بقراءة سريعة لواقع العلاقات اللبنانية – السعودية لا يحتاج المرء إلى وقت طويل، حتى يشعر أن هذه العلاقات ليست على ما يرام، وأن اللهفة التي كان يبديها غالبية اللبنانيين تجاه المملكة لم تعد على حماستها السابقة!
ان تورط السعودية في كل من سوريا والعراق واليمن والبحرين وتسعير الاقتتال الداخلي في هذه البلدان العربية والتدخل بشؤونها الداخلية وتهديد امنها واستقرارها ، ترك بصمات سوداء على صفحة العلاقات الأخوية مع بيروت، وأثار ردوداً عاتبة حيناً، وغاضبة أحياناً، من الأشقاء اللبنانيين ، الذين لم ينتظروا مثل هذا «الموقف الدموي» من مملكة خادم الحرمين الشريفين.
يمكّن القول إن العلاقات اللبنانية – السعودية تمرّ حالياً بمرحلة جمود، تطال مختلف أوجه المساعدة والتعاون بما فيها بعض المشاريع الإنمائية، باستثناء مشروع تحويل مياه الليطاني إلى بيروت، ريثما ينجلي دخان الأزمة الديبلوماسية الراهنة، ويبادر لبنان على حد قول مصادر مطلعة إلى تصحيح ما وقع فيه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل ، حتى تعود المياه السعودية إلى مجاريها اللبنانية الطبيعية!
ولعل القرار السعودي الصادم بتجميد الهبة المليارية المخصصة لدعم تسليح الجيش اللبناني الذي يقاتل الجماعات التكفيرية في جرود عرسال وغيرها من المناطق الحدودية ، يُجسّد هذا التوجّه الاستنسابي بتجميد المساعدات المخصصة للبنان، حتى تزول الغمامة الحالية التي تظلل الأجواء اللبنانية – السعودية حتى يُبنى على الشيء مقتضاه!
اللبنانيون العاملون في الدول الخليجية عموما والسعودية خصوصا ، اليهم يعود الفضل الأكبر في بناء المجتمعات الخليجية، والماهمة في عمليات التطوير والبناء التي شهدتها هذه المجتمعات نتيجة تميّزهم وتفانيهم في أعمالهم، والنجاحات التي يحققونها في المهمات القيادية التي توكل إليهم، في كبريات المؤسسات والشركات.
بالمقابل تنهج السلطات السعودية سياسات كيدية وانتقامية تجاه أشخاص ورجال أعمال لبنانيين بذريعة تعاملهم مع جهات سياسية وحزبية، خاصة «حزب الله»، حيث يودعون تحت المراقبة الأمنية لفترة، ثم يُطلب ممن “يُدان” بالعلاقة مع الحزب مغادرة البلاد خلال فترة وجيزة، في حال لم يرتكب أعمالاً مخلة بالأمن، أو ينتمي إلى خلية حزبية منظمة، وصدرت بحقه أحكام قضائية.
بالامس القريب كانت الدول الخليجية ومنها السعودية تعتبر «حزب الله» حركة مقاومة ضد العدو الإسرائيلي، وتسارع إلى مدّ يد العون والدعم كلما تعرّض لبنان لعدوان إسرائيلي غاشم، وحجم المساعدات الخليجية بعد عدواني عناقيد الغضب عام 1996، وحرب تموز 2006، يشهد على الحماس الخليجي لدعم عمليات المقاومة ضد العدوان الإسرائيلي، ذلك الحماس الذي بلغ ذروته بعد حرب تموز، ووصلت خلاله المساعدات الخليجية إلى مليارات الدولارات خصصت معظمها لإعادة بناء الضاحية الجنوبية، وإعمار وترميم القرى اللبنانية التي دمرها الاجرام الإسرائيلي.
ولكن ما الذي حصل حتى تغيّر معه الموقف السعودي تجاه الاخوة في لبنان؟الموقف السعودي من الحزب بدأ يتغيّر مع اندلاع أحداث البحرين، بعد دخول السعودية على خط الازمة في البحرين ، ثم ذهابها للقتال في سوريا والعراق، وصولاً إلى مقاتلة الحوثيين في اليمن، وهو ما يشير الى مدى ارتباط العائلة الحاكمة في السعودية بالمشروع التكفيري – التدميري المناوئ للمشروع العربي في المنطقة، وبالتالي كان لا بدّ من التعامل مع السعودية كدولة تدور في الفلك الوهابي ، وتلتزم تنفيذ المخططات الاميركية في المنطقة العربية.
ويذهب أحد الإعلاميين الخليجيين المخضرمين إلى حدّ اعتبار أن مشاركة السعودية في تمويل الجماعات التكفيرية المسلحة للقتال في سوريا أضفى على الازمة السورية طابع الصراع المذهبي المقيت، سواء عبر الشعارات الدينية التي رفعتها جماعات “داعش” والنصرة” لتأجيج حماسة التكفيريين ، أو من خلال تعرض عناصرها للمقامات الدينية للطائفة الشيعية في عدد من المناطق السورية وتحديدا في منطقة السيدة زينب بريف دمشق .ويختم الاعلامي المخضرم بالقول: وفي كلتا الحالتين أدت مشاركة السعودية في القتال بسوريا إلى تأجيج أجواء الفتنة المذهبية، وإلى بروز منظمات التطرّف الديني الإرهابية.
الواقع أن معالجة الأزمة الراهنة مع السعوديين تحتاج إلى تحرّك عربي ناشط رسمي وشعبي، سياسي واقتصادي، سياحي وصناعي، اجتماعي واغترابي، للتأكيد على عمق الروابط الأخوية والمصالح المشتركة، وللعمل الجاد والسريع على تطويق التداعيات والمضاعفات التي تهدد مصالح السعودية والسعوديين في لبنان حاضراً ومستقبلاً.
اللبنانيون لن يضمروا العداء للشعب السعودي ، ولكن معالجة الغضب اللبناني يتطلب جهوداً عربية مضاعفة، بعيداً عن أساليب المزايدات الداخلية والخارجية السخيفة.