كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : بتأليف الحكومة الجديدة تنتقل البلاد الى مرحلة جديدة من التحدي، فهذه الحكومة منذ التوصّل الى “اتفاق الطائف” تمثّل انعطافة في آليّة تأليف الحكومات عبر المعايير التي فرضها رئيسها حسان دياب، مستفيداً فيها من الواقع المأزوم الذي أدى الى تكليفه. وستكون أمام هذه الحكومة 3 تحديات: الأول، امتصاص نقمة الشارع بجزءَيه الحزبي المتضرر، والشعبي المنتفض، علماً انّ جزءاً من هذا الشعب سيعطي الحكومة فرصة، لأنّ تأليفها أعاد لحظة الامل للناس. والثاني، ان تكون فريق عمل يضع الازمة المالية ـ الاقتصادية أولوية وحيدة أو مطلقة. والثالث، ترتيب العلاقة مع المانحين من عرب ومجتمع دولي وكسب ثقتهم.
… وأخيراً ولدت الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور حسان دياب بعد انقضاء 34 يوماً على تكليفه، وجاءت توزيعة “عادلة” بين أبناء اللون الواحد، وان كانت “طابشة” بعض الشيء لمصلحة البعض وخصوصاً ”التيار الوطني الحر” الذي حَظي على ما يبدو بـ7 أو أكثر من المقاعد الوزارية التي تمثّل أكثرية الحصة المسيحية في الحكومة، البالغة 10 وزراء، وتتجاوزها الى حصص طوائف أخرى، ولكنها قد لا تشكّل “الثلث المعطّل” لأنّ من الصعب في تركيبة الحكومة العشرينية وذات اللون الواحد تركيب مثل هذا الثلث، ويبدو انّ مَن هَندس هذه التركيبة قد أخذ في الاعتبار هذا الامر قطعاً لدابر “الأثلاث المعطلة” التي كانت تعتمد في الحكومات السابقة، علماً ان لا قيمة لثلث معطّل في حكومة تجمع لوناً واحداً.
وكانت مراسيم تأليف الحكومة صدرت إثر اجتماعين انعقدا في القصر الجمهوري، الاول بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف، والثاني بينهما وبين رئيس مجلس النواب نبيه الذي أُطلع دستورياً على التشكيلة الوزارية قبَيل إعلانها. وستعقد اليوم أول جلسة لها في القصر الجمهوري، تحضيراً لإعداد البيان الوزاري والتقاط الصورة التذكارية.
حكومة الانقاذ
وقد حرص دياب على تسمية حكومته بـ”حكومة إنقاذ لبنان”، وقال: ”أحيّي الانتفاضة الثورة التي دفعت نحو هذا المسار فانتصر لبنان”، مضيفاً: “هي حكومة تعبّر عن تطلّعات المعتصمين على مساحة الوطن خلال أكثر من 3 أشهر من الغضب، وستعمل على تلبية مطالبهم، وهي استقلالية القضاء واستعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الثراء غير المشروع (…) ومكافحة البطالة ووضع قانون جديد للانتخابات يكرّس اللحمة الوطنية التي أفرزتها الساحات”. وأكّد دياب أنّ الحكومة تتألّف من “تكنوقراط” و”غير حزبيين”، وقال إنها تحمل ”لون لبنان”.
ملاحظات
على انّ بعض المعنيين بالاستحقاق الحكومي، سجّلوا في ضوء التشكيلة الوزارية الملاحظات الآتية:
أولاً – نال التيار الوطني الحر برئاسة الوزير جبران باسيل حصة الاسد من المقاعد الوزارية، على رغم كل ما قيل من انه لن يكون لهذا التيار ”الثلث المعطّل”، إذ باستثناء الوزير دميانوس قطار ووزيري “المردة” حصل على بقية الوزراء المسيحيين وضمنهم الوزير الارمني مضافاً اليهم وزير “اللقاء التشاوري” طلال حواط والوزيرين الدرزيين رمزي مشرفية ومنال عبد الصمد.
ثانياً – رغم ما قيل انّ الحكومة ستكون حكومة تكنوقراطية، فإنها جاءت حكومة اختصاصيين.
ثالثاً – عكست التشكيلة الوزارية الجديدة التوازنات الميثاقية والنيابية، بمعنى انها عكست نتائج الانتخابات لعام 2018 ما يوفّر لها الحصول على الثقة النيابية، علماً ان ليس من وزرائها أي نائب ولا أي وزير من الحكومات السابقة هذه المرة.
رابعاً – تضمنت الحكومة 6 نساء للمرة الاولى في تاريخ الحكومات منذ الاستقلال، واكثر من ذلك تعيين إحداهنّ في منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزيرة للدفاع الوطني.
خامساً – على رغم من انّ الوزراء جميعاً هم من اصحاب الاختصاص والتكنوقراط، فإنّ بعض وزرائها أسندت اليهم حقائب تعاكس طبيعة اختصاصهم.
”القوات”
الى ذلك، علّقت مصادر “القوات اللبنانية” لـ”الجمهورية” على التشكيلة الحكومية الجديدة، فقالت انها “جاءت خلافاً لإرادة الناس ولمتطلبات المرحلة الحالية والاقتصادية، وإنّ “القوات” تعتبر في شكل صارم انّ اي تشكيلة حكومية على نَسق التشكيلات التي سبقتها لجهة تَحَكّم الاكثرية القائمة بقرارها سيكون مصيرها الفشل المحتوم، لأنّ الادارة السياسية التي أوصلت البلد الى الانهيار لن تكون قادرة على مواجهة تحديات المرحلة، ولا يفيد في شيء التلطّي بصورة تكنوقراطية فيما المحرك الاساس لهؤلاء التكنوقراط هو إدارة الاكثرية الحاكمة التي تتحكم بقرارهم، وإنّ هذه الاكثرية التي تنازعت وتحاصَصت واختلفت على مواقع وحصص ونفوذ لن تكون قادرة على تحمّل أعباء المرحلة المقبلة ومتطلباتها. وبالتالي، ما تقدّم في التأليف سينسحب خلافات وانقسامات ومواجهات في كل ملف وعند كل استحقاق”.
ما قبل التأليف
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد ألغى مواعيده امس وتفرّغ لاتصالات حول الحكومة مع مختلف الاطراف، وشملت الرئيس المكلف حسان دياب ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، والحزب السوري القومي الاجتماعي، وكانت له اتصالات متعددة مع رئيس ”التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل.
وانطلق بري في اتصالاته من “انّ الامور بلغت حداً غير مقبول، وانّ كل تعطيل إضافي لتشكيل الحكومة من شأنه ان ينعكس مزيداً من السلبيات المتفاقمة على كل المستويات”.
وبحسب المعلومات، فإنّ مختلف الاطراف أبدوا ليونة ملحوظة في مشاورات الامس، علماً أنّ بري كان مصمّماً على ان تصل مساعيه الى ايجابيات حتمية. ومن هنا، وضع ثقله في الميدان، الذي أفضى في ساعات بعد الظهر، الى إعادة لحم أوصال الحكومة الجديدة، بعدما كانت قد انقطعت اعتباراً من ليل الاثنين ـ الثلثاء.
وتشير المعلومات الى انّ الصيغة الحكومية النهائية تأتي مرضية لمختلف الاطراف وليس فيها رابح وخاسر، بل يفترض ان تشكل فريق عمل منسجم بعضه مع بعض للانطلاق في المهمة الشاقة التي تنتظر الحكومة، والتي يشدد بري على ان تكون حكومة انقاذية لمهمة اساسية هي معالجة الازمة الاقتصادية والمالية.
الى ذلك، اوضح بري، رداً على سؤال حول سبب تأجيله جلسة مناقشة الموازنة العامة للسنة الحالية الى 27 و28 كانون الثاني، بأنه قرر ان يتفرّغ لاتصالات مكثّفة لتذليل العقَد الماثلة في طريق تأليف الحكومة.
وعندما سئل عما اذا كانت جلسة الثقة بالحكومة الجديدة ستسبق انعقاد جلسة مناقشة الموازنة، قال: “للحكومة الجديدة بعد اعلان مراسيمها، مهلة شهر لإعداد بيانها الوزاري، وحتى لو أنجزت بيانها الوزاري قبل موعد جلسة مناقشة الموازنة، فالأولوية لجلسة الموازنة لإقرارها على ان تليها جلسة الثقة بعد إقرار الحكومة لبيانها الوزاري”.
الحراك يعترض ويصعّد
وفي سياق متصل، أبلغت مصادر الحراك الشعبي الى “الجمهورية” انّ تحضيرات تجري بين مكونات هذا الحراك، للقيام بتحركات احتجاجية وصفتها بـ”النوعية” لأنّ الحكومة الجديدة “ما هي سوى حكومة سياسية مقنعة بوجوه مُسمّاة اختصاصية ليست سيّدة نفسها، وليست مستقلة عن الطاقم السياسي الذي شكّلها، وستكون حكماً مرهونة لمشيئته وتُدار بالطريقة التقليدية التي تسببت بالأزمة”.
وكانت ردة فعل الحراك الشعبي الأولى على تشكيل الحكومة ليل أمس نزولاً الى الشارع، وقطع طريق رئيسية في بيروت وشرقها وفي الشمال، بالإطارات المشتعلة والعوائق.
وقد توافد المتظاهرون ليلاً الى وسط بيروت في ظل دعوات كثيفة الى التظاهر في العاصمة والمناطق اللبنانية كافة، وذلك وسط انتشار للقوى الأمنية والجيش اللبناني.
وتجمّع المتظاهرون أمام مدخل المجلس النيابي في ساحة النجمة، إعتراضاً على إعلان مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة، ووصلت تعزيزات أمنية وأُقيمت تحصينات اضافية في المكان. واقدم محتجّون على تحطيم الآلة التي تولّد الكهرباء على سياج مجلس النواب، وحاولوا خلع البوابة الحديد. ورموا عوائق حديدية وحجارة وعصي على عناصر مكافحة الشغب، التي ردّت بإطلاق القنابل المسيلة للدموع.
وتجمهر عدد من الشبّان والشابات أمام دارة النائب فيصل كرامي في طرابلس، احتجاجاً على التشكيلة الحكومية الجديدة. وعمد محتجون في المدينة الى تحطيم واجهة مصرف credit national والصرّاف الآلي والباب الخارجي، ودخلوا اليه وعبثوا بمحتوياته، ثم قطعوا الطريق العام مقابل المصرف قرب مستديرة النيني.
كذلك حطّم محتجون آخرون واجهة بنك عودة والصراف الالي عند الاوتوستراد الرئيس الذي يربط المدينة بالميناء، فيما جابت مسيرات شعبية غاضبة الشوارع، وعمد المشاركون فيها الى تحطيم الاملاك العامة وبعض الاملاك الخاصة، وكل ما تَيسّر في طريقهم احتجاجاً على تشكيل “حكومة سياسية مقنّعة بتكنوقراط”.
واعتصم محتجون امام منزل وزير الاتصالات الجديد طلال حواط مرددين هتافات تطالبه بتقديم استقالته فوراً او مغادرة المدينة.
وترافق ذلك مع إقفال بعض الطرق اعتراضاً على طريقة تشكيل الحكومة، فقطعت الطرق في الزوق وجونية وجبيل بالاطارات المشتعلة.
كذلك قطعت الطرق في الجنوب، وتحديداً في صيدا والجية والناعمة. كما أُقفلت الطرق في تعلبايا وسعدنايل ومفترق المرج وجديتا ومفترق قب الياس ومستديرة زحلة ومفترق المصنع ـ راشيا. كما تمّ قطع السير عند مثلّث الفاعور في اتجاه رياق.