يشابه قرار رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب الجائر بشأن الجولان العربي السوري المحتل، في توقيته و أهدافه “وعد بلفور” الذي جسد لغة الاستعمار القديم، في صورة مشوهة للحقيقة تهدف إلى إعادة إحيائه مرة أخرى وبشكل يفسح المجال من جديد لكيان الإحتلال الإسرائيلي للسيطرة على أراضي الغير وتنفيذ خططه العدوانية ومشاريعه التوسعية التدميرية، والدفع لـلرضوخ لواقع الأمر “الترامبي” الجديد في فرض لغة الاحتلال دون الأخذ بالحسبان لقدم الهوية والانتماء إلى الأرض وسكانها الأصليين، وهو ما يسعى بنيامين نتنياهو لفرضه على الجولان العربي السوري المحتل، وسواه من الأراضي العربية المحتلة أو وربما ما ينوي احتلاله بغير وجه حق، في انتهاك سافر للقوانين والمواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة بخصوص هضبة الجولان المحتلة، عبر اعلان ترامب الأرعن الذي يوحي بوقاحة لإحياء مفاعيل «وعد بلفور» على جغرافية الاراضي العربية، وإنجاز “صفقة القرن” وسيطرة الكيان الغاصب من منطلق فائض القوة والدعم الأميركي اللامتناهي له!.
الجولان العربي السوري المحتل أرض عربية سورية، وانتماؤه العربي أصيل لا و بل قديم قدم التاريخ والجغرافيا، أي قبل ظهور الكيان المصطنع في فلسطين المحتلة بكثير، وقبل نشوء الولايات المتحدة الأميركية أصلاً، وما خرج به ترامب في إعلانه المشبوه و الباطل، لا يساوي حتى قيمة الحبر الذي كتب فيه؛ فحقيقة التاريخ والجغرافيا؛ وتمسك ابناء الجولان بأرضهم؛ تؤكد سورية الجولان هوية وانتماء، برغم محاولات حكام الكيان الإسرائيلي الغاصب المتكررة لـ”ضمه” منذ حزيران عام 1967 من القرن الماضي إلى ما اغتصبوه من أراضٍ عربية، بقي الجولان العربي السوري المحتل بأهله السوريين الشرفاء والمناضلين متشبثين بأرضهم يقارعون محاولات الكيان الصهيوني الخبيثة و المتأرجحة بين الاحتلال والتهويد! .
و منذ احتلاله مرتفعات الجولان وما يحيط بها من قرى ومزارع لم يتوقف الكيان الإسرائيلي الغاصب عن ممارسة همجيته المعهودة بحق اهلنا الصامدين في الجولان المحتل الذين يقارعون كل يوم اساليبه العدوانية ولا يزالون متشبثين بأرضهم ومتمسكين بهويتهم الوطنية وانتمائهم لوطنهم الأم سورية؛ في حين لم يترك العدو الصهيوني أي أسلوب أو وسيلة لـضم الجولان والسعي لنزع اعتراف دولي له بذلك، بخلاف حقيقة التاريخ والجغرافيا والهوية والانتماء العربي السوري والتي أكدتها القوانين والمواثيق الدولية و القرارات الأممية، بيد أن محاولاته بقيت عبثية بالرغم من اتباع منهجيته الاحتلالية التي تعتمد على الاستيطان غير المشروع، حيث قام ببناء وحدات استيطانية استوطنها أكثر من 20 ألف صهيوني هيمنوا على أملاك وأراضي الجولانيين الذين هجرتهم العصابات الصهيونية بلغة القتل والترهيب والتعذيب.
لقد بقيت “اسرائيل” وكيل الإدارة الأميركية المتقدم في المنطقة تتحين الفرصة مستغلة الأوضاع الدولية والاقليمية المضطربة على وقع نيران “الربيع العربي” لتمرر أهدافها ومشاريعها العدوانية والتدميرية، واستمرت بنفخ النار في تردي الأوضاع في مختلف البلدان العربية بالتعاون مع الأنظمة الرجعية في دعم التنظيمات الإرهابية المسلحة مثل “داعش” و “جبهة النصرة” لتدمير بنيان الدول العربية المناهضة لمشروع “الشرق الاوسط الكبير” وفرضه على المنطقة والهيمنة على مقدرات الدول العربية واستعباد شعوبها، وعندما أسقط معسكر الممانعة و المقاومة هذا المشروع التآمري والتدميري وقضوا على التنظيمات الإرهابية التي وظفتها واشنطن وربيبتها “إسرائيل” وحلفاؤهم المتآمرون والرجعيون لخوض حربهم التكفيرية بالوكالة على دول وشعوب المنطقة، عاود المتآمرون من جديد لطرح مشاريعهم التوسعية من بينها “صفقة القرن” وغيرها من المشاريع الصهيونية ويبدو أن تحركهم المشبوه لـ “ضم” الجولان السوري المحتل جزء منها؛ وذلك بهدف إنشاء “منطقة عازلة” يستخدمها العدو الإسرائيلي في أي تحرك له ضد سورية!
مما لا شك فيه؛ إن الجولان العربي السوري المحتل، وبصرف النظر عن الأطماع والمشاريع الصهيو – الأميركية يتمتع بموقع استراتيجي يشرف على فلسطين المحتلة من الناحية الشمالية الشرقية وعلى الجنوب السوري إلى تخوم العاصمة دمشق، ناهيك عما يمتلكه من أراض خصبة وثروات مائية وباطنية والتي كان لها ولسواها من عوامل تزيد من أهمية هضبة الجولان المحتلة، فكل ذلك شجّعت أطماع العدو الصهيوني فيه واستماتته لمحاولات “ضمها”، ولم يتوقف عند ما اتخذه من إجراءات سابقة من احتلال وتهجير واستيطان، وإنما عمل على “شرعنة” احتلاله من خلال إقامة ما يسمى “مجالس محلية”، وتوزيع بطاقات هوية تضم الجنسية الصهيونية في سبعينيات القرن الماضي جوبه برفض قوي من أهلنا المتشبثين بأرضهم في الجولان المحتل في قرى «مجدل شمس- بقعاثا- عين قنية- مسعدة» عبر ما بات يعرف بالوثيقة الوطنية، ثم عاود وبشكل غير مسؤول وغير قانوني و”قرر” عبر الكنيست 14 كانون الأول من عام 1981 “ضم” الجولان فيما سمي آنئذٍ بـ “قانون الجولان”، بيد أن المجتمع الدولي أدان الإجراءات الإسرائيلية الأحادية الجانب بخصوص الجولان المحتل ولم يعترف بها، ورفضها مجلس الأمن الدولي بالقرار 497 في 17 كانون الأول من العام نفسه، لأن الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة، لذلك فإن كل إجراءات كيان الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة بما فيها بشأن الجولان العربي السوري المحتل ملغاة وباطلة جملة وتفصيلاً.
وفي ظل الظروف الدولية ومع تردي الأوضاع التي تمر بها المنطقة، نجح نتنياهو من خلال استجدائه الرئيس الأميركي ترامب ليعلن قراره المشؤوم في سابقة دولية خطيرة، قوبلت برفض دولي واسع وسط تحذيرات من تداعيات القرار الاميركي الخطر الذي يهدد الأمن والسلم العالميين، والذي استغلته الحكومة الاسرائيلية مباشرة في خطتها الاحتلالية الجديدة التي تسعى من خلالها تكثيف الاستيطان في هضبة الجولان المحتلة عبر بناء عشرات آلاف الوحدات الاستيطانية لاستيعاب 250 ألف مستوطن جديد بحلول عام 2048.
لقد أراد الرئيس الأميركي الهروب إلى الأمام بقراره الجنوني إياه، وربما لن يكون آخر انتهاكاته للقوانين والمواثيق والعهود الدولية، فسبق أن أصدر قراراً يعترف فيه بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» ونقل السفارة الأميركية إليها، لذلك شكل الإعتراف الأميركي الباطل بـ “السيادة الإسرائيلية” على هضبة الجولان حدثاً مفصلياً في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، وضربة قاسية لما يسمى “عملية السلام” في المنطقة، وتهديداً للأمن والسلم الدوليين، وهو قد جاء بعد سلسلة الهزائم المتكررة للولايات المتحدة ومشاريعها الإرهابية في المنطقة أمام انتصار الجيش العربي السوري الكبير على التنظيمات التكفيرية المسلحة التي خاضت حروبها الإرهابية بالوكالة على شعوب ودول المنطقة.
يعترف الخبراء الإستراتيجيون، أن حقبة الهيمنة الأميركية كقوة عسكرية كبرى، واقتصادية هائلة، ليست قدراً، يسير على هواه… فعودة روسيا الاتحادية إلى الساحة الدولية كقوة عسكرية، والنمو الهائل في الاقتصاد الصيني؛ والدور الصاعد للجمهورية الاسلامية في ايران؛ فضلاً عن صعود محور المقاومة كقوة لا يستهان بها على الساحة الإقليمية؛ كلها عوامل جدية من شأنها أن تحد من الإندفاعة الأميركية المتهورة تجاه المنطقة وتحديداً تجاه سورية التي تواجه بعد انتصارها على الإرهاب لاختبارات قوّة قديمة – جديدة!
**