حاورته هدى مطر – خاص الموقع
في ظل انهيار المشروع الأميركي في المنطقة، وانهزام أدواته الأكثر فاعلية في الشام والعراق، وفي ظل تتالي انتصارات الجيش العربي السوري ونظيره في العراق، وفي ظل تبلور تحالفات جديدة إقليمية ودولية تصب في خانة واحدة عنوانها الوقوف ضد الإرهاب بكافة أشكاله، نرى السعي المحموم للأميركي المهزوم في البحث عن أوراق اعتماد جديدة تبقيه في المنطقة أو على الأقل تؤمن له ما يمكن أن يفاوض ويساوم عليه في انسحابه من المنطقة والذي بات أمراً محسوما، لذا نراه ينتج ملفات جديدة أو يعيد إنتاج ملفات سابقة تحت عناوين جديدة أبرزها الملف الإنساني الذي يلوّح به في الغوطة اليوم، وتخرج مندوبته “نيك هيلي” مهددة من على منبر مجلس الأمن بإمكانية توجيه ضربة عسكرية لسوريا في القادم من الأيام.. وعلى صعيد متصل يتابع النظام التركي عدوانه على الشمال السوري متمثلاً فيما أسماه “غصن الزيتون”، وبين اعتداءين تقف سوريا صامدة بجيشها وشعبها وقائدها، وبدعم من حلفائها تصد العدوان تلو العدوان وتؤكد أن لا بقاء لمحتل على شبر واحد من أراضيها.
حول تطورات الميدان السوري ونحن نشارف على آذار ثامن أرادوه أصفر كخريف مشاريعهم، وأرادته سوريا كما عهدنا به بعث ونصر يزهر به التراب السوري من أقصاه إلى أقصاه، وتترجمه غوطته العائدة إلى شامها مرفوعة الجبين مكللة بالغار والياسمين… حول كل هذه التطورات أسئلة نحملها إلى الكاتب والمحلل السياسي أمين سر مجلس الشعب خالد العبود في لقاء هنا نصه:
إنهيار المشروع الأميركي بات أمراّ واقعاً، لكن كيف نفهم الممارسات الأميركية رغم هذا الإنهيار؟
الأميركي لم يستطع أن يحقق أهدافه الاستراتيجية من خلال العدوان على سوريا، بل فوجئ بعد سنوات من العدوان بأنه أمام حائط مسدود تماماً ومرحلة جديدة مختلفة عن السابق تتجلى بأكثر من مظهر أولها: نشوء خارطة إقليمية جديدة عنوانها حلف المقاومة وهذا الحلف ذاته ينجز خارطة ميدانية تضع قواعد اشتباك جديدة مع كيان الاحتلال الصهيوني.. وهذا يعني أن مصالح الولايات المتحدة التاريخية أصبحت مهددة.
ثانياً، هناك خارطة دولية جديدة يراها الأميركي تتشكل لمواجهة الإرهاب تضم الروسي والإيراني بمشروعية من الصيني إلى جانب بعض القوى الأخرى.. وهذا يعني في السياسة وفي تأثير المصالح أن هذه الخارطة الإقليمية وفّرت غطاء لإعادة إنتاج تشابكات اقتصادية ومصالح جديدة لقوى كبرى على مستوى الإقليم الأميركي فيها ضعيف، والرئيس السابق “أوباما” وقف أمام هذا الجدار وسلم بهذه الحيثية، كذلك جاء “ترامب” من هذه الخلفية ولم يكن لديه مشكلة مع “النظام” في سوريا وهو مَن قال إن “داعش” شكلتها “كلينتون” والإدارة الأميركية..
ألا تظن أن ذلك كان عرضاً انتخابياً بدليل تخليه عما أعلنه في الحملة وعودته إلى حضن الصقور؟
ما حصل هو أن المؤسسات الأساسية الرئيسية في الإدارة الأميركية تحركت لإعادة “ترامب” لأجندتها، فالإدارة الأميركية لها مفاتيح أساسية وجذور ومصالح استراتيجية، تحركت هذه المؤسسات وأمسكت بـ “ترامب” وأعادته للمكان الذي تريده.. وذكرته بمصالح أميركا في المنطقة التي فقدت من خلال “أوباما”، ومهمة “ترامب” هي تأمين هذه المصالح. فأميركا ليست كما السابق وهي في موقع لا تحسد عليه، والإسرائيلي كذلك فشل في ما كان معولاً عليه بأن تصبح سوريا من الماضي، ومن ثم هناك حلف يكبر في المنطقة وأحدث تشابكات إيجابية لجهة جغرافية معينة، وولّد قواعد اشتباك جديدة ستهدّد الكيان الصهيوني فيما بعد وهو جزء من الإدارة الأميركية.
ما الذي تستثمر فيه أميركا إذا؟
إنها تبحث عن ملفات سابقة تعيد إنتاجها من جديد بـ “أجندة” جديدة من أجل الحصول عليها أو أقله تمكنها من المقايضة.. ومن هذه الملفات النووي الإيراني والكيماوي السوري، لذا أعاد “ترامب” النظر بالإتفاق النووي مع إيران وطالب المجتمع الدولي برفضه. كذلك الأمر بالنسبة لملف القدس، عنوان قديم أعاد فتحه وشكّل منه ملفاً جديداً من أجل المقايضة عليه، فكلها ملفات اشتباك حتى لو كان اشتباكاً ناعماً ..
كيف قابل حلف المقاومة ملفات الإشتباك هذه؟
إننا نعمل أكثر من الأميركي بأضعاف المرات، ونحن مَن وضعنا الأميركي بهذه الخانة، ففي الملف النووي، الإيراني ورّط الأوروبي باستثمارات بمليارات الدولارات، لذا اختلف الأوروبي مع الأميركي في هذا الملف ولم يوافق على طلباته ولم يوافق لأن ما قدمته إيران من إغراءات اقتصادية ومصالح تجعل الأوروبي عنيداً في رفض مطالب الإدارة الأميركية.. عكس الكيماوي السوري الذي يعتبر ملفاً جامداً لا يصرف له ثمن، لذا تماهى الموقف الأوروبي مع الأميركي من أجل التضييق على الروسي ليضغط بدوره على حليفه السوري.
مقابل ماذا؟
مقابل خروج “حزب الله” والإيراني من الجغرافية السورية، بما يعنيه ذلك من مبدأ المقاومة، فإسقاط النظام، – ولا نصف الحكومة الجديدة ولا تعديل دستور – لأن سورية بمفرداتها الحالية أصبحت مطلباً دولياً وإقليمياً ليس حباً فيها إنما لأن خارطة المنطقة لن تستقر بشكلها الكلاسيكي التاريخي دون وجود الدولة السورية..
وبعد سلسلة العمليات في كل أنحاء سوريا ووصول الجيش إلى الغوطة حيث بدأ النصر الساحق يتبلور كما نصر حلب سابقاً، نصر جرّد الأميركي أدواته، الأمر الذي يعني أن الأميركي يمشي من ضعف إلى ضعف…
هل معركة الغوطة اليوم منتهية ومحسومة، أم أننا قد نشهد تراجعاً أو إيقافاً للعمليات القتالية وفقاً لقرارات مجلس الأمن؟
الغوطة كداريا، كالزبداني، كأحياء شرقي حلب، كخان الشيخ، السنياريو ذاته واجتماعات مجلس الأمن لن تؤثر.. فمجلس الامن يتذرّع بأمر منتهٍ، والعنوان الإنساني عند الغرب والأميركي غب الطلب، يُصرف حيث المصالح الغربية بالضغط والمقايضة ومع ذلك لن يثمر.. لذلك نحن أمام حالة اشتباك وأنهينا حالة الفوضى الأساسية التي كان يعوّل عليها ولم يبقَ لديه إلا مجموعة من الملفات التي سيعيد إنتاجها من أجل المقايضة عليها وصرفها في تسويات المنطقة.
هل لا زال هناك ما يقايض عليه؟
ذهب الأميركي إلى شرق الفرات حيث هناك برأيه المكون الكردي، هذا المكون وثق “بترامب” وذهب باتجاهه فدُرّب وسُلّح ومُوّل، ولكنه بدلاً من أن يؤثر على السوري أثر على التركي، فالأميركي في العنوان الكردي على نقيض مع أنقرة، لكن في الأهداف البعيدة تركيا مكون أساسي من مكونات حلف “الناتو”، وكذلك “الإخوان” هي عامل أساسي للمشروع الأميركي في المنطقة.
هل من الممكن أن نشهد مواجهة مباشرة مع التركي والأميركي في شمال سوريا؟
الدولة السورية ستردّ، ولكن ليس بأدواتها المباشرة، هناك احتلال مباشر ودولة غير مستقرة، وبالتالي على كل الشعب السوري ومَن يستطيع حمل السلاح أن يواجه هذا الإحتلال وسندعمه بالطريقة المناسبة..
في الوقت الراهن ليس من صالح سوريا أن يكون هناك اشتباكاً مباشراً، ولكن لن نسمح له بالبقاء بمتر واحد.. التركي يريد سلّته بلا عنب ويبحث عن انتصار تحت أي عنوان.
بصراحة هل دخول عفرين تمّ بتسوية روسية – تركية – إيرانية، وغض نظر من السوري لتمرير عملية الغوطة؟
للوهلة الأولى قد تبدو الأمور كذلك لكن الحقيقة ليست كذلك أبداً.. نعم هناك توافقات بين التركي والروسي والإيراني، لكن مَن يقول بتوافق سوري لا يفقه من السياسة شيء، إن ما يتم دليل جديد على براعة المخطط السياسي والعسكري السوري: فسوريا عندما خرجت من الشمال تعلم جيداً بأن ثمة مكوّن كردي سيشتغل على الوضع، لكن مع الدولة مفاتيحاً هي تضبطها، إنها براعة الدولة السورية في الإشتغال على الجغرافيا وتفخيخها بما يناسب مصالحها، وهي مَن ورّطت التركي والأميركي في الشمال والشرق السوري وكذلك ورّطت الأردني جنوباً..
فالحرب خدعة، وسوريا تعرفهم جيدا… فماذا لو انتقل القرار السياسي والعسكري إلى عفرين لمواجهة ما يجري، سيكون مسلحي تلك الدول وإرهابييها قد وصلوا إلى دمشق..
ما جرى أن سوريا قد ورطتهم على حدودهم وشاغلتهم هناك. ولكن تسمح للنظام التركي ولا لغيره بسحبها إلى عناوين يريدها الآخر لتجد الدولة نفسها في أولوية وضعها الآخر وليست خيارها، الأصح أن نبعث بأداة رديفة للجيش تشاغل المحتل وتستنزفه بينما تحقق الدولة أهدافها الرئيسية..
هناك شبه إجماع على فشل المشروع الأميركي، كيف نفسر استمرار الخليج بالإستثمار بالأميركي؟
لو تمعنا بالنظر سنجد أن ابن سلمان هو ناتج هزيمة الأميركي في المنطقة، والجميع يعرف ان أميركا منهزمة.. ولو كان عكس ذلك لكنا رأينا منظومة الخليج ومعها العديد من دول النظام العربي تقبل الأحذية الصهيونية، ولكنّا رأينا قادة “الإخوان” قد زاروا “تل أبيب” علناً.
ماذا نقول عن صفقة القرن إذن؟
لقد تحولت الصفقة من صفقة قرن إلى مشروع يستثمر فيه “ترامب” ولم يعد بإمكانهم تمرير مشاريع كبرى.. الصفقة موجودة كعنوان، ولكن لنسأل أين حماس والتي تعتبر أساسية في هذه الصفقة؟ ألم تعد إلى الحضن الإيراني؟ كذلك أين هو دور مصر؟ هل يستطيع السيسي أن يقول للفلسطيني تعال وابنِ دولتك في سيناء؟.. كانت ستفضح حماس وقطر الضالعة الرئيسية في هذه الصفقة.
لكن كيف نفسر هذه الهرولة الى التطبيع؟
نعم الإصطفافات لازالت كما هي، ولكننا لا نرى دولة البحرين ولا قطر ولا الكويت، فكلها لا تساوي مدينة في الجزائر.. الملك المغربي لا يمكن أن يقود حملة تطبيع اليوم، لكن لو مرّ المشروع الأميركي لأصبح محمد السادس فاتحاً يقود عملية التطبيع مع “إسرائيل”، وكذلك ملك الأردن كان قادراً على فعل أشياء كثيرة، لكنه وفق المشهد الحالي لا يمكنه الإعتراف بالصفقة ولا يمكنه أن يقول أريد الذهاب الى العناوين التالية.
الحلف المقاوم حول صفقة القرن إلى محاولة اصطفاف جزء من النظام العربي الرسمي الى جانب الاسرائيلي ضد الإيراني بالإسم.. وإلا كيف نقرأ هذا التناقض والخصام بين مكونات الخليج.. وكيف تقرأ التواصل من تحت الطاولة بين الإمارات وسوريا وهناك رسائل تؤكد وقوفها الى جانب دمشق… كذلك رسائل ابن سلمان من تحت الطاولة لـ “بوتين” ليساهم في تنصيبه على العرش، كل ذلك دلائل على هزيمة المشروع الأميركي.. وتذكري قول الرئيس بشار الأسد: “إنهم قادمون من أجل إعادة إنتاج الشرق الأوسط الجديد الذي يناسب مصالحهم ونحن نعدهم بأننا سنعيد إنتاج الشرق الأوسط الذي يناسب شعوب المنطقة.
ماذا عن القدس وهي لب الصراع وماذا عن الموقف الروسي؟
القدس هي لب الصراع المحموم اليوم، كانت ذاهبة إلى حل يناسبهم، لكن محور المقاومة عطّل هذا الحل. ويعمل على أخذها لحل يناسبنا.. والروسي لا يستطيع أن يؤثر في موضوع القدس، ولا يستطيع أن يدفعك ولا أن يمنعك من تحرير القدس..
بمعنى أوضح هل نستطيع التصرف تجاه “إسرائيل” بغض النظر عن الروسي؟
الآن لا يمكننا ذلك، لأن الروسي موجود في الجغرافيا وسوريا لا تريد إحراج حليفها الروسي في الإقليم الذي يفهم مصالحه جيداً، لكن إذا “الإسرائيلي” شن العدوان فأننا نطالب بالدفاع والرد بغض النظر عن الروسي، لذلك حلف المقاومة يتشهّى أن يكون هناك اعتداء مباشراً من “إسرائيل”، لذلك هي تحسب ألف حساب، بل لم تعد تسطيع أن تشن هذا الإعتداء ضمن تغيّر قواعد الإشتباك والجغرافيا، وهذا هو الزحف الاستراتيجي عليها: فمهمة سوريا الطيران، ومهمة “حزب الله” الأهداف البحرية، ويبدأ التضييق عليها لدرجة الإختناق.. وهنا نفهم زيارة “نتنياهو” إلى روسيا، أنه يريد خروج “حزب الله” والإيراني من الجغرافيا السورية، ولا أحد يستطيع تحقيق هذا المطلب له، فالعجلة لن تعود الى الوراء، وقواعد اشباك جديدة قد وجدت.
ماذا عن التلويح بضربة أميركية؟
الأميركي ليس أمامه سوى خيار واحد وهو الإحتكاك بنا، والضربة واردة كما حصل في مطار “الشعيرات”، والروسي سيرد على هذه الضربة، ولكن دون أن يدعها تتدحرج الى حرب.. الروسي يستثمر في صمود حلف المقاومة، فليست الصواريخ الروسية هي التي أمّنت وجوده في المنطقة إنما الصمود السوري.
**