لم تخرج مسألة تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري عن المألوف بعد، في ما يتعلق بالمدة الزمنية، فغالبية الحكومات السابقة كانت تستغرق أسابيع وأشهراً قبل ولادتها بسبب طبيعة التوازنات السياسية التي تحكم البلد، وبفعل المحاصصات الطائفية التي تمسك بعنق الحقائب الوزارية ولطالما كانت الحقائب “السيادية” هي السبب الرئيسي في تأخير تشكيل الحكومات السابقة، وهذا بالطبع إن دلّ على شيء وإنما يدل على الخلل السياسي وغياب نظرية الموالاة والمعارضة في الحكم، فضلاً عن التدخلات الخارجية التي تنعكس على عملية تشكيل الحكومة التي لا يتطلب أمر تشكيلها سوى يوم أو يومين في البلدان المتقدمة وغير المتقدمة في بعض الأحيان.
وبالرغم من المفاوضات والمشاورات التي تجري بين رؤساء الكتل النيابية لتدوير الزوايا وتجاوز المطبات والعقد الحكومية فإن عملية التأليف مازالت في علم الغيب بمعنى أن جميع الجهود المبذولة منذ أن كُلّف الرئيس الحريري تشكيل حكومته العتيدة، لم تستطع إحداث أي خرق في جدار شروط تولي الحقائب التي وصلت في بعض جوانبها الى شروط تعجيزية تحتاج الى معجزات لحلها على شاكلة ما هو حاصل بين كتلة اللقاء الديمقراطي والنائب طلال إرسلان.
صحيح أن أي مفاوضات تجري لحل أي عقدة حكومية تترافق مع رفع أسقف المطالب للأطراف المعنية للحصول على حصص وزارية، وتنتهي الأمور في نهاية المطاف على اعتراف هذه الأطراف بأحجامها التمثيلية لتجاوز الحائط المسدود.
إلا أن ما هو حاصل اليوم لا يوحي بأن طلال إرسلان، أحد أطراف النزاع الحكومي، في صدد الإعتراف بحجمه التمثيلي الضعيف بالنسبة لعدد الأصوات التي نالها، والتي كشفت عن مدى تراجع “زعامته” في الجبل التي لامست حدود الإندثار لولا التقليد الجنبلاطي في منحه “مقعداً شاغراً” يضمن وصوله في كل مرة الى الندوة البرلمانية، بل العكس صحيح، فإن إرسلان يضع أصابعه على الزناد وراء متاريس من المطالب “الباسيلية” والتي تحتاج الى مقاربة هادئة وحكمة وإلا فإن مشوار التأليف قد يتأخر، فيما البلد مقبل على أزمات معيشية واقتصادية سوف تنعكس بالطبع على أوضاع اللبنانيين.
ففي الوقت الذي يحسم فيه رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الجدل في ما خص الحقائب الوزارية الثلاث لمصلحة حزبه في حال كانت الحكومة ثلاثية يتمسك إرسلان بمطلب ضرورة توزيره من حصة كتلة ضمانة الجبل، وهو أمر غير مألوف في عالم السياسة لكنه يعكس بالطبع حجم التقهقر السياسي عند إرسلان وتراجع تمثيله الشعبي والتي جاءت تكشفه أرقام الإنتخابات في الجبل.
وإذا كان هذا المناخ الدرزي المعقد هو الذي يحكم المشاورات الجارية بشأن التأليف فإن عملية التفاوض الرامية الى حصول حل في نهاية المطاف تبقى الحل الأنسب مهما كانت أحجام المسائل الخلافية، فما يبقى الفيصل في هذا المجال النتائج التي أفرزتها الإنتخابات النيابية عند عملية التأليف وتوزيع الحقائب.