تعيش منطقتنا العربية في مرحلة بالغة التعقيد لم يشهد لها تاريخ البشرية مثلاً. المنطقة تحوّلت تدريجياً الى ساحة صراع مركب بأبعاده الإقليمية والدولية، وأسباب الصراع متعددة، لكنها تتمحور حول هدف واحد يتمثّل في رغبة الحلف الأميركي الغربي للهيمنة على المنطقة باستخدام أدواته الإقليمية وقوى الإرهاب التي تمّ تدجينها خدمة لمشروعه، وفي أتون هذا الصراع تندلع الحرائق في المنطقة وكل يدلو بدلوه من أجل تحصيل المكاسب على حساب شعوب المنطقة.
وحدها روسيا الإتحادية تميّزت بموقف شجاع ورأت بأن مصالحها الإستراتيجية تتمثل في مواجهة الهيمنة الآحادية الأميركية على العالم، وعملت على بلورة جبهة موحدة لمكافحة الإرهاب وهي تبذل جهود هائلة لوضع حد للهيمنة الأميركية، وتستخدم أسلوب التفاهمات، لكنها لم تنجح مع الجانب الأميركي وحلف “الناتو” الذي لم يتكيّف مع الظروف الجديدة في العالم.
ورغم الإقرار الأميركي بأن الحل العسكري أصبح عديم الجدوى ومستحيلاً في الأزمة السورية، لكنه مازال يستخدم أدواته الإقليمية وعصابات الإرهاب بغية تحقيق أهدافه.
وتستمر حالة النزيف في المنطقة، لذلك حدّدت واشنطن بأن “الحرب على الإرهاب لن تنتهي بين ليلة وضحاها بل ستستغرق سنوات عدة”.
وبدورها ترى موسكو، أن واشنطن قد تعمد عن طريق بعض حلفائها الى تسديد ضربات جوية بإتجاه مواقع عسكرية سورية كما فعلت في الرقة عبر الإيعاز لطائرات التحالف بتنفيذ المهمة والتي ستتنصّل منها لاحقاً، “لكن لدى سوريا خطة (ب) مضادة تتناسب والتهديدات المستجدة وتستند الى أسلحة روسية نوعية ومدمرة”.
لذلك جوبهت هذه التهديدات بموقف شجاع من القيادة السورية عبر بيان القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة “هددت فيه بإسقاط أي طائرة تركية تخترق أجواء سورية، وبالتعامل مع القوات التركية داخل الأراضي السورية كقوة إحتلال”.
ويحاول المحور الإستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة التمهيد لوضع سوريا على طريق التقسيم من خلال استغلال الظروف الميدانية واستخدام المدنيين داخل أحياء حلب الشرقية كرهائن ودروع بشرية من خلال آلاف الإرهابيين المسلحين في تلك الأحياء، وتريد الحكومات الاستعمارية خروج قسم من الإرهابيين وإبقاء القسم الأكبر منهم ليقوموا بالتحكم بتلك الأحياء، تمهيداً لإختلاق صيغة تكون قاعدة ومنطلقاً لإيجاد كانتونات خارجة عن شرعية الدولة السورية، يجري إدارتها وتوجيهها حسب تعليمات الحكومات الاستعمارية وأذنابها الإقليمية والأعرابية تمهيداً لوضع سوريا على طريق التقسيم.
ومن جانبها تحاول تركيا أردوغان اللعب بالنار، وليس صدفة أن تتحدث وسائل الإعلام التركية عن خريطة جديدة لتركيا تتضمن توسيع الخريطة الحالية وتعديل الحدود، وهذه الخريطة “تضم شريط حدودي على طول الشمال السوري وصولاً الى الموصل إضافة الى بعض الجزر اليونانية”. ويتزامن ذلك مع حديث أردوغان تركيا عن ضرورة تعديل إتفاقية لوزان التي جرى التوصل إليها بين مصطفى كمال أتاتورك والدول الغربية بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، ولاحقاً أقدمت تركيا على ضم أنطاكية السورية “هاتاي”، مثل هذا السيناريو يتم ترويجه في تركيا بذريعة حماية الإقليات التركمانية.
أما الوسيلة وحسب المؤشرات المتوفرة، هي إستثمار أردوغان في مشاركته في الحرب لإخراج “داعش” من المنطقة والمدن الحدودية، لضم المزيد من الأراضي السورية والعراقية، وهو بذلك يستغل حالة الفوضى والحروب التي تسود المنطقة وتصاعد الفتنة والتقسيمات الطائفية وضعف العرب على وجه الخصوص.
إن ذريعة وجود أقليات تركمانية في الموصل وبعض البلدات شمال سوريا وشمال غربها، وحجة حمايتها، رغم أن الوقائع تفيد، أن لا وجود لخليط إثني من العرب والأكراد والتركمان في تلك البلدات المحاذية.
إن بيان الجيش العربي السوري واضحاً كل الوضوح، حيث وصف “التوغل التركي في المنطقة بأنه احتلال وانتهاك للسيادة وسيتم التصدي له”، والإحتلال يواجه بالمقاومة حسب شرعية محكمة العدل الدولية، وفي المنطقة أصبح الصراع في ذروته ومضامين الصراع وأبعاده تتعدى حدود المسرح الذي تدور عليه المعارك، وسيكون للإنتصار نتائجه الهامة على صعيد محاربة قوى الإستعمار والهيمنة، تبدأ بتغيير المعادلات في المنطقة وجوارها الإقليمي وصولاً الى طي صفحة الآحادية الأميركية في الهيمنة والى غير رجعة لصالح قوى العدل والحرية والسلام ونصرة لقضايا الشعوب في حياة حرة كريمة، وأهمية الإنتصار ستكون نابعة من هنا ومن البوابة السورية، بوابة المقاومة المعمدة بالتضحيات ويوم النصر أصبح أقرب من أي تصور.