في صورة المشهد الماثل في المنطقة وفي العالم العربي بشكل عام، هناك الكثير من المعاني في الصراع الدائر وعلى كافة المستويات الحياتية على مستوى الفرد والجماعة والدول، والأدلة في الإستهداف ومَن يقف خلف هذا الكم الهائل من الدمار والخراب، وما وراء ذلك من أهداف استعمارية جديدة أفرزتها التطورات التي جرت في العقود الماضية، وهذه المرة تبدو صورة الوحش الاستعماري – الإمبريالية العالمية في زمن العولمة وما جرّته من ويلات وحروب بالوكالة وغيرها، طالت المستويات الإقتصادية والاجتماعية والى ابتكار وسائل جديدة في التدمير والخراب من خلال بحثها في عمق التاريخ عن عوامل التدمير الذاتي وإثارة الحروب والفتن وإدارة الأزمات العالمية والإستثمار فيها على حساب قيم العدالة والحرية والمساواة.
من هنا تمّ استهداف سوريا بحرب كونية لم يشهد لها في التاريخ مثيلاً، حيث تجليات المشروع الاستعماري واضحة وهو الذي يستخدم كافة أدواته الإرهابية تلك التي أنتجها في حرب أفغانستان من خلال تمويل الرجعيات لتلك الحروب خدمة للمشاريع الاستعمارية التي تقودها أميركا ومَن يتحالف معها أو يدور في فلكها، تلك الأدوات الإرهابية أعادت إنتاج دورها في حربها على العراق عام 2003 من خلال تداعياتها والإستثمار فيها.
وفي الحرب التي تدور في عالمنا العربي، والتي تستهدف الإنسان العربي في حاضره وغده، هي حرب إقتلاع وتدمير وتهجير والهدف الاستعماري فيها هو الهيمنة على المنطقة، وتُستهدف سوريا بشكل خاص بسبب دورها وهي رأس حربة في مواجهة الحرب الكونية ضد المنطقة وأمتنا، وتستهدف معها كل القضايا وأولها قضية فلسطين والهدف من الحرب تصفية القضية الفلسطينية وخلق قضايا جديدة تستمر الى ما لا نهاية، ودعم الكيان الصهيوني، القاعدة الاستعمارية الكبرى في المنطقة، وتعظيم دورها في خدمة الإمبريالية الأميركية، ويكفي النظر الى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وهي تودّع أيامها الأخيرة تقدّم الدعم للكيان الصهيوني بعشرات المليارات، وهذا مؤشر آخر الى أن الصراع مستمر في المنطقة! ومؤشر آخر الى فشل الحرب الكونية ضد سوريا وقوى المقاومة في أمتنا، والدور الأميركي الحالي واللاحق يتمثل في عرقلة أي حلول تؤدي الى الإستقرار في المنطقة والإستمرار في إدارة الأزمات والإستثمار فيها، أي أن هذا المشروع يخطط الى ما بعد إنتصار سوريا في الحرب الدائرة.
بالتأكيد وكما قالت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا”: “ليس هناك شيء أكثر بربرية في التاريخ الحديث مما فعلته الولايات المتحدة في العراق وليبيا…”.
والعدوان الأميركي الذي استهدف موقع الجيش العربي السوري في دير الزور، هو تغطية على الفشل الأميركي وعجز عن الوفاء بالإلتزامات الخاصة بالفصل “ما بين الإرهابيين والمعتدلين”، وهو تعبير أجوف خالٍ من أي مضمون، ويفترض أن واشنطن تسعى الى إستئصال الإرهاب وليس دعمه لإحتلال مواقع في دير الزور.
لقد إنكشف زيف التسمية (المعارضة) وأثبتت الأحداث أنها مجرد تشكيلات تابعة في خدمة المشروع الذي يستهدف المنطقة وهي “معارضة” فاقدة للرؤية وتتاجر بدم أبناء الوطن وارتبطت عملياً بأعداء سوريا، وأصبحت تردد ما يملى عليها وهي غارقة في المال والمتاع، وهي تابعة للمشروع ذاته.
والإرهاب أصبح حليفاً للمشروع الأميركي الذي يقدّم له السلاح والدعم والمعونات، وأصبح هناك تناغم واضح بين المجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وقوى الإرهاب، والحرب على الإرهاب هي مجرد ذر للرماد في العيون.
وفي مسرحية “الربيع العربي” في معظم الدول العربية، هدفت واشنطن الى نهب خيرات الأمة وعلى رأسها النفط والغاز، وهي تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في الإخراج، وتعيّن ما تريد من حكام “العرب” كوكلاء وممثلين لها في المنطقة.
لقد تدخلت روسيا في الأزمة السورية بعد أن إنفضح الدور الأميركي التخريبي في المنطقة، وقرّرت المواجهة من أجل فرض أمر واقع آخر مختلف، والرؤية الروسية تعمل على تجزئة الحل على مراحل من أجل مواجهة طويلة الأمد والبناء على الإيجابيات.
يعمل المشروع الذي يستهدف المنطقة على تشغيل التكفيريين وتوظيفهم في خدمته من خلال الدمار والتفتيت وبالتالي ليس هناك من فرق بين “الإرهابيين والمعتدلين” ولكلّ دوره في إطالة أمد الحرب والإستنزاف.
لكن هذا المشروع لم يحقق أهدافه وهو يستعد لمرحلة ما بعد نصر سوريا ويريد ترتيب أوراقه وساحاته التي تورّطت في الحرب على سوريا، ويحاول توريط روسيا في الأزمة السورية.
وفي وقائع الميدان، إنتصر محور المقاومة والممانعة وازداد قوة ومنعة، والحرب أصبحت إقليمية وبأبعاد دولية، والحضور الروسي القوي وتكثيف التعاون مع قوى المقاومة هو مؤشر هام على مدى النجاح الذي تحقق في مواجهة الحرب التي شُنّت على سوريا بأدوات أميركية وصهيونية ورجعية.
الأمر الواقع في سوريا أصبح لا يروق للجانب الأميركي، فسوريا صمدت وقاومت وتنتصر وتقف سداً منيعاً في مواجهة الخطط والمشاريع الأميركية في المنطقة وقرارها التصدي وتحقيق النصر.