كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: حملت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لبيروت ديفيد ساترفيلد إشارات سلبية عن مدى التزام العدوّ بالشروط اللبنانية. لبنان لن يقبل بغير تلازم مسارَي البر والبحر في ترسيم الحدود، وهو ما أبلغه الرئيس نبيه بري للموفد الأميركي، الذي غادر من دون تحديد موعدٍ للعودة.
هو السلوك الإسرائيلي الدائم، بالتراجع عن التعهدات وإيجاد الذرائع واختلاق الأكاذيب لأجل شراء الوقت وعدم التنازل للأعداء. ذلك السلوك، هو الذي يحكم سياق المبادرة التي يرعاها مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفد ساترفيلد، للبدء بمفاوضات غير مباشرة بين لبنان وكيان العدوّ لترسيم الحدود البحرية والبريّة مع فلسطين المحتلة.
طوال السنوات الماضية، كان امتناع العدوّ الإسرائيلي عن القبول بترابط البحث في مصير الحدود البرية والبحريّة، يقف عائقاً أمام انطلاق مفاوضات الترسيم غير المباشرة. وحين أتى ساترفيلد طارحاً مبدأ التفاوض، كان مدخل قبول لبنان بهذا المبدأ، مرهوناً بالتحوّل في الموقف الإسرائيلي نحو القبول بترابط مسارَي البر والبحر. وفي الوقت ذاته، عمل العدوّ، ولا يزال يعمل كلّ يوم، على فرض الأمر الواقع في النقاط اللبنانية الـ 13 المحتلة (المتعارف عليها في لغة “اليونيفيل” بالمناطق “المتحفَّظ عليها”)، وفرض سيطرته عليها بالقوّة كما حصل في منطقة عديسة ــــ “مسكافعام”. وهذا القضم التدريجي للأرض اللبنانية هدفه واضح، وهو التمهيد لنزع أوراق القوّة في البرّ من يد المفاوض اللبناني والاستفراد بالحدود البحرية، ولا سيّما النقطة “بي 1” (قرب رأس الناقورة) التي يرتبط بها الترسيم البحري ترابطاً عضوياً كونها نقطة التقاء الموج باليابسة.
قبل يومين، حمل ساترفيلد نقضاً كاملاً لكلّ ما قامت عليه مبادرته. فبحسب المعلومات، فإن الموفد الأميركي وضع المرجعيات اللبنانية بصورة رفض العدوّ الإسرائيلي التوقيع على اتفاق خطّي بتلازم مسار البحث في الحدود البرية والبحرية معاً. وإذا كان العدوّ الإسرائيلي يتراجع دائماً عن تعهدات مكتوبة، فكيف هي الحال إذاً في رفضه التوقيع على اتفاق من هذا النوع؟ ما يعني حتميّة خرقه، بما ينسف بالكامل أساس الفلسفة التي قام عليها قبول لبنان بمبدأ التفاوض.
الأمر الآخر الذي يرفض العدوّ التعهّد به، كما نقل ساترفيلد، هو وقف كامل للأعمال الأحادية على طول الخطّ الأزرق، الأمر الذي يطالب به رئيس مجلس النواب نبيه برّي. وبحسب المعلومات، فإن العدوّ عرض أن يوقف الأعمال الأحادية لفترة غير محدّدة، ولكن ليس على طول الخطّ الأزرق، إنّما في نقاط “التحفّظ” حصراً، الأمر الذي رفضه الجانب اللبناني رفضاً قاطعاً وأبلغ ساترفيلد بهذا الموقف. ويستغل العدو منذ أشهر القرار اللبناني بعدم التصعيد للقيام بأعمال أحادية مثل رفع الألواح الاسمنتية لاستكمال بناء الجدار على طول الحدود ونشر أجهزة التجسس وكاميرات المراقبة عليه، ورفع المناطيد التجسسية. وقبل أسبوع، نصب جيش الاحتلال برجاً تجسسياً على مقربة من نقطة الـ”بي 1″ غرب بوابة الناقورة، تشرف على كامل الطريق المؤدي إلى البوابة اللبنانية وعلى مركز قوات اليونيفيل الذي يستضيف اجتماعات اللجنة الثلاثية. وهي أرض لبنانية بالكامل، على الرغم من محاولات التعامل معها كمنطقة عازلة يمنع على الجيش اللبناني وضع نقاط عسكرية فيها، وهو الأمر الذي تجب معالجته أيضاً بالسماح لاستخبارات الجيش اللبناني، وفقاً لما كانت قد طالبت به، بوضع نقطة عسكرية لها على مدخل نفق سكّة القطار القديمة، بحيث يتمكّن الجانب اللبناني من مراقبة بوابة الناقورة ومعرفة وجهة الأشخاص الذين يعبرون آخر حاجز لبناني، وما إذا كانوا يدخلون عبر بوابة الناقورة أو يبقون في نطاق موقع اليونيفيل.
وكذلك الأمر، رفع العدوّ، قبل يومين، على مقربة من النقطة “أم 2″، سواتر اسمنتية يزيد عددها على عشرة سواتر (على شكل حرف T لاتيني مقلوب) استكمالاً للجدار داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وتوقّف قبل خرق الحدود.
ساترفيلد الذي غادر أمس إلى الأردن، على أن يزور الكيان المحتل لاحقاً ليوصل إلى العدوّ الموقف اللبناني، لم يحدّد موعداً جديداً لعودته إلى لبنان. في الوقت الذي نقل فيه أكثر من مصدر سياسي رفيع المستوى معني بملف التفاوض لـ”الأخبار” أن “الأجواء سلبيّة”، من دون أن تُنهي المصادر احتمال تحسّن ظروف المبادرة التفاوضية، إذا سار العدوّ بالشروط اللبنانية.
وفي مقابل التصعيد الإسرائيلي، يبدو أن القرار اللبناني بعدم التصعيد بدأ يتغيّر. إذ أكّدت مصادر عسكريّة رفيعة المستوى لـ”الأخبار” عزم الجيش اللبناني على نصب برج يحمل معدّات للمراقبة على الحدود، بين النقطتين “أم 1″ و”أم 2” (قرب الناقورة)، في مقابل البرج الإسرائيلي، في بقعة حرجية مليئة بالألغام والقنابل العنقودية. ومنذ يومين، يعمل الجيش على تنظيف المنطقة وشقّ طريق إلى المكان الذي ينوي نصب البرج فيه، وقد أنجز حتى الآن تنظيف ثلثي المسافة، على أن ينهي الثلث الباقي في اليومين المقبلين ليبدأ برفع البرج. ومن المتوقّع أن يعترض جيش العدوّ على إنشاء الجيش هذا البرج، بسبب حرصه على منع الجانب اللبناني من رؤية أي حركة عسكرية إسرائيلية في ما يسمّيه “المحور الغربي”، الممتدّ من رأس الناقورة حتى مدينة حيفا شمالاً. وهذا المحور بات العدو يوليه اهتماماً كبيراً منذ ما بعد حرب تموز 2006، لاعتباره أنه من أبرز الخطوط التي يمكن أن تسمح لقواته العسكرية بالاندفاع عبرها إلى داخل الأراضي اللبنانية في أي اجتياح برّي، واعتقاده بمحدودية قدرة رجال المقاومة على إيقافه، بخلاف ما حصل في وادي الحجير وسهل مرجعيون.