سريعاً أعطانا الوزير الأسبق وئام وهاب موعداً للقاء. لكن الانشغالات الكثيرة لرئيس «تيار التوحيد» الذي يقف الى جانب سورية في السراء والضراء جعلت الجلسة جلستين. في الأولى كان الحديث عن الطفل وهاب، الذي فجع بموت والدين في عام واحد، الوالد بصلة الرحم، و«الأب» الزعيم كمال جنبلاط. تم اللقاء في مكتبه في بئر حسن (غرب بيروت)، على مسافة أمتار من السفارة الإيرانية، وانتهى بدخول ضيوف غير منتظرين. أما الجلسة الثانية فتمت في الليلة نفسها ولكن في منزل وهاب الذي يضيق بالأصدقاء والأنصار. كان يشرب النبيذ مع «الدكاترة»، فيما بعض المريدين يجلسون في صالون آخر، وآخرون في صالون ثان. استقبل «الراي» بـ «شورت» و«تي شيرت» بعد ممارسته رياضة المشي. أمضينا معه نحو ساعتين عبر خلالهما عن أبرز مراحل حياته، مازجاً الخاص بالعام في إطار حياة حزبية وسياسية صاخبة. فماذا قال ابن الـ 45 عاماً الذي حجز لنفسه «زعامة» درزية لا يستهان بها كسرت احتكاراً تاريخياً للجنبلاطيين والأرسلانيين؟
• أين وكيف بدأت قصتك؟
– منذ الصغر، حين بدأت بتعاطي الشؤون السياسية من الباب الطالبي والكشفي في الضيعة. كنت عضواً في كشافة «الحزب التقدمي الاشتراكي»، ذلك أنني كنت، وما أزال، شديد الاعجاب بكمال جنبلاط. كنت مسحوراً به وبأحاديث الكبار عنه وبأخباره، وفي ما بعد قرأته وسحرت بفكره. لكنّ قراءاتي الأولى كانت لجبران خليل جبران. كان جبران أول من ساهم في تنمية الثورة وروح التمرد في داخلي. من العمل الكشفي انطلقت إلى العمل الطالبي. كنت في المرحلة المتوسطة في المدرسة ومن المحرّضين على القيام بإضراب تضامناً مع الجزائر في ذكرى انتصارها في العام1976. وأذكر أنّ الروح السياسية فيّ جعلتني ألقي كلمة بعد تظاهرة يوم استشهاد كمال جنبلاط. رغم صغر السن كانت لدينا طموحات وأحلام كبيرة، وكنت أفكر في الوصول ولكن لم أكن أعرف أنني أستطيع تحقيق شيء في المستقبل. كنت أرى كثيراً من الحواجز أمام فتى يتحدر من عائلة عادية. أدركت باكراً أن تقليد الزعامات في بلدنا موجود في دماء الناس وشرايينهم. حتى اعجابي بكمال جنبلاط كان سببه أنه خارج الاقطاع وخارج العائلات التي كانت ترث السياسة دون أي جهد. كنت، منذ صغري، رافضاً لمنطق الوراثة السياسية، لذا لم أشبّ على ولاء تقليدي. علماً أنني لست من عائلة جنبلاطية بل من عائلة معادية لجنبلاط سياسياً، فوالدي من عائلة يزبكية ووالدتي من عائلة شمعونية، وعائلتي واخوتي كانوا ضدي. وفي معظم الأحيان كنت أتقاتل معهم لأنهم كانوا يرفضون إلصاق صور كمال جنبلاط على جدران المنزل. في عامي الثاني عشر بدأت التمرد في المنزل. لم اقتنع يوماً بما رسم لحياتي، ودائماً كنت اتجاوز الحدود المسموح بها في البيت. كان والدي يخاف عندما أحمل السلاح وأذهب إلى مكتب «الحزب التقدمي الاشتراكي» وأحياناً إلى الصيد. وعلى فكرة، لم أقاتل قبل حرب الجبل.
• كيف تتذكر استشهاد الرجل الذي كنت مسحوراً به؟
– في العام 1977 كنت تلميذاً في مدرسة «الليسيه ناسيونال». يوم استشهد كمال جنبلاط كنا قرب محطة للمحروقات. هناك سمعنا من أحد العابرين خبر استشهاده. وحتى اليوم حين أعبر قرب هذه المحطة أتذكر تلك اللحظة. حينها انهرت تماماً، بكيت وشعرت بالخوف وبأن الحياة انتهت هنا رغم أعوامي القليلة.
• هذا يعني أنك تتفهم شعور الذين فجعوا باستشهاد الرئيس رفيق الحريري؟
– أفهم شعور اللبنانيين عند استشهاد الرئيس رفيق الحريري، ولكن هناك ملاحظتان على الذين استغلوا ذكرى الرئيس الحريري، الأولى أن هناك من دخلوا منزله هو الذي كان يرفض دخولهم في حياته. دخلوه في الليلة الأولى لاستشهاده. والملاحظة الثانية محاولة استغلال دمه حتى النهاية، إذ ليس صحيحاً أنّ نصف اللبنانيين قتلوا رفيق الحريري. اغتيال الزعيم كمال جنبلاط خلق في داخلي التحدي والاستمرار، فتمسكت أكثر بانتمائي الحزبي وشعرت برغبة في النجاح. وهكذا، انخرطت أكثر في النشاطات الحزبية والكشفية والسياسية والاجتماعية.
• كيف تلقّيت زيارة وليد جنبلاط لسورية يومها؟
– لم تعن لي شيئاً، إذ لم يكن هناك اتهام مباشر لسورية كما حصل مع الرئيس الحريري. وليد جنبلاط حسم الأمور بسرعة ولم يتركها تتفاعل. كان يعتبر أن الأهم في تلك اللحظة هو المحافظة على ما تركه كمال جنبلاط. ولا تنسوا أنّه كان هناك تحد بين الأحزاب ولم يكن الجبل حكراً على «الحزب الاشتراكي». كان هناك «الحزب الشيوعي» مع قوة لا تقل أهمية عن «الحزب الاشتراكي»، إضافة إلى «الحزب السوري القومي الاجتماعي»، و«حزب البعث السوري»، و«البعث العراقي»، و«حزب العمل الاشتراكي العربي». لم يكن الحزب الارسلاني موجوداً، وكان مجيد أرسلان في أيامه الأخيرة نتيجة السياسة التي اتبعها والتي أفقدته الكثير من زعامته الدرزية بسبب ولائه لـ «الجبهة اللبنانية». كان يومها حالة تقليدية محدودة في بعض المناطق.
• هل وضعه كمال جنبلاط جانباً أو حاربه؟
– لم يكن كمال جنبلاط يعمل على هذا المستوى بل على مستوى الأمة العربية كلها. لكن الأمير مجيد أرسلان، مع احترامي ومحبتي له، كان وجوده يقتصر على اللعبة المحلية. لم يكن في اللعبة السياسية الكبرى، وهذا ما أدى إلى هزيمته أمام كمال جنبلاط. في انتخابات العام 1972 اضطر إلى أن يتحالف مع كمال جنبلاط ليربح مقعداً نيابياً في عاليه. يومها، أجبر الرئيس ( الراحل ) سليمان فرنجية الزعيم المسيحي بيار الجميل على تشكيل لائحة ثالثة برئاسة طانيوس ساباً لتفوز لائحة جنبلاط وأرسلان. في العام 1977 اهتممت أكثر بالنشاط الحزبي والسياسي. وفي العام 1978 اصبت بصدمة أخرى بعد استشهاد كمال جنبلاط هي وفاة والدي بأزمة قلبية. وكنت انذاك في الرابعة عشرة.
• «والدان» في عام واحد.
– نعم لأنّ كمال جنبلاط كان والدي الروحي. تركت وفاة والدي انعكاساً كبيراً على شخصيتي وحياتي، لكن موته حولني في يوم واحد من طفل إلى رجل كبير. شعرت بأنني كبرت كثيراً في ذلك اليوم. وبعد انتهاء التعازي صرت وحيدا. لم يعد هناك أحد في المنزل. فقط أنا ووالدتي واختي الصغيرة. أذكر أنّه توفي في عيد الميلاد، فأحسست أن الشتاء كان كئيباً ذلك العام. أذكر أيضاً أنّ جارنا، صديق والدي، كان يرسل في طلبي باستمرار وكنا نجلس قرب «الصوبيا» ونتحدث. كان يحاول تسليتي لأنسى مأساتي. رغم ذلك كان الشتاء قاسياً. تعذبنا كثيراً في حياتنا اليومية بعد موته. كان يدير مدرسة وتعويضه لم يكف لأعيش مثل سائر الأولاد. في المدرسة، لم أكن استطيع شراء منقوشة وعلبة لبن. كان عليّ أن اختار إما هذه وإما تلك. وأذكر جيداً أنّ والدتي لم تشتر لأعوام أي غرض يخصها. في ذلك الوقت استمررت في العمل السياسي والطالبي. وعندما توفي والدي كنت في الصف الثانوي الأول ولم أتقدم إلى الامتحانات الرسمية بسبب الحزن.
• متى صرت مقاتلاً؟
– قاتلت للمرة الاولى في العام 1982 ولم أتقدم إلى الامتحانات الرسمية في ذلك العام أيضاً. في العام 1984 تقدمت إلى الامتحانات وكنت قد بلغت العشرين. كنت متطوعاً من دون راتب. لم يكن هناك رواتب للمقاتلين في تلك الفترة. في العام 1980 شاركت في دورة مدفعية في الشوف. يومها، نصبنا مدفعية في نيحا وكنا مستعدين لهجوم إسرائيلي محتمل، لكنني لم أترك المدرسة. وفي العام 1982 اجتاحت إسرائيل فقمنا بتكوين مجموعة من 70شاباً مقاتلاً، وكنت مسؤولاً عنها مع صديق لي. في ذلك العام، رحل الفلسطينيون من الجنوب والبقاع وتركوا السلاح وراءهم، فأخذنا ما تركوه في منطقتنا وخبأناه. بعد أسبوع، دخلت الدبابات الاسرائيلية الضيعة. نحو 20 أو 30 دبابة انتشرت في انحاء القرية وطلب منا الجنود السلاح الفلسطيني. طبعاً كان هناك عميل أفشى لهم السر. هربت أنا وصديقي في اتجاه النهر وقررنا أن نواجه وحدنا حتى من دون أوامر من «الحزب التقدمي الاشتركي». لم نوافق على تسليم السلاح، لكن أحد الأشخاص في «الحزب التقدمي» اعترف بمكان السلاح، فخبأنا جزءاً منه والجزء الاخر تم تسليمه. بعدها، بدأنا بالتفكير في كيفية مواجهة «حزب الكتائب». قمنا بتهيئة المواقع العسكرية وشاركنا في حراسة الضيعة. وفي العام 1983حصلت المعركة الكبيرة. كان لدينا أسلحة خفيفة مضادة للطيران.
• كيف تحولت من مقاتل إلى صحافي؟
– درست في كلية الآداب، وبدأت عملي كصحافي في إذاعة «صوت الجبل». عملت فيها لشهر واحد ثم انتقلت إلى وكالة انباء في بيروت. بعد عامين عملت في جريدة «اللواء»، وسمح لي بتوقيع اسمي للمرة الاولى في العام 1986 بعد عامين من الكتابة من دون توقيع. في الماضي كان من الصعب ان يوقع الصحافي اسمه، وكان عليه أن يخضع لاختبار تلو اخر. في العام 1988 انتقلت إلى جريدة «السفير»، وصرت أكتب المقالة الرئيسية في الصفحة الثانية. كنت في «السفير» خلال حربي «الالغاء» و«التحرير». اذكر أن القصف كان يبدأ عند الساعة الخامسة، وكان يفترض أن انهي كتابة المقالة في هذا الوقت لأذهب إلى الجبل. في أحد الأيام نجوت من الموت بأعجوبة. كان قد بدأ القصف على المبنى الذي اقيم فيه في حي مار الياس قرب مركز «الحزب الاشتراكي»، ولحسن الحظ كنت قد نزلت لاشتري منقوشة. وعندما عدت وجدت السيارات مدمرة بكاملها. في تلك المرحلة كنت أكتب موقفي السياسي في الجريدة. وتلقيت عرضاً من جريدة «الديار» يساوي عشرة أضعاف راتبي في «السفير». كنت أريد شراء منزل في بيروت فوجدت العرض مغرياً وبدأت أكتب عموداً في «الديار». ثم انتقلت إلى «نداء الوطن» لأن صديقي جوزف الهاشم بدأ الإشراف عليها. في العام 1990 تركت «الحزب التقدمي الاشتراكي». في تلك الفترة ما عدت أشعر بأنه الحزب الذي انتسبت إليه أيام كمال جنبلاط، وباتت لدي اعتراضات كثيرة على طريقة إدارته. عند عودة الأمير طلال أرسلان من الولايات المتحدة تعرفت إليه عبر أخي الذي كان صديقه، واتفقنا على أن نعمل لخلق زعامة أخرى وتأسيس حزب آخر. كنت قريباً منه، ولكن عندما بدأنا التحضير لتأسيس الحزب اختلفنا. كان ذلك في العام 1998
• هل كان قريباً من السوريين يومها؟
– بدأت علاقاته مع السوريين العام 1985 عندما فتح له الرئيس حسين الحسيني خطاً معهم، الأمر الذي أدى الى توزيره في حكومة الرئيس عمر كرامي في العام 1990 لقد عاد من أميركا إلى الوزارة وكان يبلغ 23 عاماً فقط. وقد كبّروه عامين لتعيينه نائباً في البرلمان يومها.
• لماذا هذا الاهتمام السوري به؟
– لأن وليد جنبلاط ارتكب خطأ، في رأيي، في حسابات الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في العام 1987 عندما حاول احتلال بيروت بمشاركة ياسر عرفات. كان الأخير قد بدأ التحضير لاتفاق «أوسلو» وكان يريد أن ينهي ردّ الفعل السوري لئلا يكون رد الأسد على «اوسلو» شرساً، فقرر أن يحتل بيروت. وقد أخطأ وليد جنبلاط بالدخول في هذه المعركة إلى جانب «الحزب الشيوعي» بمساعدة عرفات. هذا الأمر أعاد السوريين إلى بيروت. وفي رأيي أن السوري أخذ يفكر آنذاك في دعم جهات أخرى غير وليد جنبلاط بعدما دعمه على حساب أرسلان وكاد يلغي الأخير من الحياة السياسية اللبنانية. كان الأمير مجيد أرسلان قد ارتكب خطأ تاريخياً بدعم انتخاب بشير الجميل في العام 1982 رئيساً للجمهورية والموافقة على اتفاق 17 مايو. لذلك تعزز موقع وليد جنبلاط. وعندما دخلت حكومة عمر كرامي في العام 2004 كان أرسلان قد خرج منها. لنعد إلى التسعينات. بدأنا العمل أنا وأرسلان واتفقنا على تشكيل ثنائية كمقدمة للديموقراطية في الحزب الجديد. لم تكن الثنائية خيارنا النهائي. وعندما بدأنا بتأسيس الحزب لم أشعر بأننا نؤسس حزباً بل مؤسسة ستخدم العائلة، فقررت الابتعاد. في العام 1996 ترشحت في الانتخابات النيابية في الشوف مع ناجي البستاني وحصلت على 12000 صوت. فاعتبرت أنه انتصار لأنني لم أدفع ليرة واحدة، ولم أكن معروفاً بالاسم بل كنت جديداً في الحياة السياسية. حصلت على 12000 ألف صوت رغم أنني كنت أنافس وليد جنبلاط الذي كان وزيراً للمهجرين ويوزع المال في كل مكان، إضافة إلى مروان حمادة الذي كان وزيراً للصحة آنذاك. كنت قريباً من وليد جنبلاط في تلك الأثناء، وعلاقتي بسورية جديدة. تعرفت إلى السوريين كنظام نتيجة حادثة في العام 1998 كان سببها الرئيس رفيق الحريري. هذه الحادثة هي التي عرفتني إلى رستم غزالة الذي حلّ المشكلة.
• ما هي؟
– الحادثة حصلت مع النائب نهاد المشنوق. يومها اتهم بالعمالة لإسرائيل، فذهبت إلى الرئيس رفيق الحريري وقلت له «لماذا سمحت للأجهزة باتهام المشنوق بأنه عميل إسرائيلي وهو اتهام غير مقنع بل تركيبة أجهزة؟». ربما ذكر الرئيس الحريري ما قلته أمام اللواء غازي كنعان، ففهم أنني اتهمه وفتحت عليّ أبواب جهنم. يومها، تدخل اللواء رستم غزالة وحل الموضوع وبعدها نشأت صداقة معه استمرت حتى اليوم. هذا في العام 1998 وقد قاطعني الرئيس إميل لحود بسبب مشكلتي مع المشنوق لمدة عامين ثم صالحنا ناجي البستاني.
• كان المشنوق صديقك؟
– نعم، الأجهزة ركبت التهمة ونهاد المشنوق ليس إسرائيلياً، كنا صديقين أنا وهو وكنت ضد استسهال الاتهام بالعمالة لاسرائيل.
• لكنك تستسهل هذه الأيام اتهام الآخرين بالعمالة؟
– أنا من اتهمت؟ إتهمت من كانت لهم صلات بإسرائيل سابقاً وزاروها وتدربوا فيها ولم أتهم من لم يزرها، ونهاد المشنوق ليس في الموقف من اسرائيل مثل سمير جعجع. من أتهمهم كانت صلاتهم علنية بإسرائيل، وأذكر أن الصورة التي استفزتني أكثر كانت صورة الشيخ بيار الجميل يستعرض حرس الشرف في المجلس الحربي (المقر السابق لـ «القوات اللبنانية») مع موشي أرينز وزير الحرب الاسرائيلي (يضحك). هذه مهزلة، وفي العام 1982 استفزني كثيراً أن يكون بشير الجميل رئيساً للجمهورية، أنا مهزوم ومقهور وإسرائيل تعربد في بلادي والجميّل يستقوي عليّ بالدبابة الإسرائيلية التي تهينني ليصير رئيساً. في العام 2000 تصالحت مع الرئيس لحود وبرز الخلاف مع جنبلاط. في أحد الأيام، زرت مرشحاً للانتخابات اسمه مروان أبو شقرا، كان مرشحاً في الشوف، ووجدت الإشتراكيين يطوقون مكتبه ويحاولون ترهيبه، فدخلت المكتب واشتبكت معهم. حينها، تدخل الجيش بعدما طلب الإشتراكيون عبر الميكروفونات في القرى مواجهتنا. وظل الخلاف قائماً بيني وبين جنبلاط حتى العام 2001 حين تصالحنا صدفة في مأتم وبدأت اؤدي دور الوسيط بينه وبين السوريين.
• كيف انتقلت من مشكلة مع السوريين وخصم لجنبلاط إلى وسيط بينهما؟
– أنا بطبيعتي لا أخدع. إما أصادق وإما أخاصم، ولا أضمر الشر ولا أحقد على أحد. بعد جلسات عدة مع جنبلاط عرف كيف يمكن أن أحسّن علاقته مع السوريين. كنت وسيطاً بينه وبين رستم غزالة وعبره مع غازي كنعان، وكنت أعرف اللواء محمد ناصيف في سورية. كما أديت دور التقريب بعد الخلاف الذي استجد بين جنبلاط والسوريين، وقرّبت وجهات النظر. وكنت في الوقت نفسه وسيطا بين جنبلاط وأرسلان بناء على طلب الإثنين. كنت أحاول أن أحل مشكلة المجلس المذهبي ومشيخة العقل. وفي العام 2004 حاولت القيام بوساطة للاتفاق في الانتخابات البلدية، لكن الاتفاق فشل لأن جنبلاط كان يريد هزيمة أرسلان في الشويفات.
• متى انطلق «تيار التوحيد»؟
– انطلق في العام 2006 لكن العمل بدأ عليه منذ العام 2000 مع مجموعة من الشباب. بدأنا التحضير وكنا ننتظر الظروف الملائمة لإعلان الانطلاقة. في العام 2004 لم اطلقه حين صرت وزيراً، لأنني لم أرد أن أستقبل انتهازيين. وفي العام 2006 كان الوقت الأصعب الذي يمرّ على الدروز المعارضين لجنبلاط، فأعلنته في مايو من ذلك العام، وقلت إن من يصمد معي في هذه الظروف سيصمد معي دائماً. في العام 2004 أيضاً بدأ التباعد مع جنبلاط، على قاعدة أنه صارحني بأنه يرى أن الهجوم الذي بدأ في العراق على طريق الانتقال إلى سورية. قلت له رأيي، وقال إن آل الأسد لن يصمدوا حتى رأس السنة 2004ـ 2005، قلت له إن الأميركيين سيغرقون في المستنقع العراقي. وتبين أنني مصيب وأنه مخطىء. وقلت له يومها أيضاً إنه مخطىء، فقال لي: «كبر عقلك يا زلمي».
• هل تعتقد أنّه أخطأ في القراءة أم كانت في حوزته معلومات خاطئة؟
– جنبلاط لا يقرأ في مثل هذه الأمور، الأميركيون طبعاً كانوا يعطونه معطيات خاطئة. بالتأكيد هناك من خدعه وافترقنا على هذا الأساس. كنت أعتبرها مغامرة حقيقية ستجعل الدروز يدفعون ثمناً كبيراً، إذ يمكن أن تحولهم منظّرين للمشروع الأميركي في المنطقة. فقررت اتخاذ موقف مع سورية والمقاومة ينسجم مع اقتناعاتي. يومها، توطدت العلاقة مع أرسلان لأننا صرنا في الخطّ نفسه. أرسلان الذي أصيب بإحباط بعد الانتخابات النيابية في العام 2005 بسبب تحالف «حزب الله» مع جنبلاط. أديت دوراً في اخراجه من الإحباط حين هزمه وليد جنبلاط في المقعد الدرزي بعاليه بواسطة رجل كان عضو مكتب تنفيذي في حزبه، هو فيصل الصايغ. وأديت دوراً في التقريب وإعادة وصل ما انقطع بينه وبين المقاومة، وصل ما انقطع بعد الانتخابات. وبدأنا مرحلة تعاون إلى أن أسّست «تيار التوحيد».
• يقال إنّك استملت عدداً من كوادره.
-يومها توتر رغم أنني لم أستمل أيّا من كوادره. هذا ليس صحيحا ً.
• حينها بدأ التمويل الرسمي لحزبك؟
– كلا، حين بدأت المواجهة العام 2005 كان «حزب الله» متحالفاً مع جنبلاط. بدأ الدعم في العام 2007 لكنه دعم محدود لم يتجاوز 70 ألف دولار شهرياً، في مقابل 3ملايين دولار ينفقها وليد جنبلاط على الدروز شهرياً. ومعظم التمويل يذهب الى المساعدات المالية والدراسية. لدينا 2500 منتسب لكنهم ليسوا متفرّغين. وفوق هذا حصل مرشحنا في عاليه، المنفرد سليمان الصايغ، الذي حورب حتى من ميشال عون، على 6000 صوت. أما في الشوف فحصلنا على 21000صوت وكنا متحالفين مع «التيار الوطني الحر»، منهم 4000 صوت درزي، رغم أن دروز أحزاب القومي والشيوعي والارسلاني والجنبلاطي كانوا ضدنا. كنا وحدنا.
• من الثمانينات إلى العام 2007كيف كانت أمواج الواقع تلاطم أحلام الصبي الصغير؟
– عشت أصعب أيام حياتي من العام 1990 إلى اليوم. ربما هذا هو العام الأول الذي أعيش فيه مرتاحاً.
• هل بدأت مرحلة الحصاد في هذا العمر؟
– نعم أعتبر أن مرحلة الحصاد بدأت، بعد أكثر من 30عاماً من الزرع، مادياً ومعنوياً. فأمي على سبيل المثال خسرت نصف عمرها لكثرة ما خوّفوها عليّ، خصوصاً حين ترشحت للانتخابات النيابية في العام 1996. كان الأصحاب والخصوم يخوّفونها قائلين لها: فليربّ أطفاله، وهي تروح تترجاني أن أحيد عن السياسة خوفاً من القتل. لكنني كنت قد قررت المواجهة والعمل في السياسة من خارج العائلات. تعذبت كثيراً، والضريبة التي دفعتها كبيرة جداً، فقد خسرت كثيراً من الأصدقاء، أغلبهم عادوا اليوم. أحد الأصدقاء إلتقيته قبل أيام. كان سألني رأيي في السياسة في العام 1994 فقلت له رأيي بصراحة في الاقطاع السياسي، ففارقني قائلاً لنفسه انني لابد مجنون. ثم عاد والتقاني قبل أيام وقال لي أنه كان مخطئاً وأنني كنت مصيباً وراح يضحك ويقول عن نفسه سخيفاً. أيضاً هناك صداقات خسرتها وخسرت حياتي الشخصية، مثل شراء أغراض البيت من السوق، فأنا أحب شراء الخضر واللحوم والتسوّق للمنزل. اليوم ما عدت أقوم بالتسوق بسبب الشهرة ورغبة المحبين في المصافحة وأخذ الصور إلى جانبي… مثلاً سافرت مع العائلة إلى دبي وذهبنا إلى «مول»، فعدت من منتصف الطريق. هناك ترى السعودي والمصري والأردني، وفي الشارع العربي ثمة نسبة محبة كبيرة لي (يضحك قاصداً أن الجمهور العربي يكرهه). وفي لبنان أستطيع أن أتجول مشياً في قرية الجاهلية. أذهب الى الحقل وأهتم بالأشجار وأربّي الغزلان في مزرعتي. بدأت بتربية الغزلان قبل 16 عاماً وما زلت مستمراً.
• هل تقرأ كثيراً؟
– نعم أحب القراءة وأمارسها كثيراً، وحالياً اقرأ كتاباً عنوانه «صحوة الشيعة». بدأت بقراءة كتاب آخر أعجبت بعنوانه: «الغنوسية في الإسلام»، يتحدث عن المذاهب الأقلية في الإسلام، أحببته كثيراً.
• بعد 50 عاما ماذا سيقولون عن وئام وهاب، هل كان شيعياً في السياسة أم أنه حمى الدروز بخياراته؟
– اعتبر نفسي جزءاً من المقاومة ولست حليفاً لها فقط، وجزءاً من الدروز، وحتماً سوف ينصفني التاريخ، وقد بدأ الناس ينصفونني اليوم، والحمد لله أنني لم أمت قبل أن ينصفني الدروز.
• هل يمكن القول انك لعبت «القمار» السياسي في الأعوام الأخيرة في الرهان على طرف كان يبدو ضعيفاً هو سورية و«حزب الله»؟
– قمت بـ «صولد وأكبر». على سورية و«حزب الله» وكسبت الرهان.
كنت أعتبر أنّ الموت أسهل من أن نستسلم. وبالفعل في مرّات عدّة أخذت أولادي عند السيد حسن نصرالله وعرفتهم إليه وقلت لهم أنه في حال أصابني مكروه ما فاذهبوا إليه أو اتصلوا بالرئيس بشار الأسد، وهما قادران على اعالتكم. فأنا لا أملك أموالاً أتركها لهم ولا أطياناً ولا شيء، وليس لدينا ثروة لنعيش منها. يومها تأثر السيد نصرالله وأنا أيضاً تأثرت ودمعت عيناي.
• أخبرنا عن أولادك؟
– هادي الكبير عمره 17 عاماً ونصف العام، وبشار عمره 12 عاماً ونصف العام، ورين عمرها 16 عاماً، وريدا 6 أعوام، وقد ولدت قبل أن أصبح وزيراً بأشهر قليلة. أريد أن أكمل أنني بدأت أشعر بمرحلة الحصاد لأنّ الجوّ الدرزي أصبح ممتازاً وأحس أنني أستطيع اجتذاب الناس والعقلاء من الدروز، الذين يعتبرون أنني كنت على حق، وأنا الذي تركت باباً مفتوحاً للطائفة لتعود وتدخله من موقعها التاريخي.
• لماذا حصدت أنت وليس أرسلان؟
– �