بصرف النظر عما حملته نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت وزحلة والبقاع وعما ستحمله في الايام المقبلة في بقية المناطق اللبنانية ، لن تستطيع هذه المناسبة التي اطلق عليه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق لقب “الخطبة” الديمقراطية ان تغير شيئا في المشهد السياسي في لبنان.
فحماسة الناخبين التي لم تترجم مشاركة واسعة في صناديق الاقتراع وطرح المرشحين “لمطولاتهم ” الانتخابية التي تزينها صورهم المنتشرة بين الاحياء والازقة التي تفوح منها رائحة النفايات المكدسة في الشوارع لن يأتي حتما بالتغيير المنشود.
ومثلما فشل الحراك المدني الذي لم يتحرك الا عندما اشتمّ رائحة النفايات وخرج بشعار “طلعت ريحكتم” و”بدنا نحاسب” وغيرها من الشعارات الفضفاضة، كذلك يمكن تقييم حماس بعض المرشحين من “العملية الديمقراطية ” قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات البلدية والاختيارية لطرح برامج والمشاركة في الترشح لهذه العملية لاسيما في العاصمة بيروت. فادعاء لائحتي ” البيارتة” و” بيروت مدينتي” بالتغيير واقتراح برامج ووجوه وقوى بديلة يتطلب أكثر من برنامج. او تعليق صورة من هنا وهناك. فحتى البرامج نفسها، لا يمكن ان تطرح في لحظة انتخابية ما، مهما بلغت أهميتها ومهما بلغت درجة التعطش لها في ظل التمديد غير الشرعي لمجلس النواب وعدم انتخاب رئيس للجمهورية والخلافات المستمرة في مجلس الوزراء وانعكاس ذلك على تسيير الشؤون الحياتية للمواطنين بشكل عام.
ان البرامج الانتخابية لا تأتي لمجرد اجتماع مرشحين وناشطين ومتحمسين من اختصاصات وتجارب مختلفة والاتفاق على المشاركة في الانتخابات. فالمسألة تحتاج لوقت طويل ومراكمة خبرات وأفكار ونضالات وتواصل دائم مع الناس، تبدأ قبل فترة طويلة من مواعيد الاستحقاق البلدي ولا تنتهي معها. هي بحاجة الى إطار فكري وسياسي وتنظيمي مرن وبوعود انمائية قابلة للتطبيق يمكن ان يفرز مرشحين معروفين من القاعدة الحزبية والشعبية ومن مؤيدين ومواطنين مهتمين بالشأن العام، تم مناقشتهم في ندوات ومحاضرات ونشرات وعبر التواصل الاجتماعي لمد جسور الثقة والتعاون بين الطرفين.
ويحتاج الامر ايضا الى إعادة تفكير وتعريف الكثير من المفردات والمفاهيم مثل الانتخاب والسلطة والديمقراطية والدولة ودورها وحقوق الانسان وواجباته والتنمية وغيرها من الامور التي تحتاج الى تفسيرات جديدة آخذين بالاعتبار الوقائع الاساسية ومنها تأثير الظروف الحياتية والمعيشية على كل خيار سياسي خاصة وان ملف الفساد المستشري في غالبية المؤسسات الدستورية والادارات الرسمية لم يعد امرا تفصيليا في حياة اللبنانيين ، كل ذلك يفرض علينا كمواطنين ان نعيد النظر بمفهوم التمثيل السياسي والانمائي والضغط على القوى والاحزاب السياسية لطرح برامج عصرية على ان تتضمن هذه البرامج موضوع مشاريع قوانين جديدة ذات صلة كقوانين الانتخابات النيابية والبلدية والتي تحتاج الى تعديل باتجاه اقرار قانون النسبية واللامركزية الادارية واعتماد مجلس الشيوخ . مع التأكيد على ان المعركة الاساسية هي إعادة بناء الدولة القوية والعادلة وإعادة تحديد دورها في الاقتصاد بعد سيطرة الحريرية السياسية وزيادة نسبة المديونية العامة للدولة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغياب الانماء وغيرها من المشاكل الاخرى التي تنعكس سلبا على الوطن والمواطن.
لا يمكن اعتبار ان الانتخابات البلدية هي مدخل التغيير، لان القاعدة تقول، ان قانون انتخاب على اساس النظام الاكثري في ظل سلطة متسلطة في دولة ضعيفة لا ينتج الا الفوضى ، بالمقابل ان اعتماد قاون انتخاب على اساس النسبية في ظل دولة قوية وعادلة ينتج تمثيل صحيح ومفيد.
فهل نذهب الى الأصعب والأكثر استدامة، ام نستسهل دائما الأسرع في الظهور والاسرع في الضمور، كما حصل في المرحلة الاولى من الانتخابات البلدية وتحديدا في العاصمة بيروت وبعض المناطق الاخرى التي كان من المفترض ان تنطلق من معاناة وحاجات حقيقية، ولكنها في الحصيلة، ساهمت في زيادة الشعور بالإحباط بدل ان تزيد من جرعات الامل وامكانيات التغيير نحو الأفضل؟!