لا بدّ من إطلالة على التاريخ، لفهم اللحظة الراهنة التي تمرّ بها المنطقة، ونحن أصحاب المصلحة الحقيقية، ولا أحد يملك القدرة على تقرير مصير المنطقة والتحكم فيها.
وفي زحمة الأحداث والتحديات الراهنة، وبين أمجاد الماضي، نستلهم ذكرى حرب تشرين التحريرية 1973، ومرحلة الإعداد ولحظتها التاريخية والأهم الجهود العظيمة التي بذلها القائد الخالد الرئيس حافظ الأسد، هو الذي كرّس حياته لبناء الوطن وتأمين مستلزمات الصمود والتصدي، لمواجهة العدو الصهيوني، وكان حاضراً على الصعيد العربي والدولي، وعمل على إرساء توازن استراتيجي في الإعداد وبناء قوة عسكرية أساسها بناء الإنسان القادر والواعي خدمة لمعركة البناء والتحرير.
وأهم ما يميّز نتائج حرب تشرين 1973، أثبتت أن الإنتصار ممكن عندما تتوفر القيادة الحكيمة والشجاعة والتخطيط والرؤى الإستراتيجية، وثبت أيضاً “أن مقولة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر أصبحت مقولة فارغة”، “وأن التحالف الأميركي – الإسرائيلي حقيقة واقعة، وأن الرؤى الإستراتيجية الناضجة يجب أن تأخذ هذا الأمر بالإعتبار”.
وبعد أسبوع من إندلاع الحرب، قالت صحيفة الغارديان البريطانية “إن الأسطورة التي دامت ربع قرن قد إختفت و”إسرائيل” معتبرة الآن ونهائياً، كشيء لم يعد منيعاً ويمكن الإنتصار عليه”.
ويومها قالت صحيفة “الدايلي ميل”: “لقد حطمت الحرب الرابعة “الوضع الراهن” العزيز على قلوب الإسرائيليين، وتلقى المجتمع الإسرائيلي صدمة عنيفة، وأصيبت معنوياته بهزة زلزالية”.
واعترف الصهاينة: “أن التشاؤم والكآبة والقلق بات يسود الإسرائيليين ويهود العالم على السواء، نتيجة تحطم نماذج ومفاهيم وأوهام كثيرة، وكان هناك مبالغة في تقدير قوة “إسرائيل”.
وأثبتت الحرب هشاشة الكيان الصهيوني الذي يعيش على الدعم الأميركي والغربي، وأنه مجرد أداة بيد القوة الإستعمارية الكبرى، ورسّخت الحرب القناعة التامة لدى الجماهير العربية بحتمية النصر على الأعداء، وثبت مدى أهمية سلاح الإرادة والوعي وهو من مقومات النصر.
ونحن نفهم اللحظة الراهنة من خلال وعينا لأبعادها، التجارب ودروس التاريخ، وبعد حرب تشرين 1973 قامت الإستراتيجية الأميركية على تفكيك العالم العربي والتعامل مع كل دولة على حدا، بهدف إنتزاع عوامل القوة واللعب على أوتار المصالح الفئوية الضيقة، وإثارة النعرات الطائفية، لكي تخضع الدول العربية واحدة تلو الأخرى، إما بالعصا أو بالجزرة أو الإثنين معاً، “وكانت إتفاقيات كامب ديفيد لإخراج مصر من دائرة الصراع، واخترعوا أوسلو لإجهاض الإنتفاضة الفلسطينية”.
وتمّ بفعل السياسات الأميركية، إختراق جدار الأمن القومي العربي.
ومع الهزائم التي مُني بها المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة، حرب لبنان الثانية 2006 وانتصار المقاومة رسّخ وجودها كقوة صاعدة في المعادلة الإقليمية، وجاء كرد مباشر على المشاريع الأميركية في المنطقة، ومقدمة هامة لخروج الإحتلال الأميركي من العراق، وبذلك أُفشلت الخطوات الأولى لمشروع الشرق الأوسط الجديد الأميركي.
حاولت إدارة الرئيس الأميركي “بوش” آنذاك اللعب بالوقت الضائع وإثارة الخلافات الداخلية في “فلسطين ولبنان والعراق” في محاولة لإضعاف قوى المقاومة في أمتنا وتوجيه ضربة محتملة لسوريا وإيران، علّق عليها “بوش” الآمال الضائعة في محاولة لدفع المنطقة نحو مزيد من الفوضى ليغطي إندحاره في العراق، وإعطاء الصهاينة الفرصة لإسترداد جزء من هيبتهم الإستراتيجية وصورة ردعهم المنكسرة على أيدي أبطال المقاومة في لبنان خلال حرب لبنان الثانية 2006 والتي أعادت أمجاد حرب تشرين 1973.
لم تأتِ الحرب الكونية التي شُنّت على سوريا من فراغ، إنها إحدى تجليات المشروع الأميركي – الصهيوني في سعيه للهيمنة على المنطقة عن طريق إشاعة الفوضى والدمار والتفتيت والتقسيم في المنطقة وتحت مسمى “الفوضى الخلاقة” بالنسبة للأميركي.
لكن هذا المشروع يتحطّم اليوم على أبواب المدن السورية بفضل بسالة الجيش العربي السوري والقوى الحليفة وخاصة أبطال “حزب الله” الذين صدقوا بوعدهم وكان الوفاء العظيم.
وفي المقابل فشل المشروع وأصحابه وأدواته ومرتزقته وظهرت الحقائق جلية واضحة، وانتهت لعبة استثمارهم للإرهاب لتحقيق أهداف سياسية وفرض وقائع جديدة، وتبدو الأدوات المتأمركة من “عرب” وقد فقدت مفعولها بعد أن تمّ استنزافها مادياً وسياسياً.
سوريا اليوم تنتصر ومعها قوى المقاومة في أمتنا وبنصرها تتغير المعادلات الإقليمية والتوازنات الدولية. روسيا الإتحادية تعود اليوم بقوة ومن بوابة النصر في سوريا، ونحن نعيش ذكرى وأمجاد حرب تشرين التحريرية 1973، ننظر الى الأفق بكل أمل بالغد الآتي.
إنه وعد الإنتصار.