شهامة التاريخ تبدو اليوم أكثر وضوحاً وهو الشاهد الحي، ميدان اللحظة الراهنة هو مدينة إدلب وما حولها في الرؤى لواء إسكندرون السليب ونستحضر الذكرى وهي ماثلة حية تعيش في فكرنا ولم نفرط يوماً بحبة تراب.
نحن أبناء هذه الأمة العربية والإسلامية أبتلينا بالكثير من الصعاب والمحن، وأكثر من ذلك تحوّلت أرضنا الى ساحات للصراع الإقليمي والدولي معاً، وللأسف هان البعض عليه ودخل في لعبة قديمة عمرها أكثر من مئة عام (سايكس – بيكو وما تلاها) وهي اليوم تتكرّر ولكن بصورة هزلية وطرق مبتكرة.
يتم استهداف كل مواطن شريف في هذه الأمة لأنه متمسك بأرضه وعرضه وكرامته، ولأنه يأبى الإستسلام لمشيئة الأعداء، وثبت مدى صوابية بوصلة المقاومة وتمسكها بكل الحقوق رغم جبروت الأعداء، وتظل قضايا الأمة حاضرة وبقوة.
نحن في الفصل الأخير من المؤامرة الكونية التي استهدفت سوريا قيادة وشعباً وأرضاً، كما تستهدف روح المقاومة في أمتنا، لكن الأعداء وأدواتهم ومرتزقتهم فشلوا في تحقيق مأربهم، واليوم يجتمع التاريخ والحاضر معاً في مدينة إدلب وهي في جغرافيتها عبارة عن صفحة سهلة القراءة لأنها جارة لواء اسكندرون السليب.
في وصف الحالة الراهنة، نعود الى القمة الثلاثية التي جمعت الرؤساء (الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان) في طهران في السابع من أيلول الجاري، حيث تركزت الخلافات الروسية – التركية حول الفصائل المسلحة التي ترعاها تركية وتريد بقاءها وعدم المساس بها لاستخدامها كورقة لاحقة، لكن الرئيس الروسي بوتين أصرّ على “ضرورة القيام بعمل عسكري لإنهاء تواجد “النصرة” والتركستان في الشمال السوري”، وقد أعطت روسيا مهلة للقضاء عليهم ومتوعدة في حال لم يتم الأمر بأنها ستتدخل عسكرياً مع الجيش السوري للقضاء على كل تواجد مسلح في إدلب دون تمييز بين الفصائل هناك.
لكن الجانب التركي مازال يراوغ ويناور ويحاول كسب المزيد من الوقت وعينه على حليفه الأميركي، وعمل التركي على إبلاغ الفصائل التي يرعاها “أن احتمال قيام روسيا والجيش السوري بعملية عسكرية في إدلب مازال قائماً، وفي حال وقعت معركة فإن أمورهم ستختلف عن السابق، وسيتم مساعدة كل الفصائل في تقديم السلاح والذخيرة دون الكلام عن دعم عسكري مباشر”، وأعلمت تركيا أولئك “أنه في حال الإتفاق مع روسيا وإيران على حل سياسي وعدم حصول معركة عسكرية، عندها ستتولّى تركيا ملف إدلب وسوف تكون أول خطوة تقوم بها أنقرة هي الضغط على “النصرة” و”حراس الدين” لحل أنفسهم”، هذا يعني استمرار الحالة كما هي وكسب الوقت لفرض أمر واقع كما يريده التركي!.
وبينما يتقلّص هامش المناورة أمام أردوغان، وهو يحاول الإستعانة بأوروبا للضغط على روسيا وسوريا لإيقاف عملية تحرير إدلب، وهو يدرك تماماً أن إدلب مرتهنة من جانب مجاميع إرهابية شارك هو أيضاً في صناعتها ورعايتها ودعمها، والأمر الواقع في هذه الحالة لا يؤدي إلا الى المزيد من توسع الإرهاب في المنطقة كلها.
وفي المقابل هناك في تركيا مَن يقرع جرس الإنذار لأردوغان، وما قاله زعيم المعارضة التركية كليجدار أوغلو: “فيما يخص الأزمة الحاصلة في محافظة إدلب، على حكومة أردوغان الجلوس الى طاولة الحوار مع حكومة دمشق دون تضييع الوقت، فالرئيس الأسد ربح الحرب في بلاده، والحديث معه سيحقق منافع كبيرة لتركيا، وعلى تركيا عدم معاداته والتواصل معه”.
وبالتوازي لا يمكن فصل الرسائل الدموية الأميركية الأخيرة عن حقيقة ما يجري في واقع الميدان إذ سقطت جميع الأهداف الأميركية في الحرب التي شُنّت على سوريا ولم يبقَ إلا الفاصلة الأخيرة والأهم إدلب، وهذا الأمر أزعج الأميركي وأفقده صوابه، وبدأ يعمل بكل السبل لعرقلة عملية تحرير إدلب.
وهدف التهويل الأميركي لإرسال رسائل دموية مثل الهجوم الوحشي الذي استهدف منطقة السويداء بأدوات داعشية ودعم ومساندة القوات الأميركية في منطقة التنف، وأيضاً قيام عصابات مسلحة من ميليشيا الأشايس في القامشلي من الإعتداء على مجموعة من الجيش العربي السوري ولا يمكن فصله عما يجري في إدلب.
وعن أهداف واشنطن في سوريا والتي سقطت جميعها، أوضحها وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع مجلة “inter affairs” وأعلن: “أن هدف الولايات المتحدة في سوريا هو السيطرة على جميع أنشطة البلاد لصالح الكيان الإسرائيلي، وأن الأهداف الأميركية ليست أميركية بحتة، في الواقع هي أهداف إسرائيلية تنفّذها الولايات المتحدة في سوريا، وأن واشنطن لا تريد أن تكون سوريا الدولة الرئيسية لمقاومة “إسرائيل” ولا تريد أن تقيم علاقات استراتيجية مع إيران وروسيا”، وشدّد الوزير المعلّم على “أن الولايات المتحدة تسعى لجعل سوريا واحدة من أدوات السياسة الخارجية الأميركية بموافقة “إسرائيل”.
كل المؤشرات تؤكّد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عاقد العزم على شنّ هجوم لتحرير إدلب جنباً الى جنب مع الجيش السوري، وتخليص إدلب من الإرهابيين، وهو يرى في الإقتراح التركي بوقف إطلاق النار بأنه يخدم الإرهابيين ويوفر لهم الحماية.
وفي تركيا يرتفع صوت المعارضة التي تطالب بوضع خارطة طريق لحل الأزمة في إدلب وإنهاء وجود المنظمات الإرهابية والعودة الى الإتفاقيات السابقة مع الحكومة السورية، خاصة إتفاقية أضنة 1998 بين سوريا وتركيا.
ما يمكن قوله، الإجتماع الثالث لقادة الدول الضامنة لعملية السلام في سوريا، لم يحقق أي اختراق حقيقي ومكانة قراراته مازالت موضعية في إطار الإتفاقات الثنائية بين تلك الدول، ومن الأهمية رفع مكانة القرارات الى مرتبة نهائية وهذا يتحقق مع تحرير إدلب.