تقدّم الكلام عن استرجاع الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد جميع الخطب السياسية اللبنانية في الآونة الأخيرة على وقع انتفاضة اللبنانيين التي انطلقت في 17 تشرين الأول ضد الطبقة السياسية الحاكمة وتحميلها المسؤولية عن الأزمة المالية والمعيشية التي تمر بها البلاد.
فور الإعلان عن ولادة حكومة الرئيس حسان دياب سارع المحتجون للنزول الى الطرقات، تعبيراً عن غضبهم واستيائهم من التركيبة الحكومية والمخيبة للآمال، داعين في الوقت نفسه الحكومة الجديدة الى جعل ملف الفساد الداخلي عنصراً أساسياً في جدول أعمالها وفي تعبيرات النقاش اللبناني الداخلي؛ فيما يأمل آخرون أن تكون هذه الحكومة فاتحة لإجراء تغييرات هيكلية تناسب التبدل في خارطة القوى السياسية المحلية المكونة للسلطة أي إعادة هيكلة الإدارة اللبنانية ومأسستها ومحاولة تحديثها بعد أن أصبح الفساد ظاهرة ملازمة لجميع الحكومات المتعاقبة منذ العام 1990، وهو نتيجة لواقع الحريرية السياسية التي قامت على تشريع الفساد واستغلال السلطة والوظيفة العامة لمنافع شخصية وفئوية ونهبها لثروات البلد عن طريق أصحاب كارتلات النفط والغاز والترابة وتقاسم الأرباح على بعضهم البعض.
كل ذلك حصل على حساب قيام دولة وطنية مستقلة في لبنان دون أن ننسى الجريمة الكبرى التي ألحقت بالقطاعات الإنتاجية بحكم طغيان وتضخم اقتصاد الخدمات بل إن النموذج الريعي التابع بحكم بنيته كان على الدوام قرين الهيمنة عند الحكومات المتعاقبة والفساد الداخلي الذي تفاوتت نسبة فداحته بين مرحلة وأخرى.
وأمام هذا الواقع هل تؤسس حكومة الرئيس دياب لمحاولات جدية لتغيير الإتجاه من الريع إلى الإنتاج وإقامة شراكة فعلية اقتصادياً مع عدد من البلدان العربية وفي طليعتها سورية على قاعدة المصالح المشتركة؟
وهل تتجرأ على إتخاذ الخطوات المناسبة لتعديل البنية الاقتصادية اللبنانية الهشة التي تحميها قوى سياسية ومالية لبنانية راسخة الجذور والتي تقوم على الفساد الملازم للنظام الريعي في لبنان الذي يحظى برعاية صندوق النقد الدولي كوسيلة لاستمالة الأتباع بالعمولات وبالمنافع الخاصة والهيمنة على مقدرات الشعوب واستغلال ثرواتها؟
مفتاح حل الأزمة الحالية يستدعي عملية مواجهة مستمرة وبناء قواعد ثابتة تمنع قدر المستطاع عملياً الإستمرار في عمليات نهب الدولة والتحرر من الهيمنة والتوجه شرقاً وتبني مشروع شامل لإعادة البناء الوطني وعلى هذه القاعدة يمكن التطلع إلى آليات جديدة لإعادة السلطة السياسية وهيكلية الإدارة العامة بما يتكفل بمحاربة مستمرة لجميع مظاهر الفساد.
فهل يفعلها الرئيس دياب!!