التاريخ هو المعلم الذي يروي حكايات البطولة والفداء، وفي إطلالة على مضامين تلك الحرب نحتكم للتاريخ لفهم اللحظة الراهنة التي تمر بها أمتنا، حيث مسرح الأحداث يعج بالكثير من التطورات المتلاحقة والتحديات بكل أبعادها، ومنذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أصبح المشهد مفتوح على كافة الإحتمالات، وما يحصل اليوم من هجمة استعمارية بأدوات إرهابية تستهدف سوريا وقوى المقاومة ما هي إلّا مجرد تصفية حسابات وهدفها الهيمنة على المنطقة وتحطيم قدراتها ونهب مواردها وجعلها رهينة بيد القوى الإستعمارية الى أمد بعيد.
نحن أصحاب القضايا وعلى أرضنا تدور رحى الحرب، ونحن اليوم لا بدّ لنا من العودة الى أمجاد حرب تشرين التحريرية عام 1973، نستلهم منها الهمم وننظر الى صورة الجندي العربي في كل من سوريا ومصر وهو يسطر أروع نماذج الدفاع عن الأمة، ونتذكر مرحلة الإعداد لتلك الحرب والجهود العظيمة للقائد الخالد الرئيس حافظ الأسد، وهو الذي كرّس حياته لبناء الوطن وتأمين مستلزمات الصمود والتصدي للأعداء، حيث تمّ صهر الإيجابيات على المستوى العربي والدولي وتكريسها في خدمة معركة البناء والتحرير، وكانت حرب تشرين هي الرابعة في سلسلة المعارك الكبيرة ضد العدو الصهيوني، وهي الحرب الأولى التي يحدد زمانها ومكانها بقرار من سوريا ومصر وإرادة عربية مقاومة ممثلة بالجيشين السوري والمصري وقوى المقاومة التي شاركت بقدر ما إمتلكت من إمكانيات وفي أجواء عربية متضامنة، حيث استخدمت الأسلحة العسكرية والإقتصادية والسياسية والضرب بالعمق وامتلاك الرؤية الإستراتيجية والمفاجأة الكاملة.
حرب تشرين هي فاصلة هامة في تاريخنا، نقلت المنطقة من حال هزيمة 1967 الى حال جديدة واستلام زمام المبادرة، فوجئت دولة الكيان بالهجوم العربي (السوري والمصري)، وتمكّنت القوات المصرية من تحطيم خط بارليف الذي طالما تبجّحت دولة الكيان باستحالة عبوره، واستطاعت القوات السورية في عملية الإنزال على المرتفعات الإندفاع بكثافة في قلب هضبة الجولان واستخدام الطائرات والدبابات والمشاة وتدمير خط “ألون” الذي حاول العدو تحصينه بأحدث الأسلحة، وتمّ استخدام الأسلحة الحديثة والصواريخ وأسقطت عشرات الطائرات الإسرائيلية، وانكشفت مواطن ضعف العدو وهو ما كان يعتبرها نقاط قوة.
وفي اليوم التالي من الحرب (7 تشرين) وصلت القوات السورية الى مشارف بحيرة طبريا وخسر العدو ربع عتاده، وأجبر الكيان الصهيوني على طلب المساعدة الأميركية العاجلة، وتأمين جسر جوي ونقل الأسلحة الحديثة من الجانب الأميركي الذي هبّ لنجدة قاعدته الإستعمارية، هذا الكيان الصهيوني.
إن أهم ما يميّز حرب تشرين 1973، أنها أثبتت أن الإنتصار ممكن عندما تتوفر القيادة والتخطيط والإرادة، و”أن مقولة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر أصبحت مقولة فارغة”، وقدم الموقف العربي الموحد درساً بالغاً في أهمية العمل العربي المشترك، عندما استخدم سلاح النفط من خلال تخفيض إنتاجه، وأحدث هزة اقتصادية كبرى في العالم.
وأثبتت حرب تشرين أن التحالف الأميركي – الإسرائيلي حقيقة واقعة، وعن ردود فعل الصهاينة على إنعكاسات الحرب وتأثيرها على كيانهم قال “مناحيم بيغن”: “بأن هذه الحرب بمثابة كارثة قومية لـ “إسرائيل”، واعتبرها أرييل شارون: “بأنها أقسى حرب واجهت “إسرائيل” منذ تأسيسها”، ويومها قالت صحيفة الغارديان البريطانية: “إن الأسطورة التي دامت ربع قرن قد اختفت و”إسرائيل” معتبرة الآن ونهائياً، كشيء لم يعد منيعاً ويمكن الإنتصار عليه”.
وكذلك فعلت صحيفة “الديلي ميل”: “لقد حطمت الحرب الرابعة (الوضع الراهن) العزيز على الإسرائيليين، وتلقى المجتمع الإسرائيلي صدمة عنيفة وأصيبت معنوياته بهزة زلزالية”، وأثبتت الحرب هشاشة الكيان الصهيوني الذي يعيش على الدعم الأميركي والغربي، وأنه مجرد أداة بيد القوى الإستعمارية الكبرى، فإنهارت أسطورة الردع التي طالما تباهى بها.
من هنا نفهم أهمية اللحظة الراهنة وأبعادها وحقيقة الهجمة التي تستهدف سوريا والمقاومة، وهذا يؤكّد بأن الصراع مازال مستمراً، والأهداف الكبرى والإلتزام بقضايا الأمة مازالت كما هي، وهذا ما يعزز صوابية الرؤية التي تتبناها القوى الحية في أمتنا وهي تقدم التضحيات في مواجهة الهجمة التي تستهدف الأمة بأسرها.
وستبقى ذكرى حرب تشرين التحريرية عام 1973 خالدة في نفوس جماهيرنا التواقة الى وضع أفضل بين الأمم وهي تستحق ذلك، وهي التي قدّمت ومازالت من أجل الحفاظ على كرامة الأمة وعزّتها، وهو اليوم أكثر تصميماً على إفشال الحرب المجنونة التي تشن على سوريا والمقاومة وصولاً الى النصر العظيم وهزيمة الأعداء وأدواتهم الإرهابية وسقوط المشاريع الإستعمارية في المنطقة الى غير رجعة.