ليس في وسع “لائحة البيارتة” كما لم يكن في وسع “تيار المستقبل” قبلها، اجهاض التمرد البيروتي ، ولا حتّى إضعافه والذي برز من خلال نسبة الاصوات المرتفعة التي حصلت عليها لائحة “بيروت مدينتي”.
هذه بديهة لا تحتاج إلى أدلّة وبراهين. فلائحة “بيروت مدينتي ” التي ضمت شريحة واسعة من المجتمع المدني متنت الحياة اللبنانيّة، وسواه هوامش. لكنّ هذا لا يلغي، أقلّه على صعيد الرمز، قدرة “الطارئين ” على استفزاز “الاصيلين” ، بل على ما هو أكثر من الاستفزاز، على التلويح بمستقبل انمائي شرط أن يكون هناك مستقبل.
والاصطفاف الذي حملته معركة الانتخابات البلديّة في بيروت قبل يومين كان دالاًّ بما فيه الكفاية: أحزاب الطوائف كلّها في كفّة، والمرشحون المدنيون ، ولو تفاوتت طرق الخروج وأساليبه، في كفّة أخرى.
في الكفّة الأولى تطغى عناوين الرجعية والهويّة الحريرية والولاء للزعيم والدفاع عن الفساد والسرقات ضدّ المساءلة والمحاسبة ، وتحصل تحالفات غريبة وعجيبة تجمع بين تحالف تيار الازرق والاحزاب المسيحية والقوى والشخصيات المستوزرة بما يضرب المسمار الأخير في نعش الثنائيّة بين 8و 14 آذاروعودة كلّ منها إلى لعبة المحاصصة والتقاسم.
أمّا البند المتقدّم الوحيد، أي المناصفة الطائفيّة، فيقع تعريفاً داخل نظام الطائفية السياسية القديم – الراهن ومساوئه ، من دون أن يخطر لأصحابه بتاتاً إمكان تجاوزه الذي يُدرَج في خانة الممكن بعد اليوم.
أمّا في الكفّة الثانية، مع “بيروت مدينتي”، فتطغى عناوين الانماء والكفاءة والانفتاح ودور المرأة والفعاليّة والانتاجية والنزاهة، أو على الأقلّ، محاولة الارتقاء إلى هذه السويّة. إنّ “الاصيل” هنا يطمح إلى مقارعة “الوافد” هناك.
وإذ نبّهت «بيروت مدينتي» إلى هموم جامعة وفساد هؤلاء الوافدين على مدينتهم يُفترض بها أن توحّد اللبنانيّين، قفزاً فوق انتماءاتهم وأصولهم المذهبية والطائفيّة، نبّهت لائحة «البيارتة» إلى ما يميز اللبنانيين على اساس المراتب والطبقية. بهذا حملت الأولى هموم المظلومين والفقراء والكادحين في الزوايا النائية ، ، فيما حملت الثانية خيار الفصل بين البيارتة على اساس المراتب والمناصب الأقلّ استشعاراً بها.
في يوم الانتخابات البيروتية وبدرجة أعلى من التركيز، قالت «بيروت مدينتي» إنّ اللبنانيّين عموما والبيارتة خصوصا لا ينقسمون إلى مشايخ وزعماء ورعيّة تابعة، ، بل هناك مواطنين من لا يشرّفهم التعرّف إلى الزعيم والجلوس في حضرته والاستماع إلى نكاته البائخة وأخذ الصورة التذكاريّة معه.
وهذه مسائل يستطيع المواطن في العاصمة بيروت التعبير عنها بوتائر متسارعة مع انكسار قبضة الثنائية الآذارية على اعتبار الشؤون البلديّة، أي تسيير أمر المواطن ومدينته، اعلى من السياسة التي تتربّع تلك القوى واثقةً على عرشها. ومن جهة أخرى، جاء الإقبال المقبول نسبيا على الاقتراع يسجّل التصديق الشعبيّ العريض لتلك الصورة كما رسمتها “بيروت مدينتي”ومن ثمّ انتشار الامل بالتغيير مصحوباً بقرف من هذه السياسة.
وفي الغضون هذه، ومن “الحراك المدني ” إلى “بيروت مدينتي” ، تبقى المحاولات الجريئة لأفراد شجعان ليسوا مولعين بالخسارة، إلاّ أنّهم أيضاً غير مولعين بمناصب على حساب كرامة المواطن ولقمة عيشه.