في خطوة غير مسبوقة، أطفئت أول من أمس الأضواء في استديوات «بيروت هول»، وفي مبنى «الإخبارية» (حيث تبثّ نشرات الأخبار ـــــ منطقة القنطاري) في قناة «المستقبل». هكذا، حجبت نشرة الثانية عشرة ظهراً، ونشرتا الظهيرة الرئيسية (الساعة الثالثة)، والمسائية ليلاً واستبدلت الأخيرة بحلقة سابقة من برنامج «تيلي ستارز».
وقد تبعها أمس إيقاف برامج الصباح («أخبار الصباح»، و«عالم الصباح»)، وحلّت حلقة سابقة من «بلا طول سيرة» مكان «عالم الصباح». للمرة الأولى، تشلّ القناة الزرقاء بهذا الشكل، فقد «ثار الجياع»! عبارة قد تكون ملائمة لوصف ما يحصل اليوم في القناة التي يملكها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. لقد طفح الكيل بعد نكث الإدارة بوعودها الكثيرة التي أسكتت بها أفواه الموظفين في أواخر شهر حزيران (يونيو) الماضي. إذ وُعد هؤلاء بالحصول على رواتبهم الكاملة في حزيران بعدما قبلوا بالتضحية بزملاء لهم، ضحوا بدورهم في هذه المؤسسة، وطردوا منها تعسفاً (اكثر من 50% من الموظفين)، «كرمال يقدر يكمل التلفزيون» وفق ما جاء في تسريب صوتي على تطبيق «واتساب» بلّغ به الموظفون قرارات الإدارة، وصعوبة أن يكملوا من دون التضحية ببعض زملائهم.
هكذا، قبل هؤلاء التسوية وقتها، وفكوا إضراباً طفيفاً، كان أشبه بخطوات تهديدية، تمثلت في تغييب نشرة الثالثة، وتأخير بث «عالم الصباح» لربع ساعة فقط، قبل موعد بدئه على الهواء. وقتها، تضامن الموظفون وكانوا يداً واحدة، في وجه الإجحاف الذي يحصل بحقهم منذ عامين، وحرمانهم من مستحقاتهم المالية، التي أودت بهم الى «الدرك الأسفل» كما جاء في بيان لهم أول من أمس. اليد الواحدة بين الموظفين، لم تصمد طويلاً أمام مغريات الإدارة، وأضحت أيادي متفرقة، عاد جزء منها اليوم ليعلن الإضراب، وشلّ القناة بشكل كامل، بعد إيقاف نشرات الأخبار، والبرامج المختلفة، الى حين تلقيهم رواتبهم الكاملة. ومرة جديدة، لم تف الإدارة بوعودها، حتى إنّها لم تستطع تنفيذ الخطة المجحفة التي أوهمت بها الموظفين بأن الأمور ستعود الى نصابها، ويستحصلوا على حقوقهم المشروعة. الإضراب الذي بدأ أول من أمس، واستمر في اليوم الثاني، سيستكمل تصاعدياً، ولن يثني هؤلاء شيء عن الاستمرار به.
إذ توجه المدير العام للقناة رمزي جبيلي أول من أمس، الى هؤلاء، طالباً منهم إمهال الإدارة حتى يوم الخميس أي اليوم، لكنّ الموظفين رفضوا أي مماطلة، وأي مفاوضات لا تؤدي الى تحصيل حقوقهم. إذاً تغيرت قواعد اللعبة، وبات الموظفون متشبثين أكثر من أي وقت مضى بشلّ القناة الزرقاء، والامتناع عن تغطيات إخبارية مباشرة، حتى ولو كان نشاطاً في «السراي الحكومي» كما حصل أمس، إذ أعطي البث لـ«تلفزيون لبنان. فصل جديد يكتبه هؤلاء بقوة قدرتهم على إضعاف الشاشة التي تأسست عام 1993، وتركت بصمة لافتة في حقبة التسعينيات، مرحلتها الذهبية، ليصار اليوم، الى تحجيمها وتغييب دورها، حتى السياسي منه والحزبي (ولا سيما في مقدمات نشرات أخبارها المسائية).
عامان من انتظار «الفرج»، والاستقتال من أجل الحق أفرزا مجموعة أزمات اجتماعية ومالية صعبة، رزح تحتها الموظفون وغرقوا بالديون، وبات السؤال الذي يطرحونه اليوم هو ما إذا كانوا سيسجّلون أولادهم في المدارس أو لا، إلى جانب المشاكل الاقتصادية، التي أودت بهم الى الجوع، نعم الى الجوع، والى عجزهم عن شراء ربطة خبز، كما قال لنا مصدر من داخل القناة. اليوم يثور الجياع على جلاديهم، ويطفئون بالقوة أنوار «بروجكتورات» لطالما كانت مضاءة، ويحجبون نشرات إخبارية لطالما كانت «المانيفستو» لتيار «المستقبل» وإحدى أذرعه الأساسية في حروبه الداخلية. فكيف ستنهي الأزمة؟ وبأي أثمان؟
**