ماذا سيحمل وفد صندوق النقد معه، سنستمع إليه ونطلع على اقتراحاته للحل وعلى ضوئها يُتخذ القرار” .
ولم تخف المصادر الهواجس من تنفيذ برنامج صندوق النقد، الذي يترافق عادة مع مشكلات داخلية. وكشفت، أنّ دياب “في طور تحديد وتعيين فريق الخبراء الماليين والاقتصاديين الذين سيقودون المفاوضات مع صندق النقد، وهو فريق مصغّر يُتاح له التوصل الى نتائج عملية سريعة، لا تضيع في كثرة وجهات النظر وتعدّد الرؤوس”. وعُلم في هذا الصدد، انّه كان لدياب امس لقاء بعيدًا عن الأضواء مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والوزير السابق كميل ابو سليمان.
وعلمت “الجمهورية”، انّ رئيس الحكومة ينقل الى الموفدين الدوليين رغبة الدولة الواضحة في تأجيل دفع المستحقات ضمن خطة لإعادة الجدولة بداية وليس إعادة الهيكلة التي تسير في نظام مختلف ضمن شروط اصعب.
وأبلغ مصدر نيابي، تواصل مع مراجع رئاسية خلال اليومين الماضيين، الى “الجمهورية”، انّه استنتج من مشاوراته مع المسؤولين، انّ ”الاتجاه الغالب والمتقدّم لدى الدولة هو نحو عدم دفع سندات اليوروبوند المستحقة في آذار المقبل، مشيراً الى انّ البحث يتركّز على سبل تحصين اي قرار يمكن ان يُتخذ في هذا الصدد والتقليل من خسائره وتداعياته قدر الامكان”.
واعتبر المصدر، “انّ الكلام حول إمكانية الحجز على املاك تخصّ الدولة اللبنانية اذا قرّرت الامتناع عن تسديد دفعة آذار من الدين، ليس سوى تهويل وترهيب لا يستندان الى حيثيات حقيقية أو وقائع صلبة”، لافتًا الى “انّ ملكية شركة “الميدل ايست” والذهب على سبيل المثال، تعود الى مصرف لبنان وليس الى الدولة مباشرة. وبالتالي، فإنّ البنك المركزي يحظى باستقلالية تسمح بحماية الاملاك التي يزعم البعض أنّها مهدّدة”.
وأبدى المصدر النيابي قلقه من “احتمال ان يسجل سعر الدولار مزيدًا من القفزات في المرحلة المقبلة، ما لم يتمّ تدارك الامر واحتواء التفلّت في السوق النقدية”. وأكّد انّ “الوضع غير ميؤوس منه على رغم من صعوبته الشديدة”، مشدّدًا على “انّ فرصة معالجته لا تزال موجودة، انما شرط المبادرة الى اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب”.
صندوق النقد و”المشورة”
في هذه الاثناء، تستعد الحكومة لبدء مفاوضات رسمية مع وفد صندوق النقد الدولي غدًا، بعد الاستماع الى “المشورة” التي يحملها معه بناء على طلب الدولة اللبنانية.
ويسود مناخ من الشكوك والترقّب، في الاوساط الشعبية والسياسية، في ظل الغموض الذي يحوط بمضمون المشورة التي سيقدّمها الصندوق، وما اذا كان ممكنًا ان تكون موسّعة وتشمل برنامجاً انقاذياً متكاملاً، أم أنّها ستكون مجرد افكار مبدئية تمهّد لبرنامج إنقاذي في حال قرّر لبنان طلب ذلك.
وتواكب مرحلة الانتظار الصعبة، تطورات دراماتيكية على مستوى سعر صرف الدولار في السوق الموازية، اذ واصل ارتفاعه امس ايضًا، وتجاوز عتبة الـ2500 ليرة، في مؤشر اعتبره المراقبون مقلقاً، لأنّه قد يمهّد لاستمرار ارتفاعه. وسبق لسعر الدولار أن وصل قبل فترة الى سقف الـ2500 ليرة، ومن ثم تراجع الى مستويات 2200 قبل ان يعاود صعوده التدريجي. ولا يبدو انّ الإجراءات الوقائية التي تحاول السلطات اتخاذها للحدّ من ارتفاع الدولار تجدي نفعًا، بما فيها الإجراءات القانونية في حق الصرّافين المخالفين. وقد ادّعى المدّعي العام المالي القاضي علي ابراهيم امس على 18 صرافاً بجرم مخالفة قانون الصيرفة والمسّ بهيبة الدولة المالية، وأحال الملفات إلى قضاة التحقيق الأول في المحافظات.
اجتماعات تمهيدية
وفي انتظار وصول وفد الصندوق، تُعقد اجتماعات تمهيدية، من ضمنها الاجتماع الذي إنعقد في السراي الحكومي امس بين رئيس الحكومة حسان دياب ووفد مؤسسة التمويل الدولية، في حضور وزراء الاقتصاد راوول نعمة، والاشغال ميشال النجار، والصناعة عماد حب الله، والطاقة ريمون غجر.
وبحسب وفد المؤسسة، “كان الاجتماع ممتازًا، ودار الحديث حول الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتمّ التركيز على موضوع النقل والمطار”.
وتجدر الإشارة، ان مؤسسة التمويل الدولية هي عضو في مجموعة البنك الدولي، وتُعدّ المؤسسة الإنمائية العالمية الاكبر التي تركّز حصرياً على دعم وتنمية القطاع الخاص في البلدان النامية.
وقالت مصادر المجتمعين لـ”الجمهورية”، “انّ الاجتماع خُصّص للبحث في الوضع النقدي وطريقة تمويل المشاريع الحيوية الكبرى، عبر اللجوء الى إقامة مشاريع تعاون مشتركة بين القطاعين العام والخاص، في ضوء القانون الذي أُقرّ في مجلس النواب، بالإضافة الى بعض الأفكار المطروحة لتطوير قطاع النقل عمومًا واستكمال بعض المشاريع الخاصة بالمطار”.
ورفضت مصادر وفد مؤسسة التمويل الحديث عن الخصخصة او ما يشير اليه البعض تحت عنوان “بيع ممتلكات الدولة ومرافقها”، وقالت: “انّ ما هو مطروح لا يُعدّ خصخصة، بل وكما قالت القوانين اللبنانية. وانّ المطروح في الاساس هو حلّ الأزمة التي يعانيها بعض المرافق بالشراكة بين القطاع الخاص والعام وخاصةً في المطار والنقل”.
وفي سياق متصل، ناقش وزير الشؤون الإجتماعية رمزي مشرّفية، مع وفد من البنك الدولي “تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، خصوصاً على الطبقة الفقيرة، وإمكانية إنشاء شبكة أمان إجتماعية لحماية الفئات الضعيفة في المجتمع في ظلّ هذه الأزمة الخانقة”.
ومن المعروف، انّ البنك الدولي يواكب في العادة برامج الإنقاذ التي ينفذها صندوق النقد، بسلسلة مشاريع انمائية واجتماعية تهدف الى تخفيف وطأة الإجراءات الموجعة التي تتضمنها في العادة البرامج الانقاذية وتتحمّل تداعياتها الطبقتان المتوسطة والفقيرة.
”فيتش” و”بلومبرغ”
وفي سلسلة التقارير التي تناولتها وكالات التصنيف الدولية، كشفت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، انّ وضع لبنان المالي يشير إلى إعادة هيكلة للدين. ولفتت الى انّ إعادة الهيكلة هذه “قد تأخذ أشكالاً مختلفة، والمفاوضات مع حملة السندات قد تكون معقّدة”، وقالت: ”من المرجّح إعادة هيكلة الدين الحكومي للبنان بشكل ما”.
من جهتها، انتقدت وكالة “بلومبرغ” سياسيي لبنان في معرض تعليقها على الوضع المالي والإقتصادي، فقالت إنّ “السياسيين اللبنانيين يخشون من أن يطلب صندوق النقد الدوليّ زيادة الضرائب وتحرير سعر صرف الليرة الثابت منذ التسعينيات”، مُضيفة أنّ “حجم الدين السيادي يزيد عن 150% من الناتج المحلي الإجمالي، إذ يحتل لبنان المركز السادس عالمياً لجهة أعلى نسبة دين إلى الناتج المحلي، والمستثمرون الأجانب يدرسون احتمال تخلّف الدولة اللبنانية عن سداد ديونها”. ولفتت إلى أنّ غالبية “سندات الـ”يوروبوند” اللبنانية هبطت إلى أقل من 35 سنتاً للدولار”، مبيّنةً أنّ “سعر السندات سجل انخفاضاً قياسياً الأسبوع الفائت قُدّر بـ74 سنتاً للدولار”.
طبارة
وحول الموقف الاميركي من الحكومة، سألت “الجمهورية” سفير لبنان السابق في واشنطن الدكتور رياض طبارة، فقال: “تدلّ تصريحات المسؤولين الأميركيين الى أنّ الولايات المتحدة الأميركية تُعطي الحكومة الحالية “فترة سماح” ولا تضع “فيتو” عليها، بل سيكون هناك انفتاح أميركي واستعداد لمساعدتها في حال قدّمت برنامجاً إقتصادياً وإنقاذياً جيّداً، واتخذت الإجراءات والإصلاحات اللازمة. فحين سُئل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن أنّ هذه الحكومة قد تكون حكومة “حزب الله”، أجاب، أنّ “ما يهمّنا هو برنامجها الإنقاذي أكثر من أيّ أمر آخر”. ويتّخذ الإتجاه الأوروبي المسار نفسه، بل يُعتبر متشدداً أكثر على هذا الصعيد”.
وأضاف السفير طبارة: “تتغاضى الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية عن مسألة أنّ الحكومة “حكومة حزب الله”، لأنّها لا تريد أن ينهار لبنان. فهذا الانهيار ليس من مصلحتها، لأنّه يؤثّر كثيراً على تدفّق اللاجئين الى أوروبا ويُعطي مجالاً لإنتعاش “داعش”، ويخدم “حزب الله” داخلياً”.
مجلس الوزراء
يعقد مجلس الوزراء عند العاشرة قبل ظهر غد جلسته الثانية في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية. وقالت مصادر وزارية لـ “الجمهورية”، انّ جدول الاعمال يضمّ 30 بندًا ابرزها يتصل بإقرار ما سُمّي في البيان الوزاري “خطة الطوارئ التنفيذية” للحكومة بما ترسمه من اولويات القضايا والملفات التي تعهّدت الحكومة بتنفيذها.
قمة ثلاثية
على صعيد آخر، وفي خطوة رُبطت بزيارة وزير الخارجية القبرصي الأخيرة للبنان، يصل الى بيروت اليوم وزير خارجية اليونان نيكوس دندياس، في زيارة يلتقي خلالها رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، ووزير الخارجية ناصيف حتي.
وعلمت “الجمهورية”، انّ الزيارة تمهّد لقمة ثلاثية لبنانية ـ يونانية ـ قبرصية تُعقد في نيقوسيا نهاية الشهر المقبل للبحث في سبل تعزيز التعاون بين الدول الثلاث على كل المستويات السياسية والاقتصادية، وفي مجالات النفط والغاز تحديداً.